المهن الحرة المستثناة من اختصاص القضاء
التجاري
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
المهن الحرة مختلفة
ومتنوعة، ولذلك فان الحكم محل تعليقنا قضى بأن بعض تلك المهن مستثناة من اختصاص
القضاء التجاري، ولأهمية هذا الموضوع وكثرة الاحتياج عليه فقد اخترنا التعليق على
الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
15/10/2014م في الطعن رقم (55457) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان
أحد المقاولين على بناء مجمع حكومي اتفق
مع (مليس) على تلييس المجمع الحكومي بالاضافة الى المدرسة القديمة، وفي اثناء
تنفيذ العقد بين الطرفين اختلف الطرفان حيث ادعى المقاول بان المليس لم ينفذ
الاعمال في المواعيد المتفق عليها وانه قد ترتب على ذلك قيام الجهة الحكومية صاحبة
المشروع بتحميل المقاول غرامات تأخير، وقد توصلت المحكمة التجارية الابتدائية إلى
الحكم على المليس بإعادة المبلغ الزائد عن قيمة الاعمال التي نفذها بالفعل بحسب
تقرير الخبير المنتدب من المحكمة، فلم يقبل المليس بالحكم الابتدائي حيث قام
باستئنافه وذكر المليس في عريضة الاستئناف ان الحكم الابتدائي باطل لعدم اختصاص
المحكمة التجارية نوعيا بنظر النزاع، لان موضوع العقد بين الطرفين هو عقد عمل وليس عقد مقاولة، لان المليس ليس
مقاولا فهو مجرد عامل بجهده ويده فهو لايقوم بتوريد عمال أو مواد بناء لازمة
للتلييس ،ولذلك فان عقد المليس لا يخضع للقضاء التجاري، واستند المليس في دفاعه
الى المادة (4) من قرار انشاء المحاكم التجارية التي قصرت اختصاص المحاكم التجارية
على قضايا البنوك والمؤسسات والشركات والاعمال التجارية التي يقصد منها تحقيق
الربح، فالمليس يتقاضى اجره نظير عمل يده كما ان موطن المليس المدعى عليه ليس ضمن
الاختصاص المكاني للمحكمة التجارية، وقد توصلت الشعبة التجارية الى تأييد الحكم
الابتدائي ،لان العقد المبرم فيما بين المليس والمقاول الأصلي هو عقد مقاولةولذلك
فهو من من الاعمال التجارية بصرف النظر عن
صفة القائم بها ونيته عملاً بنص المادة (10) الفقرة (15) من القانون التجاري، فلم
يقبل المليس بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض، فقبلت الدائرة التجارية
الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد جاء في
أسباب حكم المحكمة العليا (وبعد الرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف فقد وجدت
الدائرة أن مجمل نعي الطاعن على الحكم المطعون فيه هو مخالفة الحكم للقانون حينما
فهم ان العقد بين الطرفين عقد مقاولة يندرج ضمن الاعمال التجارية بصرف النظر عن
صفة القائم بها،حيث أن الشعبة لم تتاكد من مضمون هذا العقد فاخطا الحكم في استناده
إلى الفقرة (15) من المادة (10) من القانون التجاري، مع ان الطاعن ليس مقاولاً
وإنما عامل مليس فلم يتعهد بتقديم أية مواد أولية أو توريد عمال ولذلك فان المحكمة
التجارية غير مختصة بنظر النزاع وفقاً للمادة (3) من قرار انشاء المحاكم التجارية
التي تنص على أن يبقى الاختصاص فيما لم يرد في هذه المادة منعقد بالمحاكم
الابتدائية العادية ذات الولاية العامة في عواصم المحافظات التي لاتوجد فيها محاكم تجارية عدا قضايا
الاختلاس والبنوك والعلامات والاسماء التجارية ...الخ، وعليه فانه كان يجب على
محكمة الموضوع الفصل بالدفع بعدم الاختصاص النوعي استقلالاً ، لان الاعمال
المستثناة من اختصاص القضاء التجاري هي انشطة المهن الحرة التي اساسها تقديم خدمات
شخصية ذات طابع شخصي أو فكري يتم دفع
اتعاب مقابلها) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية :
الوجه الأول : المهن التي تعتمد على الجهد البدني الشخصي :
اشار الحكم محل
تعليقنا إلى أن المهن البدنية التي تعتمد على الجهد البدنية للشخص لاتكون اعمالا
تجارية ، فالمهنة الشخصية التي تعتمد على الجهد البدني الشخصي لصاحبها لا يكون
صاحبها تاجراً سواءً كان هدف الشخص الحصول على أجر أو مجرد هواية أو كان قصده عمل
البر والاحسان، ،فالشخص في هذه الأحوال لا يكون تاجراً لانه يقوم بالعمل للحصول
على الاجر فهو لا يستهدف الربح،فاذا كان يستهدف الحصول على اجر مدير عمله فهو عامل
وليس مقاولا أو تاجرا.
الوجه الثاني : المهن الفنية والفكرية والتأليف،والبيع المباشرللمحاصيل الزراعية من قبل المزارع:
اشارالحكم محل
تعليقنا إلى أن الأعمال والمهن الفنية واعمال التأليف والحق الفكري مثل المؤلفين
والفنيين والرياضيين والممثلين ...الخلا تعد هذه المهن اعمالاً تجارية ولو استعان
هؤلاء بعمال واشخاص اخرين لإنجاز اعمالهم
الفنية والابداعية،وسند الحكم محل تعليقنا في ذلك المادة(15)تجاري التي نصت على ان (صنع الفنان عملا فنيا بنفسه أو باستئجار عمالا
وبيعه اياها لايعد عملا تجارياً وكذلك لايعد عملا تجارياً طبع المؤلف مولفه وبيعها
اياه) غير أنه اذا تحولت الاعمال الفنية والابداعية لهؤلاء الى شركات ومؤسسات
للانتاج والتوزيع والتسويق فان ذلك يكون عملاً تجارياً، ومن جهة ثانية فان بيع
المزارع لحاصلاته التي تنتجها مزارعه لايعد عملا تجارياً وفقا للمادة (16 )تجاري التي نصت على ان (بيع المزارع
للحاصلات الناتجة من الأرض المملوكة له أو التي يزرعها ولو بعد تحويل هذه
الحاصلات بالوسائط التي يستعملها في صناعته الزراعية لايعد عملا تجارياً،اما إذا
اسس المزارع متجرا أو مصنعا بثقة دائمة أبيع حاصلاته أو بعد تحويلها فأن البيع في
هذه الحالة يعد تجارياً).
الوجه الثالث : تنظيم المهن المستثناة يحولها إلى اعمال تجارية :
ذكرنا فيما سبق ان
هناك مهن مستثناة لا تعد اعمالاً تجارية،ً فلا تخضع للقانون التجاري منها اعمال
التأليف والحق الفكري والحرف اليدوية التي تعتمد على الجهد الشخصي لصاحب الخدمة،
إلا أن هذه الحرف اذا تم تقديمها عن طريق مؤسسات أو شركات أو محلات تستهدف الربح
وتستعمل اشخاصاً اخرين فان هذا التنظيم يجعل هذه الحرف والمهن بمثابة اعمالاً
تجارية تخضع للقانون التجاري ومن ثم القضاء التجاري، والله اعلم.