التوكيل العام لا يخول المحامي الطعن بالحكم

 

التوكيل العام لا يخول المحامي الطعن بالحكم

أ.د عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تقوم كثير من الهيئات الحكومية والشركات والمؤسسات العامة والمختلطة والخاصة بتوكيل محاميها أو مدير الإدارة القانونية أو المستشار القانوني توكيلاً عاماً لتمثيلها والترافع نيابة عنها في كافة القضايا والدعاوى والبلاغات والشكاوي التي تكون الجهة أو الشركة طرفاً فيها ويرد في هذا التوكيل العام انه يحق للمحامي  تمثيل الجهة أو الشركة أمام كافة المحاكم والنيابات بمختلف درجاتها ...الخ وغيرها من العبارات التي ترد في التوكيل العام ، فالتوكيل العام يثير إشكاليات كثيرة قانونية وفنية ومالية ، لذلك فإن هذا الموضوع يحتاج إلى التوعيةبشانه  وتسليط الضوء عليه ولفت الأنظار إليه ، وسيكون ذلك في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7/1/2013م في الطعن الجزائي رقم (46163) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان ثلاثة من الموظفين بإحدى الشركات الحكومية قاموا بالتزوير المعنوي عن طريق تدوين بيانات أو وقائع غير صحيحة في فاتورتين صادرتين عن الشركة  وذلك بغرض الاستيلاء على المبالغ المدونة في الفاتورتين ؛ ومن خلال المراجعة والتدقيق والمطابقة بين حسابات تلك الشركة  والجهتين المطلوب منهما دفع مقابل الفاتورتين تم اكتشاف ان الفاتورتين وهميتان وان الجهتين لم تطلبا من الشركة القيام بتلك الخدمة ، وبناء على ذلك  تمت إحالة هذه القضية إلى نيابة الأموال العامة التي قامت بالتحقيق في القضية ثم قامت بإحالتها إلى محكمة الأموال العامة وتبعا لذلك قدمت الشركة الحكومية المجني عليها قدمت دعواها المدنية وطلبت إعادة المبالغ التي استولى عليها الجناة ، وقد انتهت المحكمة الابتدائية الى الحكم ببراءة بعض المتهمين وإدانة بعضهم واعادة بعض المبالغ التي طلبت الشركة اعادتها ، فلم تقبل الشركة بالحكم ألاستئنافي حيث قامت باستئنافه طالبة الحكم لها بالمبالغ التي استولى عليها الجناة ؛ وقد خلصت محكمة الاستئناف إلى الحكم بعدم قبول الاستئناف المقدم من محامي الشركة الذي قام بتوكيله  مدير الإدارة القانونية بالشركة لعدم قيام الشركة بتوكيله توكيلاً خاصاً لاستئناف الحكم ، فلم تقبل الشركة بالحكم ألاستئنافي فقامت بالطعن بالنقض وقد ورد في عريضة استئناف الشركة : ( ان الشركة لها شخصية اعتبارية وان رئيس مجلس إدارة الشركة قد قام بتوكيل مدير الشئون القانونية توكيلا عاما الذي قام بدوره بتوكيل المحامي باتخاذ كافة الإجراءات القانونية في القضية أمام مختلف النيابات والمحاكم ولذلك فان المحامي لا يحتاج إلى توكيل جديد خاص بالتوقيع على تقرير استئناف الحكم وهذا ما نصت عليه القوانين مرافعات وإجراءات ومدني) إلا ان المحكمة العليا رفضت الطعن وأقرت الحكم ألاستئنافي ، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا ( فالبين من أسباب الحكم الاستئنافي المطعون فيه ومنطوق قضائه بعدم قبول الطعن بالاستئناف المقدم من محامي الشركة حيث الثابت في الأوراق صدور الحكم الابتدائي وقيام المحامي المشار إليه بتقرير الطعن بالاستئناف عن الشركة لدى محكمة أول درجة ثم قام بإيداع أسباب الطعن بالاستئناف دون ان تصدر له الشركة توكيلاً خاصاً ممن يملك ذلك قانونا يخول المحامي ً بتقرير الطعن بالاستئناف والتوقيع عليه لان التوكيل الممنوح له الصادر عن الإدارة القانونية بالشركة لم يتضمن النص صراحة عن منحه حق تقرير الاستئناف وتقديم عرائض الطعون وفقاً للمادة (422) إجراءات التي تقرر ان يقوم المستأنف نفسه بالتوقيع على تقرير الاستئناف أو وكيله بموجب توكيل خاص باعتبار ان التقرير بالاستئناف في المواد الجنائية والتوقيع عليه حقاً منوطاً بشخص الخصم يستعمله بنفسه أو بواسطة شخص أخر يوكله لهذا الغرض كما أن المادة (119) مرافعات نصت صراحة على أن التوكيل بالخصومة يخول الوكيل سلطة القيام بالإعمال والإجراءات اللازمة لرفع الدعوى ومتابعتها والدفاع فيها واتخاذ الإجراءات التحفظية إلى ان يصدر الحكم في موضوعها في درجة التقاضي الموكل فيها وعليه إبلاغ موكله بمنطوق الحكم بمجرد صدوره وذلك من غير إخلال بما يوجب القانون فيه توكيلاً خاصاً ، وحيث أن المادة (422) إجراءات قد أوجبت أن يوقع المستأنف نفسه أو وكيله بموجب توكيل خاص على تقرير الاستئناف فاللازم أن يتوفر لدى المحامي التوكيل الخاص بتقرير الاستئناف والتوقيع عليه وان يكون هذا التوكيل سابقاً على تاريخ التقرير بالطعن ؛ ولما كان التوكيل الثاني الممنوح للمحامي الصادر عن الشركة الطاعنة قد صدر بعد انتهاء المدة المقررة للطعن المنصوص عليها في المادة (421) الأمر الذي يترتب عليه وبموجب الدفع المقدم من المستأنف ضدهما القضاء بعدم قبول عريضة الطعن بالنقض ؛ ولذلك فأن الدائرة تجد أن الشعبة الاستئنافية لم تجانب الصواب حينما قضت بعدم قبول الاستئناف ، ولذلك فلا مناص أمام هذه الدائرة إلا  الحكم بسقوط حق الطاعنة في الطعن بالنقض تبعاً لذلك فعدم قبول الطعن بالاستئناف جعل باب الطعن بالنقض منغلقاً عليها) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية :

الوجه الأول : التوكيل الصادر للمحامي من الإدارة القانونية للشركة :

المح الحكم محل تعليقنا إلماحا  إلى ان التوكيل الصادر من الإدارة القانونية يكون من غير ذي صفة ، ولكن الحكم لم يصدع او يصرح  بذلك وإنما المح إلماحاً ، فالتوكيل الصادر عن الادارة القانونية للشركة يكون صحيحاً اذا سبقه صدور توكيل  من رئيس مجلس الادارة لان رئيس مجلس الادارة هو الممثل القانوني للشركة وفقاً للقانون  فهو الذي يمثل للشركة أمام القضاء بنفسه او  يقوم بتوكيل المحامي   الذي  ينوب عنه  ، فالتوكيل الصادر من مدير الإدارة القانونية لمحامي الشركة يكون صحيحاً اذا صدر بناءً على توكيل صحيح لمدير الإدارة من رئيس مجلس الإدارة اذا كان هذا التوكيل يتضمن حق مدير الإدارة القانونية في تعيين من يراه من المحاميين حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا ، علماً بان الإدارات القانونية في وحدات الجهاز الإداري والقطاع العام تتبع وزارة الشئون القانونية وفقاً لقانون قضايا الدولة ولائحته التنفيذية حيث تمنح وزارة الشئون القانونية الأعضاء القانونيين في الإدارات القانونية تراخيص أو بطاقات للترافع في قضايا الدولة كما تقوم بإصدار التوكيلات لهم للترافع في قضايا الدولة ، وان كانت اللوائح التنظيمية للجهاز الإداري للدولة والشركات والمؤسسات تتضمن ضمن اختصاصات الإدارات القانونية تمثيل الجهة والترافع نيابةً عنها أمام القضاء إلا انه من اللازم صدور توكيل من الممثل القانوني أو من وزارة الشئون القانونية بالنسبة لوحدات الجهاز الإداري للدولة والمؤسسات والهيئات العامة.

الوجه الثاني : نطاق التوكيل العام وحدوده وحجيته :

سبق القول بان غالبية الشركات والمؤسسات العامة والخاصة تمنح مدير الإدارة القانونية أو مستشارها القانوني أو غيره من المحامين توكيلاً عاماً للترافع نيابة عنها وتمثيلها في كل القضايا والدعاوى والطعون والدفوع التي تكون الشركة طرفاً فيها وتمثيلها أمام كافة المحاكم والنيابات بمختلف درجاتها ...الخ وان للمحامي بموجب هذا التوكيل الحق في إنابة غيره ...الخ ، وهذا التوكيل العام موجود في اليمن بكثرة وكان له وجود  في بعض الدول العربية ولكن  نظراً للانتقادات والمطاعن الخطيرة التي تكتنف التوكيل العام بالخصومة حسبما افاد صديقنا الأستاذ ناجي البستاني المحامي اللبناني المشهور والمعني بقضايا كثير من الشركات اليمنية خارج اليمن.

فمن الناحية الشرعية والقانونية لا يجوز للموكل ان يوكل غيره في قضايا أو دعاوى ...الخ لم تحدث أو تقع بعد فهذا التوكيل  عبارة عن تعاقد على أمر غير موجود أو مجهول وفيه غرر كبير ، كما ان التوكيل العام يقلص من فرص وخيارات الجهة أو الشركة في اختيارها للمحامين المناسبين بحسب نوع القضايا وبحسب خبرة ومعرفة المحامين ففي هذه الحالة لا يكون أمام الشركة أو المؤسسة إلا المحامي الذي منحته التوكيل العام سابقا كيفما كانت قدرات ومهارات وخبرات هذا المحامي بالنسبة للقضية التي تحدث لاحقا  ، إضافة الى ان الجهة إذا قامت بعزل المحامي الذي سبق لها أن منحته توكيلاً عاماً فانه في هذه الحالة يطالبها بالتعويض ومنحه الاتعاب المحددة عن كل قضايا الشركة لان قانون المحاماة يجيز للمحامي المطالبة باتعابه عن القضايا اذا قام موكله بعزله من القضايا التي سبق له ان قام بتوكيله فيها .

الوجه الثالث : مدى جواز التقرير بالطعن بموجب التوكيل العام :

ذكرنا في الوجه السابق ان  التوكيل العام بمثابة تعاقد فيما بين الشركة والمحامي على قضايا وطعون مستقبلية لم تقع بعد وان ذلك غير جائز وقد أشار الحكم محل تعليقنا إلى ذلك ، كما ان ذلك التوكيل العام يقلص من خيارات الشركة أو الشخص الموكل في اختيار المحامي المناسب للطعن أو مرحلة التقاضي ، وذلك يعني انه من غير الممكن قبول الطعن بالحكم أو التقرير به بموجب التوكيل العام حسبما أشار الحكم محل تعليقنا فاللازم صدور توكيل جديد وخاص بذلك.

الوجه الرابع : مدى إمكانية الطعن بالحكم أو التقرير بالطعن بموجب التوكيل السابق :

المح الحكم محل تعليقنا إلى انه لا يجوز للمحامي الذي ترافع في القضية حتى تم النطق بها أن يقوم بموجب التوكيل السابق  له بالترافع أن يقوم بالطعن بالحكم الصادر في المرحلة التي ترافع فيها ، وهذا اجتهاد محمود للمحكمة العليا له أصله وسنده في القانون حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا علاوة على أن الحق في الطعن من عدمه حق شخصي للموكل الأصيل فهو وحده صاحب الحق بموجب الدستور الذي يقرر الحق في الطعن من عدمه ؛ فوكالة المحامي بالترافع تنتهي  ساعة  النطق بالحكم فلا صفة له في الطعن بالحكم بعد النطق به حسبما قرر الحكم محل تعليقنا ، علاوة على ان الحق في التقاضي حق متجدد بالنسبة للأصيل أو الموكل فهو يكون في مرحلة الاستئناف في  مركز قانوني وحق جديد فله ان يقرر الطعن من عدمه ؛ فالاستئناف بمثابة دعوى يعاد طرحها أمام محكمة الاستئناف وهي محكمة موضوع كما يتجدد حق الشخص الاعتباري والطبيعي في مرحلة النقض ؛ ولذلك لا بد من صدور توكيل من الأصيل إلى المحامي في كل مرحلة من مراحل التقاضي بما فيها مرحلتي الطعن ويجب ان يصدر التوكيل قبل التقرير بالطعن وايداع اسبابه كما يجب  ان يصدر التوكيل خلال الفترة المحددة للطعن حتى تتوفر الصفة للمحامي في الطعن خلال هذه الفترة وليس بعدها.

الوجه الخامس : التوكيل اللاحق هل يكون بمثابة إجازة للتصرفات السابقة :

أشار الحكم محل تعليقنا إلى ان التوكيل اللاحق لا يكون إجازة للتصرفات السابقة الصادرة من المحامي قبل صدور التوكيل من الأصيل ، طبعا المقصود بهذا التقرير باستعمال الحق بدايةً ، فإذا قام المحامي بالتقرير في الطعن في الحكم فصدر له توكيل لاحق للتقرير بالطعن فلا مجال عندئذ بالتمسك بقاعدة (الإجازة اللاحقة كالتوكيل السابق) لان استعمال هذا الحق له مدة محددة وهي المدة المحددة للطعن في القانون، والله اعلم.