الفرق بين الدعويين الإدارية والتجارية

 

الفرق بين الدعويين الإدارية والتجارية

أ.د عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

أنشطة الإدارة العامة وتصرفاتها وإجراءاتها كثيرة ومتنوعة ونتيجة لذلك تحدث نزاعات وخلافات فيما بين الإدارة العامة والمتعاملين معها فيحدث الخلط فيما يتعلق بنوع الدعوى والمحكمة المختصة بنظرها؛ لان هناك من أعمال الدولة أو الإدارة العامةما يعد من قبيل  الأعمال المدنية التي يختص بنظرها القضاء المدني ومنها ما يندرج ضمن الأعمال التجارية التي يختص بنظر النزاع فيها القضاء التجاري؛ وبالمقابل هناك قرارات إدارية ايجابية وسلبية تصدر عن الدولة أو الإدارة العامة تختص بنظر منازعاتها المحاكم الإدارية، والتفرقة بين الدعاوى الإداريةوالدعاوي التجارية دقيق جداً لاسبما حينما يحدث النزاع فيما بين الجهة الادارية وطرف تجاري ، كما انه يترتب على  الإلمام بهذا الفرق تحقيق مبدأ الاقتصاد في إجراءات التقاضي ومبدا عدم الهدر الإجرائي كما ان ذلك وسيلة من وسائل مواجهة ظاهرة اطالة اجراءات التقاضي، لان قضايا كثيرة طالت فيها الإجراءات وقطعت مراحل التقاضي كلها ثم ظهر بعد هذه الرحلة الطويلة انها باطلة لانها صادرة من محاكم غير مختصة ، ولذلك فان بيان الفروق بين الدعاوى يكتسب أهمية بالغة فهو من قبيل التدابير الوقائية للحد من ظاهرة إطالة إجراءات التقاضي وتعقيدها التي يعاني منها القضاء والمتقاضيين في اليمن ، وعلى هذا الأساس فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23/10/2010م في الطعن التجاري رقم (42478) 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن إحدى المؤسسات التعليمية الخاصة قامت برفع دعوى تجارية ضد وزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى للجامعات اللذين اتخذا قرارات وإجراءات ترتب عليها وقف نشاط المؤسسة التعليمية الخاصة طلبت فيها الحكم لها بالتعويض وتمكينها من مزاولة نشاطها؛ وفي اثناء سير اجراءات الدعوى الموضوعية قدمت الموسسة دعوى مستعجلة طلبت فيها وقف تنفيذ القرار محل النزاع حتى يتم الفصل في الدعوى الموضوعية فحكمت المحكمة التجارية الابتدائية في الدعوى المستعجلة : بإلزام المجلس الأعلى للجامعات ووزارة التعليم العالي بالسماح للمؤسسة التعليمية بمزاولة نشاطها ووقف اتخاذ اية إجراءات ضد المؤسسة حتى يتم الفصل في الدعوى الموضوعية ، فقام المجلس الأعلى والوزارة باستئناف الحكم أمام الشعبة الاستئنافية التجارية وتضمن استئنافهما أن المحكمة التجارية غير مختصة بنظر النزاع لان الدعوى إدارية من حيث موضوعها وأطرافها في حين ردت المؤسسة المستأنف ضدها بانها مؤسسة تعليمية تجارية استثمارية خاصة وأن المنازعات التي تحدث في هذا المجال هي منازعات تجارية ، وبعد ان سارت الشعبة الاستئنافية في الإجراءات توصلت الى  الحكم بإلغاء الحكم الابتدائي واعتباره كأن لم يكن وإحالة الدعوى الموضوعية  المقدمة من المستأنف ضده والمنظورة أمام المحكمة الابتدائية التجارية إلى المحكمة المختصة نوعياً بنظر الدعاوى الإدارية ، وقد ورد في أسباب الحكم ألاستئنافي ( فقد وجدت الشعبة أن الدفع المقدم من المستأنف أمام محكمة أول درجة والمعاد طرحه أمام الشعبة هو دفع بعدم اختصاص القضاء التجاري نوعياً بنظر الدعوى لأنها دعوى إدارية تعلقت بقرار إداري صادر عن جهة إدارية ولذلك  فان هذا الدفع في محله لان الدعوى التي سميت بالدعوى المستعجلة تعلقت بالقرار الصادر عن رئيس مجلس الوزراء رئيس المجلس الأعلى للجامعات والمطالبة بوقف إجراءات تنفيذ ذلك القرار وكافة الإجراءات اللاحقة التنفيذية له فأن ذلك القرار قرار إداري مما يعني صحة النعي الذي اثاره المستأنفان ضد الحكم اامطعون فيه لصدوره من محكمة غير مختصة نوعياً وذلك واضح من حكم المادة (289) مرافعات فالمحكمة متخصصة بنظر نوع معين من الدعاوى وهي الدعاوي  ذات الطابع التجاري المحددة في قرار انشائها فولاية تلك المحكمة قاصرة على ذلك النوع من الدعاوى دون غيرها وحيث تحدد اختصاص المحاكم التجارية وفقاً لما ورد بالقرار الجمهوري رقم (19) لسنة 2003م فان نظر محكمة أول درجة للدعوى المتعلقة بوقف تنفيذ قرار اداري وإصدار الحكم في ذلك يصم حكمها بعدم صحته ويستوجب إلغاءه ، لان دعاوى الغاء القرارات الإدارية وما يتفرع عنها من مطالبات وتنفيذ تلك القرارات من اختصاص المحاكم ذات الولاية بنظر هذه القرارات) فلم تقبل المؤسسة التعليمية الخاصة بالحكم ألاستئنافي فقامت بالطعن فيه بالنقض إلا ان الدائرة التجارية بالمحكمة العليا رفضت الطعن وأقرت الحكم ألاستئنافي ، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (فانه بعد الرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف وجدت الدائرة ان جوهر النزاع هو فيما اذا كانت الخصومة ذات طابع اداري لا يختص القضاء التجاري بنظرها نوعياً أو ذات طابع تجاري يختص القضاء التجاري بنظرها ؟ ولا شك ان معيار التفريق بين ما سبق هو ما ان كان المدعي يختصم قرار ادارياً ويطلب من القضاء إلغاءه نظراً لمخالفته للقانون فهذا يعني ان المعروض على القضاء هو شرعية العمل الإداري المطعون فيه محل الدعوى من حيث موافقته للقانون أو مخالفته له ، أي ان القضاء هنا يراقب عمل الإدارة ، وفي هذه الحالة لا يهم ان المدعي تاجراً اوغير تاجر يخضع لقانون الاستثمار أو لا يخضع له طالما انه يختصم جهة الإدارة عندما تتجاوز سلطتها الإدارية فطريق هذه المخاصمة هو دعوى الغاء القرار الإداري غير المشروع وللمدعي أن يطلب التعويض أن وقع عليه ضرر تبعاً لدعوى الإلغاء أما ان كان المدعي يختصم جهة ادارية عن علاقة عقدية نشأت بينهما أو عن فعل ضار فنكون بصدد دعوى مدنية كما قد تكون العلاقة تجارية اذا كانت جهة الإدارة العامة قد دخلت في معاملة تجارية مع المدعي عملاً بحكم المادة (21) تجاري التي حددت الأعمال التجارية الأصلية والتبعية ، وحيث أن الثابت من أوراق القضية ان الطاعنة لم تدخل في تعامل تجاري مع المطعون ضدهما وان سبب دعواها هو صدور قرار من مجلس الوزراء رئيس المجلس الأعلى للتعليم العالي الذي تدعي الطاعنة انه لحقتها أضرار جراء ذلك القرار الإداري فان ولاية القضاء التجاري غير واردة في هذه الخصومة عملاً بالقرار الجمهوري رقم (19) 2003م بشأن المحاكم التجارية وتقرر الدائرة موافقة الحكم المطعون فيه للقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية :

الوجه الأول : ماهية الدعاوى التجارية والدعاوى الإدارية :

الدعاوى التجارية ؛هي تلك التي يهدف بها رافعوها إلى حماية مراكز قانونية أو حقوق مالية أو عينية مترتبة على اعمال تجارية بحكم ماهيتها أو بحكم المزاولة لها على سبيل الاحتراف أو المترتبة جراء التصرفات والمعاملات التجارية ، اما الدعوى الإدارية فقد وردت بشأن تعريفها عدة تعاريف متقاربة في مفهومها؛ فهناك من يعرفها بانها : سلطة منحها القانون لأي شخص له مصلحة في أن يلجأ الى قضاء خاص بقصد الغاء قرار اداري معين أو تحديد مركز قانوني أو حماية حق له ، وهناك من يذهب إلى تعريفها بأنها : الإجراءات القضائية التي يتم اتخاذها أمام القضاء الاداري للمطالبة بأثر من الاثار المترتبة على العلاقة الادارية ؛ ومن خلال استقراء هذه التعاريف يمكن القول بان الدعوى الادارية هي السلطة القانونية التي يحق بمقتضاه لصاحب الحق اللجوء للمحكمة الادارية مطالباً بحماية حقوقه المعتدى عليها بسبب مباشرة الإدارة لأعمالها القانونية أو المادية أو لتقرير  حقه أو تعويضه عن الاضرار التي لحقت بحقه.

الوجه الثاني : الفرق بين الدعويين الإدارية والتجارية :

من خلال تعاريف الدعويين المشار اليها في الوجه السابق نجد أن الدعوى الإدارية تختلف عن التجارية في جوانب عدة من حيث اطرافها وموضوعها والمحكمة التي تتولى الفصل فيها ومن قابليتها للتحديد ومن حيث إجراءاتها وحجية الأحكام الصادرة فيها ، فالدعوى الادارية من اسمها يكون احد أطرافها الإدارة العامة باعتبارها سلطة ادارية اما الدعوى التجارية فان اطرافها اما ان يكون جميعهم من التجار أو يكون احد اطرافها من التجار كما قد يكون احد طرفيها جهة الإدارة بصفتها متعاقدا ً عادياً وليس سلطة ادارية ، كما ان موضوع الدعوى الادارية لايشترط فيه أن يكون المدعي صاحب حق شخصي بل يكفي ان يكون صاحب مصلحة فقط بمعنى ان يكون التصرف الاداري الذي رفعت الدعوى بشأنه قد اثر في مركز المدعي القانوني ، اما بموضوع الدعوى التجارية فهو ذو طبيعة ذاتية حيث يكون  موضوع الدعوى حقاً شخصياً ناشئا عن علاقة قانونية عادية ، وكذا تختلف الدعوى الادارية عن الدعوى التجارية من حيث الجهة التي تتولى الفصل في الدعوى حيث تختص بنظرها المحكمتان الإداريتان في كل من صنعاء وعدن والمحاكم العادية في المحافظات الأخرى  اما الدعوى التجارية فيتم الفصل فيها من قبل المحاكم التجارية في الجمهورية التي حددها القرار الجمهوري رقم (19) لسنة 2003م بشأن المحاكم التجارية ، كما أن الدعاوى الادارية محصورة في دعاوى الإلغاء ودعاوى التعويض ...الخ فمهما بلغت هذه الدعاوى فانها محصورة في عدد معين ومحدد من الدعاوى بخلاف الدعاوي التجارية ، إضافة إلى ان الدعاوى الادارية تختلف عن الدعاوي المدنية في اجراءتتها ودور القاضي فيها فالقاضي الاداري يتمتع بدور ايجابي في الدعوى الادارية أكثر من الدور الذي يتمتع بها القاضي التجاري الملزم في إجراءاته باتباع الإجراءات المحددة في قانون المرافعات المدنية والتجارية اما القاضي الاداري فهو يتبع اجراءات اضافية اخرى لم يقررها قانون المرافعات المدنية والتجارية فليس هناك قانون للمرافعات الادارية ، وإضافة الى ما سبق فهناك اختلافات أخرى فيما بين الدعوى الادارية والدعوى التجارية منها المواعيد وحجية الأحكام فالحكم الاداري له حجية مطلقة في مواجهة الجميع في حين ان الأحكام التجارية تكون حجيتها نسبية تقتصر على اطراف الدعوى.

الوجه الثالث : الدعاوى التي تختص بنظرها المحاكم التجارية في اليمن :

حدد القرار الجمهوري رقم (19) لسنة 2003م الدعاوي التي تختص بنظرها المحاكم التجارية حيث نصت المادة (3) من هذا القرار على ان ( تختص المحاكم التجارية بالنظر في الدعاوى والمنازعات ذات الطابع التجاري وفقاً للقانون التجاري والقوانين الاخرى ذات الصلة على ان بظل الاختصاص  الوارد في هذه المادة منعقداً للمحاكم الابتدائية ذات الولاية العامة في عواصم المحافظات والمديريات التي لا توجد فيها محاكم تجارية عدا قضايا الإفلاس والبنوك والعلامات والأسماء التجارية والقضايا التي تتعلق بالشركات الأجنبية أو التي يكون احد أطرافها عنصراً أجنبياً) ومن خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه قد استند إلى  هذا النص باعتباره الذي حدد اختصاص المحكمة التجارية فلا يجوز لها ان تنظر في اية قضايا لا يشملها هذا النص؛ وعلى هذا الأساس فقد قضى الحكم محل تعليقنا بعدم اختصاص المحكمة التجارية بنظر الدعويين الموضوعية والمستعجلة المرفوعين من المؤسسة التعليمية الخاصة وان كانت هذه المؤسسة تجارية في الأساس وان كان عملها تجارياً وان كان القرار الاداري محل الخلاف قد عطل نشاطها التجاري لان موضوع الدعويين هو قرار اداري وما نجم عنه من إجراءات عطلت نشاط المؤسسة التعليمية التجارية فليس موضوع الدعويين ذو طابع تجاري بحسب ما ورد في القانون التجاري، والله اعلم.