التكييف الشرعي والقانوني للإقعاد
أ.د. عبد المؤمن
شجاع الدين
الاستاذ بكلية
الشريعة والقانون جامعة صنعاء
يكثر الاحتياج الى
بيان التكييف الشرعي والقانوني للإقعاد فهو من المسائل التي تحتاج الى تسليط الضوء
عليها والتوعية بأحكامها ولفت انتباه المعنيين الى القصور القانوني حيث ان القانون
لم ينظم الاقعاد بتاتا علما بان الاقعاد قد كثر في الفترة الاخيرة بسبب كثرة موت
الابناء في اثناء حياة ابائهم ؛ ولذلك ينبغي ان تحتل هذه المسألة اهتمام المعنيين
لمعالجة القصور في القانون ؛ ولذلك يجب على المشرع اليمني تدارك هذا القصور عن
طريق استحداث مادة في قانون الاحوال الشخصية تتضمن على الاقل تعريف الاقعاد وبيان
تكييف الإقعاد وبيان حكم من يتم إقعاده لان الواقع العملي يشهد بان هناك اختلاف في
التطبيق لعدم وجود نص ينظم ذلك ؛ فالبعض يتعامل مع الابناء الذين اقعدهم جدهم
باعتبارهم ورثة يرثون ماكان سيرثه ابيهم لو كان حيا والبعض الاخر يتعامل مع هولاء
على اساس ان الاقعاد وصية فلايكون نافذا الا في حدود الثلث , ولذلك وجدنا انه من
المناسب بيان التكييف الشرعي والقانوني للإقعاد وتقديم التوصية المناسبة للمشرع
اليمني وذلك في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا
في جلستها المنعقدة بتاريخ 15/3/2011م في الطعن الشخصي رقم (41803) لسنة 1432هـ
وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان شخصا تقدم امام المحكمة الابتدائية
المختصة بدعوى مفادها : ان والده مات في اثناء حياة جده وعندما مات ابوه قام جده بإقعاد المدعي وانزاله في منزلة ابيه
المتوفي واعلن جده هذا الإقعاد ساعة دفن ابيه في المقبرة واوصى الجد بتعليم ابن ابنه أي المدعي وتزويجه , وذكر المدعي في دعواه ان والده مات وعمر المدعي شهر واحد
حيث مكثت امه في بيت اهلها لدى اخوال المدعي الذين انفقوا عليه, وقد اقر اعمام
المدعي بواقعة الإقعاد الا انهم انكروا الوصية بتزويج المقعد وتعليمه وقد خلصت المحكمة الابتدائية الى الحكم (بقبول
دعوى المدعي وتعيين الامين القسام ....لقسمة تركة الجد بين ورثته وتطبيق الإقعاد
والوصية بتزويج المدعي وتعليمه واستخراج نفقات التعليم والتزويج من رأس التركة حسب
العرف والعادة وطبقا للالتزام الصادر من
الاعمام المدعى عليهم بتزويج ابن اخيهم المدعي حسبما ورد في منطوق الحكم ؛
وقد جاء في اسباب الحكم الابتدائي : ان الإقعاد ثابت بإفادة الأمين ...وتزويج
المدعي ثابت بالالتزام الصادر من المدعى عليهم, فلم يقبل الاعمام المدعى عليهم
بالحكم الابتدائي حيث قاموا باستئنافه وذكروا في عريضة استئنافهم ان الحكم
الابتدائي قد خالف القانون حينما قبل وفصل في دعوى مجهولة لم يذكر فيها المدعي
الاموال المطلوب قسمتها كما انه لم يكن هناك لدي المحكمة حكم بانحصار الورثة وان
والدهم لم يقم بتزويجهم اثناء حياته وانما هم الذين زوجوا انفسهم من مالهم الذي
حصلوا عليه من عملهم خارج اليمن , وقد خلصت محكمة الاستئناف الى رفض عريضة
الاستئناف وتأييد الحكم الابتدائي, فلم يقبل الاعمام المستأنفون بالحكم الاستئنافي
فقاموا بالطعن فيه بالنقض امام المحكمة العليا التي رفضت الطعن وايدت الحكم
الاستئنافي وقد جاء في اسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد وجدت
الدائرة ان الطاعنين قد نعوا على الحكم الاستئنافي مخالفته للقانون عندما ايد
الحكم الابتدائي الذي قبل دعوى مجهولة جهالة تامة حيث لم يذكر فيها المطعون ضده
الاموال التي يطلب اقعاده فيها؛ ومن خلال
دراسة الدائرة لاوراق القضية فقد وجدت ان الطاعن قد اثار امام المحكمة العليا ضمن
اسباب طعنه الاسباب ذاتها التي سبق له ان ذكرها في دفاعه امام محكمة اول درجة وفي
اسباب الاستئناف حيث ناقش الحكم الابتدائي
ومن بعده الحكم الاستئنافي ناقشا في اسبابهما هذه المسائل الموضوعية وردا عليها
تفصيلا وذلك من سلطتها التقديرية وفقا للقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب
ما هو مبين في الاوجه الاتية :
الوجه الأول : ماهية الإقعاد :
الاقعاد مصطلح شائع
في اليمن, والمقصود به بحسب ما هو شائع ومتعارف عليه هو: تصرف في اثناء حياة
المورث يصرح فيه المورث بانه قد جعل ابناء ابنه في مقام او منزلة ابيهم المتوفي في
اثناء حياة المورث؛ وبموجب هذا التصرف يؤول الى اولاد الابن المتوفي ما كان سيرثه
ابيهم لو لم يمت في اثناء حياة ابيه المورث, وبموجب هذا التصرف يحل ابناء الابن
محل ابيهم في استحقاق ما كان سيرثه ابيهم من ابيه لو لم يمت ؛ ولذلك يطلق مصطلح
(الإقعاد) لان الابناء كأنهم ينزلون في منزلة او مقعد ابيهم من حيث مستحقه من
الارث, ويشترط في هذا التصرف ان يصدر من الجد نفسه و ان يكون الجد اهلا شرعا
وقانونا للتصرف ويشترط ان يكون هذا التصرف ثابتا بالكتابة او شهادة الشهود او
بإقرار الجد, والغالب ان يتم الإقعاد في اليمن عند دفن الابن المتوفي اثناء حياة
ابيه على مشهد من المشيعين وقد يتم الاقعاد لدى الامين الشرعي او قلم التوثيق كما
قد يقوم الجد بكتابة وثيقة بخطه فقط وقد يشهد على ذلك وتسري على هذا قواعد الاثبات
.
الوجه الثاني : تنظيم الإقعاد في القانون اليمني :
سبق القول ان قانون
الاحوال الشخصية اليمني لم ينظم الاقعاد, فالقانون لم يعرف الاقعاد او يبين حكمه
او طريقة واجراءات تمكين ابناء الابن من المال الذي اقعدهم جدهم واجراءات تنفيذ
الاقعاد كما ان القانون لم يشر الى تكييف الاقعاد فهل هو من قبيل التركة بحيث يكون
ابناء الابن عند الاقعاد مثل الورثة ام ان حكمه حكم الوصية فيخرج من رأس التركة,
حيث تجاهل القانون تناول الاقعاد نهائيا فلم يشر اليه القانون الا حينما نظم
الوصية الواجبة حيث ذكر القانون كلمة (ولم يقعدهم) وذلك في المادة (259)
احوال شخصية التي نصت على انه (اذا توفى أي من الجد و الجدة عن اولاده الوارثين
وعن اولاد ابن او ابناء الابناء ما
نزلوا و كانوا فقراء وغير وارثين لوفاة ابائهم في حياته وقد خلف خيرا من المال ولم
يقعدهم فيرضخ لهم مما خلفه بعد الدين) فكلمة
( ولم يقعدهم ) هي اقصى ما ورد في قانون الاحوال الشخصية بشأن الاقعاد, وقد
اوجد هذا القصور التشريعي خلافات وجدل واسع في اوساط الفقه والقضاء؛ والاخطر من
هذا وذاك الاضطراب والاختلاف في التطبيق
القضائي للإقعاد نتيجة القصور التشريعي, وسيظهر ذلك في سياق هذا التعليق .
الوجه الثالث : تكييف الاقعاد :
عند مطالعة المادة
(254) احوال شخصية المذكورة في الوجه السابق التي تناولت الوصية الواجبة وتحديدا
جملة (ولم يقعدهم) نجد ان الاقعاد هو وصية اختيارية صادرة من الجد او الجدة, فلا
يكون ابناء الابن ورثة تنطبق عليهم احكام
الورثة المقررة شرعا وانما تنطبق بشأن الاقعاد الصادر لهم احكام الوصية, وتترتب
على تكييف الاقعاد على اساس انه وصية اثار عدة من اهمها ما يأتي :
1-
لا يكون الاقعاد
نافذا الا في حدود الثلث لأنه وصية اختيارية وليس وصية واجبة ؛فالوصية الاختيارية
لا تجوز الزيادة فيها عن الثلث, فلو كان نصيب والد الابناء الذين اقعدهم جدهم اكثر
من ثلث التركة فلا يكون الاقعاد نافذا الا في حدود الثلث .
2-
اذا تنازل الجد عن
نصيبه في تركة ابنه المتوفي في اثناء حياته الذي اقعد ابناء هذا المتوفي فلا تسري
على هذا التنازل احكام الاقعاد؛ لان الاقعاد وصية والتنازل هبة فالوصية تصرف لما
بعد الموت والهبة تصرف في اثناء الحياة .
3-
عند تقسيم تركة
الجد المتوفي تكون الوصايا مقدمة على القسمة, حيث يتوجب اخراج نصيب ابناء الابن
الذين تم اقعادهم اولا قبل غيرهم لان الاقعاد وصية, وفي التطبيق العملي فالاقعاد وان كان وصية اختيارية الا ان
مقدار ما سيؤول الى ابناء الابن الذين تم اقعادهم من المتعذر تحديده الا بعد قسمة التركة بين الورثة جميعا
بمن فيهم الابن المتوفي في اثناء حياة ابيه كما لو انه كان حيا لتطبيق حكم
الاقعاد, ولذلك يتعذر اخراج ما يخص ابناء الابن الذين تم اقعادهم من راس التركة
على اساس ان الاقعاد وصية اختيارية حيث بتم ذلك في اثناء قسمة التركة .
الوجه الرابع : الفرق بين الوصية الواجبة والاقعاد :
الاقعاد وصية
اختيارية تقع من الجد في اثناء حياته والوصية الواجبة تقع بحكم القانون عند عدم
الاقعاد, ويكون الاقعاد في حدود الثلث باعتباره وصية اختيارية في حين تكون الوصية
الواجبة في حدود السدس لبنات الابن والخمس للذكور من ابناء الابن.
الوجه الخامس : توصية الى المشرع اليمني بتنظيم الاقعاد في مادة على الاقل :
نظم قانون الاحوال الشخصية الوصية الواجبة في مادتين واضحتين تضمنت تقريبا كل احكام الوصية الواجبة وتجاهل القانون الاقعاد مع انه نظير الوصية الواجبة بل انه مرتبط ومتعلق بها, ولذلك نوصي المشرع اليمني بتنظيم الاقعاد في قانون الاحوال الشخصية قبل المواد المخصصة للوصية الواجبة على ان تتضمن هذه المادة تعريف الاقعاد ونوعه ومتى يؤول الى ابناء الابن ما كان يستحقه ابيهم وحدود او نطاق الاقعاد بمعنى هل يجوز ان يزيد على الثلث وغير ذلك، والله اعلم.