التراجع عن منح الخصم فرصة لتقديم أدلته

 

التراجع عن منح الخصم فرصة لتقديم أدلته

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

المساواة الاجرائية من أهم ضمانات المحاكمة العادلة وبدونها تسير إجراءات التقاضي في جانب واتجاه واحد فلا يستطيع القاضي أن يتبين الحق والحقيقة، وكيف يستطيع القاضي أن يتبين الحق والحقيقة وهناك طرف من اطراف الخصومة حاضر بشخصه ولكن أدلته غائبة عن بصر وبصيرة القاضي، فالقاضي لا يستطيع أن يتبين الحق والحقيقة إلا اذا تبادل الخصوم المرافعات وقدموا أدلتهم على صحة أقوالهم ومذكراتهم، ولا يكون الحكم القضائي معبراً تعبيراً أمينا وصادقا عن الحقيقة ولا يكون عنوانا للحقيقة إلا اذا احاط القاضي بأقوال اطراف الخصومة جميعاً وادلتهم وفهمها فهماً دقيقا، ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 1/11/2011م في الطعن المدني رقم (35860) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن امرأة رفعت دعواها على شقيقها أمام المحكمة الابتدائية مطالبة له بإطلاق المواضع الزراعية التي صارت لها بموجب قسمة تركة أبيهما وتسليمها الغلول فرد الشقيق بان القسمة التي تستند اليها المدعية في دعواها كانت قد تمت في اثناء حياة أبيهما وان تلك القسمة قد تلتها قسمة اخرى بعد وفاة أبيهما وذكر المدعى عليه انه كان في ً اثناء القسمة الاخيرة غائبا حيث كان مغتربا في السعودية وان المواضع التي تطالب بها أخته هي نصيبه من تركة ابيه وان اخته وبقية الورثة قد اخذوا اكثر من انصبتهم وطلب إلزام أخته المدعية بإحضار أصول مستندات دعواها، وبعد ان سارت المحكمة في إجراءات نظر القضية توصلت إلى الحكم بصحة قسمة تركة والد المدعية والمدعى عليه التي تمت بعد وفاته وإلزام المدعى عليه برفع يده عن المواضع التي تعينت بموجب تلك القسمة لأخته المدعية والزامه بدفع غلات تلك المواضع، فلم يقبل المدعى عليه بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه حيث ذكر في الاستئناف أن القسام قد أثبت غياب المدعى عليه عند قسمة التركة وقام بالتنصيب عنه لإجراءالقسمة في مواجهة المنصب والقانون قد اجاز للغائب الاعتراض على إجراءات القسمة التي تمت في غيابه عند حضوره وفقاً لما ورد في المادة (1210) مدني التي نصت على انه يجوز للغائب عند حضوره والصغير عند بلوغه والمجنون عند افاقته الذي لحقه من القسمة غبن فاحش ان يطلب من القضاء نقض القسمة للغبن ...الخ، فردت المدعية على أخيها المستأنف بأنه لم يقم بالاعتراض على القسمة عند حضوره حسبما ورد في المادة (16) إثبات التي اشترطت أن يتم الاعتراض خلال سنة من تاريخ حضور الغائب؛ وفي اثناء نظر الشعبة الاستئنافية في القضية طلبت من المستأنف تقديم الأدلة على صحة استئنافه فوعد بإحضارها إلا أنه لم يف بذلك فقررت الشعبة منحه فرصة  وتغريمه مبلغ من المال للمستأنف ضدها فرفض دفع الغرامة (ثلاثة ألف ريال) وعندئذ قررت الشعبة الاستئنافية حجز القضية للحكم دون ان يتمكن المستأنف من تقديم أدلته ثم حكمت الشعبة برفض الاستئناف وتأييد الحكم الابتدائي فلم يقبل المستأنف بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض فقبلت الدائرة المدنية الطعن وقضت بنقض الحكم، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (اما في الموضوع فقد تبين ان الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه لم يمكنه من تقديم أدلته الجوهرية، والدائرة تجد أن هذا النعي في محله فمن خلال أوراق القضية فقد ظهر ان الطاعن كان في السجن حيث تم احضاره من السجن في أول جلسة!!! حيث طلب في تلك الجلسة فرصة لتقديم أدلته فقررت الشعبة منحه فرصة لذلك إلى الجلسة التالية وفي تلك الجلسة حضر المستأنف ووكل عنه وكيلاً وطلب تمكينه من فرصة لتقديم الأدلة لانه لم يتمكن من تصوير ملف القضية بسبب وجوده في السجن فقررت الشعبة في تلك الجلسة منحة فرصة أخيرة وفي الجلسة ذاتها امرت الشعبة بتغريم المستأنف ثلاثة ألف ريال لصالح المستأنف ضدها وحين رفض المستأنف دفع الغرامة قررت الشعبة حجز القضية للحكم وبذلك تكون الشعبة قد انحرفت بالإجراءات واهدرت حق الادعاء والدفاع المكفولة للطاعن بحكم المادة (17) مرافعات حيث لا يفترض أن يكون الجزاء على رفض تسديد الغرامة حجز القضية للحكم رجوعاً عن قرارها بمنحه الأجل لتقديم دفاعه مما يعيب حكمها بالبطلان الامر الذي يستوجب معه نقص الحكم) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : وضعية المستأنف وعلاقتها بتقديم الأدلة :

من المؤكد أن المستأنف أمام محكمة الاستئناف يكون وضعه كوضع المدعي أمام المحكمة الابتدائية فمثلما يلزم المدعي أمام المحكمة الابتدائية ان يقدم الأدلة أو القدر المتوفر عند رفع الدعوى فكذلك الحال بالنسبة للمستأنف أمام محكمة الاستئناف فيلزمه أن يقدم الأدلة المتوفرة لديه  وأن يرفقها بعريضة استئنافه ؛فالواجب على المستأنف أن يثبت صحة اسباب ايتئنافه والمعلومات والبيانات والوقائع التي يذكرها في استئنافه، فالاستئناف لا يكون منتجاً إلا اذا قدم المستأنف الأدلة على صحة اسباب الاستئناف، ومع أهمية الأدلة بالنسبة للقاضي حتى يتبين الحقيقة وصحة أسباب الاستئناف إلا أن المحكمة لا تملك إلزام المستأنف بتقديم أدلته إلا اذا اشار اليها في عريضة الاستئناف فعندئذ تكلفه المحكمة بتقديم الأدلة المشار اليها في عريضة الاستئناف في حافظة يبين فيها وجه الاستدلال بتلك المستندات حتى في هذه الحالة لا تستطيع المحكمة استعمال الجزاءات الاجرائية في مواجهة المستأنف الممتنع عن تقديم الأدلة الشاهدة على صحة اسباب استئنافه وانما تكلفه المحكمة مجرد تكليف طالما وقد اشار اليها في عريضة استئنافه فلا تلزمه المحكمة الا اذا كان الدليل من الادلة التي أوجب القانون إلزام الخصم بتقديمها ولو كانت ضده، فإلزام المستأنف بتقديم أدلته يخل بمبدأ حياد القاضي (الطعن بالاستئناف، استاذنا الدكتور نبيل إسماعيل عمر، ص153).

مربع نص: الأسعدي للطباعة عن بعد / ت 772877717

الوجه الثاني : عدم جواز التأجيل لأكثر من مرة لسبب واحد :

من المقرر قانوناً عدم جواز قيام المحكمة بالتأجيل لأكثر من مرة لسبب واحد، حتى لا يجعل الخصوم طلب التأجيل ذريعة لإطالة إجراءات التقاضي ، وفي هذا المعنى نصت المادة (163) مرافعات على أنه (لا يجوز تأجيل الدعوى أكثر من مرة لسبب واحد يرجع إلى أحد الخصوم على أن لا تتجاوز مدة التأجيل ثلاثة اسابيع) فهذا النص يحدد السقف الزمني للتأجيل وعند تطبيق هذا المفهوم على الحكم الاستئنافي الذي نقضه حكم المحكمة العليا نجد أن الشعبة كانت قد أودعت الطاعن السجن للسبب ذاته وعندما قامت المحكمة بإحضاره من السجن طلب منحه فرصة اخيرة لإحضار أدلته وبالفعل قررت المحكمة منحه تلك الفرصة وامرت ً بالزامه بدفع غرامة لأخته المستأنف ضدها ثلاثة الاف ريال بموجب المادة (162) مرافعات وعندما رفض المستأنف دفع المبلغ تراجعت المحكمة وقررت حجز القضية للحكم ولاحقا  النطق بالحكم دون ان يتمكن الطاعن من تقديم ادلته  .

الوجه الثالث : الغرامة والحبس كجزاء إجرائي :

الجزاءات الإجرائية اثناء سير إجراءات الدعوى أو القضية مقررة في المادة (162) مرافعات  هي الغرامة ووقف الدعوى ولاحقا اعتبار الدعوى كأن لم تكن، فالنص السابق لم يتضمن من ضمن الجزاءات الإجرائية جزاء حرمان المستأنف من تقديم أدلته بحجز القضية للحكم قبل تقديمه لأدلته، كما أن ذلك النص لم يتضمن أيضاً حبس الخصم الممتنع عن القيام بقرار المحكمة في اثناء نظرها للقضية الموضوعية فلا يجوز حبس الخصم الممتنع إلا في اثناء إجراءات التنفيذ اذا امتنع عن القيام بالأعمال المحددة في باب التنفيذ في قانون المرافعات اذا توفرت الشروط اللازمة لذلك.

الوجه الرابع : لا يجوز للمحكمة ان تتراجع عن قرارها بمنح الخصم فرصة لتقديم أدلته :

عندما تقرر المحكمة منح الخصم فرصة لتقديم أدلة فذلك يعني انها قدرت جدوى هذه الفرصة وأهمية الأدلة التي يعتزم الخصم تقديمها وأن الخصم قد قبل ذلك وقد اثبتت المحكمة قرارها بمنح الخصم الفرصة في محضر جلستها فعندئذ ينبغي عليها احترام قرارها لا أن تتراجع عنه وتقرر حجز القضية للحكم فيها من غير أن تنفذ قرارها بمنحه  الفرصة لتمكين الخصم من تقديم أدلته لاسيما وهي محكمة استئناف فلن يتسنى للخصم تقديم أدلته أمام محكمة القانون التي ليس من اختصاصها تقدير الأدلة الموضوعية؛ والله اعلم.