عدم توقيع المحتكم على وثيقة التحكيم

 

عدم توقيع المحتكم على وثيقة التحكيم

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تكتسب وثيقة التحكيم أهمية بالغة ويترتب عليها اثار قانونية حيث تكسب المحكم ولايته لنظر القضية على سبيل الاستثناء من الطريق القضائي، كما ان انظار الخصوم بعد صدور حكم التحكيم تتجه إلى وثيقة التحكيم لمعرفة مدى التزام المحكم بوثيقة التحكيم عند تقديم دعوى بطلان الحكم، وهذا الامر يثير مسألة رضاء المحتكم عند تحرير وثيقة التحكيم وكيفية اثبات هذا الرضا ومدى لزوم توقيعه على الوثيقة، ومن هذا المنطلق فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11/2/2013م في الطعن رقم (47933) وتتلخص وقائع الدعوى التي فصل فيها هذا الحكم ان احد المحتكمين تقدم بدعوى بطلان حكم تحكيم لان الحكم قد اعتمد على وثيقة تحكيم لم يتم التوقيع عليها من قبل المدعي بالبطلان كما ان وثيقة التحكيم قد تضمنت تناقضاً حيث ورد فيها حضور المحتكمين أمام كاتب الوثيقة ولكن ورد في الوثيقة ذاتها أيضاً أن احد المحتكمين هو الذي امر الكاتب بأن يكتب الوثيقة  ،وقد قبلت الشعبة المدنية دعوى البطلان وقضت ببطلان الحكم ،وقد ورد في اسباب الحكم الاستئنافي (فقد تبين من خلال وثيقة التحكيم ان كاتب الوثيقة كتبها بأمر الاخ ... والاخ ..... (أي المحتكمين) وفي الوقت ذاته تضمنت الوثيقة عبارة : وان الاطراف حضروا إضافة إلى ان وثيقة التحكيم ليست مذيلة بتوقيع أو بصمة طرفي النزاع ولذلك فان الوثيقة في حكم العدم) فقام المدعى عليه بالبطلان بالطعن في النقض في الحكم الاستئنافي حيث قبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (لان الشعبة لم تكن موفقة فيما ذهبت اليه من قبول دعوى البطلان حيث استندت الشعبة في ذلك إلى أسباب واهية لا تمت  إلى الحقيقة بصلة حيث استندت الشعبة إلى عدم التوقيع من قبل الطرفين المحتكمين على وثيقة التحكيم واعتبرته الشعبة المطعون في حكمها ذلك سبباً موجباً لبطلان حكم التحكيم كما استندت إلى سبب اخر وهو الامر من قبل احد المحتكمين للكاتب بكتابة الوثيقة، وهذان  السببان ليست من اسباب البطلان وفقاً للمادة (15) إثبات والمادة (53) تحكيم كما ان الطرفان المحتكمين لم ينكرا  صحة الوثيقة) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية :

الوجه الأول : شروط وثيقة التحكيم :

من خلال مطالعة نصوص المواد (15 و 16 و 17) تحكيم نجد أنها اشترطت وأكدت ان تكون وثيقة التحكيم مكتوبة وان التحكيم يكون باطلاً اذا لم تكن وثيقة التحكيم مكتوبة وانه يجب تعيين شخص المحكم في الوثيقة، فلم تشترط هذه النصوص شكلاً معيناً في وثيقة التحكيم بل انها اجازت ان تكون الوثيقة على هيئة برقية أو خطابا أو رسالة أو غيرها من وسائل الاتصال الحديثة طالما وهو مكتوبة، وبناءً على ذلك لم تشترط هذه النصوص توقيع اطراف النزاع أو المحتكمين على وثيقة التحكيم.

الوجه الثاني : التوقيع والبصمة على وثيقة التحكيم وإثبات رضاء المحتكمين بالوثيقة :

سبق القول ان قانون التحكيم لم يشترط توقيع المحتكمين على وثيقة التحكيم او وضع بصماتهم عليها ، لكن القوانين الاخرى تشترط رضاء المحتكم بالوثيقة وإثبات هذا الرضاء حيث يكون توقيع المحتكم وبصمته   على وثيقة التحكيم دليلاً على رضاه بالوثيقة ومضمونها وفقاً لقانون الإثبات ،ولكن التوقيع والبصمة ليسا الدليل الوحيد على إثبات رضاء المحتكم بالوثيقة فيمكن إثبات ذلك عن طريق الكاتب الذي حرر الوثيقة الذي يفيد بانه قام بتحرير الوثيقة بناء على رضا وموافقة الطرفين،وكذا يمكن الاستدلال على رضا  المحتكم  بقيام المحتكم نفسه بتحرير الوثيقة بخطه أو ارسالها من ايميله أو البريد الالكتروني الخاص به أو من رقمه الهاتفي كما يمكن الاستدلال على موافقة المحتكم على الوثيقة من مجرد عدم انكاره لها مثلما حصل في الحكم محل تعليقنا الذي ورد في أسبابه أن المحتكمين لم ينكرا ما ورد في الوثيقة وانما تمسك أحدهما بعدم توقيعه أو وضع بصمته عليها ،كما أنه من الممكن إثبات موافقة المحتكم على وثيقة التحكيم بطرق الاثبات الاخرى كالشهادة والاقرار طالما والوثيقة مكتوبة حسبما اشترط القانون.

الوجه الثالث : موقع وثيقة التحكيم بين المحررات الرسمية والمحررات العرفية :

ذكرنا فيما سبق ان اقصى ما اشترط قانون التحكيم في وثيقة التحكيم هو أن تكون مكتوبة غير أنه لم يشترط ان تكون على شكل معين، وتبعاً لذلك فان وثيقة التحكيم يمكن ان تكون على هيئة محرر رسمي يتم تحريره بنظر الأمين الشرعي ويتم توثيقه لدى قلم التوثيق المختص وبموجب ذلك تكتسب هذه الوثيقة صفة المحرر الرسمي وتكون لها الحجية القانونية الرسمية المقررة في قانون الإثبات للمحرر الرسمي، علماً بان غالبية وثائق التحكيم في اليمن يتم تحريرها وانشاؤها بهذه الطريقة ،كما أنه من الممكن ان تكون وثيقة التحكيم على هيئة محرر عرفي يقوم المحتكم نفسه بتحريره بخطه فيكون حجة عليه كما قد يقوم شخص اخر بتحرير الوثيقة ليس الامين الشرعي فعندئذ يكون هذا المحرر العرفي حجة على المحتكم طالما أنه قد قام بالتوقيع عليه أو وضع بصمته عليه أو لم ينكر أن هذا المحرر قد تم تحريره بموافقته، فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد اقر وثيقة التحكيم المحررة بخط شخص غير الأمين الشرعي لم يقم المحتكم بالتوقيع أو البصمة عليها إلا أن المحتكم لم ينكر صدور المحرر بموافقته ورضاه، والله اعلم.