انتقال الولاية في الزواج في القانون اليمني والفقه الإسلامي
أ.د.عبدالمؤمن
شجاع الدين
الأستاذ
بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
سوف نذكر
وضعية ولي عقد الزواج في القانون اليمني ثم شروط الولي وترتيب الأولياء وحالات
انتقال الولاية والجهة التي تقوم بنقل الولاية ثم نقف على انتقال الولاية في الفقه
الإسلامي وذلك على النحو الآتي:
أولاً:
وضعية ولي عقد الزواج في القانون اليمني:
يذهب
جمهور الفقهاء إلى أن عقد الزواج لا ينعقد إلا بولي وشاهدي عدل عملاً بالحديث
النبوي ولم يقل بجواز عقد الزواج من غير ولي إلا الحنفية، وقد أخذ القانون اليمني
بمذهب جمهور الفقهاء حيث اشترط قانون الأحوال الشخصية الولي لصحة عقد الزواج في
المادة (7) فقرة(2) التي نصت على أنه يشترط لصحة الزواج (إيجاب بما يفيد التزوج عرفاً من ولي
للمعقود عليها)، إلا أن القانون ذاته لم يجعل الولي ركناً من أركان عقد الزواج
حسبما ورد في المادة (8) التي نصت على أن (أركان عقد الزواج التي لا تتم ماهيته بدونها أربعة زوج وزوجة وهما محل
العقد وإيجاب وقبول) فلم يذكر النص القانوني الولي، وعدم ذكر الولي ضمن أركان
العقد آثار جدلاً واسعاً في اليمن ما زال يتردد صداه حتى الآن، حيث يٌفهم من هذا
النص أن الزواج ينعقد بغير ولي ولكنه يكون غير صحيح بموجب المادة (7) التي اشترطت
لصحة الزواج أن يكون (بإيجاب صادر من ولي المرأة) ومعلوم عند الفقهاء ومنهم الحنفية
رفض فكرة الفساد في عقد الزواج وإن كانت مقبولة في غيره من العقود.
ثانياً:
ترتيب الأولياء في القانون اليمني:
حدد
قانون الأحوال الشخصية ترتيب الأولياء في المادة (16) التي نصت على أن (ولي عقد الزواج هو الأقرب فالأقرب على
الترتيب، الأب وان علا ثم الابن وان سفل ثم الأخوة ثم أبناؤهم ثم الأعمام ثم أبناؤهم
ثم أعمام الأب ثم أبناؤهم كذلك ويقدم من تكون قرابته لأب وأم وإذا تعدد من هم في
درجة واحدة كانت الولاية لكل منهم ويصح عقد من سبق منهم مع رضاها به ويبطل عقد من تأخروا
إذا عقدوا لأكثر من شخص واحد في وقت واحد وإذا أشكل ذلك بطل العقد إلا إذا ارتضت
احد هذه العقود صح وبطل غيره)
ثالثاً:
شروط الولي في عقد الزواج:
ذكرت
الفقرة(2) من المادة(7) أحوال شخصية بعض شروط الولي في عقد الزواج فقد نصت على أن
الإيجاب في عقد الزواج يصدر من (ولي للمعقود بها مكلف ذكر غير محرم) وهذا يعني أنه
يشترط في الولي أن يكون بالغاً عاقلاً رشيداً قادراً، فهذا هو مقتضى التكليف في
الشريعة والقانون، كما يشترط في الولي أن يكون ذكراً فلا تكون المرأة ولية في زواج
غيرها، حيث أنها محتاجة عند الفقهاء جميعاً عدا الحنفية لولي للقيام بتزويجها
وكذلك يشترط في الولي ألا يكون محرماً بحج أو عمره، كما يشترط في الولي أن يكون
متفقاً مع المرأة المعقود عليها في الدين فإذا كانت المرأة المطلوب إبرام عقد
نكاحها مسلمة فيجب أن يكون الولي العاقد مسلماً كما يشترط في الولي أن يكون حاضراً
غير غائب، أو مخفياً لا يعلم مكانه كما يشترط في الولي ألا يكون عاضلاً أي ممتنعاً
عن تزويج المرأة البالغة العاقلة الراضية من كفء لها، وشروط اتحاد الدين وحضور
الولي مفهوم من المادة (18) أحوال شخصية التي نصت على أنه( -1إذا كان الولي الأقرب مخالفا في الملة او
مجنونا او تعذر الاتصال به او خفي مكانه انتقلت الولاية لمن يليه.
-2إذا عضل ولي المرأة أمره القاضي بتزويجها
فان امتنع أمر القاضي من يليه من الأولياء الأقرب فالأقرب بتزويجها فان فقدوا او
عضلوا زوجها القاضي بكفء ومهر مثلها.
-3لا يقبل قول المرأة
فيما ذكر في الفقرتين السابقتين من هذه المادة إلا ببرهان).
ثالثاً:
حالات انتقال ولاية الزواج في القانون اليمني:
سبق أن
ذكرنا ترتيب الأولياء في الزواج حينما عرضنا نص المادة (16) التي حددت هذا الترتيب،
وقد صرحت هذه المادة بالترتيب للأولياء وفي الوقت ذاته أشارت هذه المادة بمفهومها
إلى أن الولاية تنتقل من الولي الأقرب إلى الولي الذي يليه إذا لم تتحقق في الولي
الأقرب شروط الولاية السابق ذكرها فهذا الانتقال مفهوم في نص المادة(18) التي ذكرت
أن (ولي عقد
الزواج هو الأقرب فالأقرب على الترتيب، الأب وان علا ثم الابن وان سفل ثم الأخوة
ثم أبناؤهم ثم الأعمام...ألخ)
فهذه المادة أشارت إلى إنتقال الولاية من ولي إلى ولي إذا لم يكون الولي الأقرب
موجود أو ميتاً أو لم تحقق فيه أياً من شروط الولاية، كما صرحت المادة (17) بانتقال
الولاية في حالة جنون الولي أو مخالفته في الملة للمرأة المطلوب تزويجها أو إذا
تعذر الاتصال بالولي لعدم وجود عنوان له أو كان محل إقامته خفياً لا يعلم به، ففي
هذه الحالة تنتقل الولاية إلى الولي الذي يليه في الترتيب السابق ذكره حيث نصت
المادة (17) على أنه ( إذا كان الولي الأقرب مخالفاً في الملة أو مجنوناً أو تعذر الاتصال
به أو خفي مكانه انتقلت الولاية لمن يليه).
كما تنتقل
الولاية لعضل الولي فالعضل هو امتناع الولي عن تزويج المرأة البالغة العاقلة
الراضية من كفء حسبما ورد في المادة(19) أحوال شخصية، ففي هذه الحالة تنتقل
الولاية إلى الولي الذي يلي الولي العاضل بموجب المادة (18) فقرة(2) التي نصت على
أنه (إذا عضل ولي المرأة أمره القاضي بتزويجها فإن امتنع أمر القاضي من يليه من
الأولياء الأقرب فالأقرب بتزويجها فأن فقدوا أو عضلوا زوجها القاضي بكفء ومهر
مثلها)
رابعاً:
السلطة التي تملك نقل ولاية التزويج:
1- انتقال الولاية من غير تدخل القضاء (الأمين الشرعي):
الولاية في الزواج من النظام العام الذي يوجب على الأمين الشرعي
التأكد من أسباب انتقال الولاية فيجب عليه التأكد من شروط الولاية والتحقق من أن
الولي هو الأقرب ومدى توفر شروط الولاية فيه فينبغي على الأمين أن يتحقق من هوية
الولي الأقرب ومن ترتيبه في الولاية وما إذا كان هناك ولياً أقرب منه، وعليه أن
يستحضر ترتيب الأولياء حسبما ورد في المادة (16) السابق ذكرها، فإذا كان الولي هو
الأب فعندئذ يتوجب على الأمين التأكد من هويته ومن تحقق شروط الولاية الإسلام
والتكليف، وإذا كان الولي هو الذي يلي الأب فعلى الأمين أن يتحقق من وفاة الأب أو
جنونه أو غيبته، فإذا كانت هناك أدلة قاطعة يقينية على وفاة الأب أو جنونه أو سجنه
أو اختفائه فعلى الأمين أن يعمل بموجب تلك الأدلة اليقينية أما إذا كانت الأدلة
على تخلف شروط الولاية مشكوك فيها أو محل خلاف بين الأولياء فعندئذ يتوجب إحالة
الموضوع إلى القضاء للتحقق من ذلك والفصل فيه.
2- انتقال الولاية بنظر القضاء:
تنتقل الولاية بنظر القضاء في الحالتين الآتيتين :
الحالة
الأولى: اختلاف الأولياء عند
تعددهم ، فعندئذ يتوجب عرض الموضوع على المحكمة المختصة نوعياً ومكانياً للفصل في
هذا الخلاف وتحديد الولي.
الحالة
الثانية : دعوى المرأة بأن
وليها الأقرب مخالف لها بالملة أو مجنوناً أو تعذر الاتصال به أو خفي مكانه ، أو
دعوى المرأة بأن وليها الأقرب قد امتنع عن زواجها من كفء حسبما ورد في المادة (18)
أحوال شخصية ففي هذه الحالة يقوم القاضي بالتثبت من دعوى المرأة عن طريق الأدلة
والبراهين التي تقدمها المرأة المدعية مستدلة بها على صحة دعواها وفي هذا المعنى
نصت الفقرة (3) من المادة (18) على أنه ( لا يقبل قول المرأة إلا ببرهان)
خامساً:
انتقال ولاية التزويج في الفقه الإسلامي:
يذهب
الفقه الإسلامي إلى انتقال الولاية من الولي الأقرب إلى الذي يليه إذا لم تتحقق في
الولي الأقرب شروط للولاية السابق ذكرها، وهناك تفاصيل عند الفقهاء فيما يتعلق
بانتقال الولاية بالعضل أو الغيبة، ونشير إلى ذلك على النحو الآتي:
1- انتقال الولاية بالعضل
يذهب الفقهاء إلى أنه إذا تحقق العضل
من الولي وثبت ذلك عند القاضي، أمر القاضي الولي بالتزويج إن لم يكن العضل بسبب
معقول، فإن امتنع وانتقلت الولاية إلى غيره.
واختلف الفقهاء فيمن تنتقل إليه الولاية حينئذ، فذهب الجمهور إلى أنها تنتقل إلى السلطان، وذهب الحنابلة وابن عبد السلام من المالكية إلى أنها تنتقل إلى الولي الأبعد، فإن لم يكن أو عضل انتقلت إلى السلطان.
2- غيبة الولي
اختلف الفقهاء في بقاء ولاية النكاح عند غيبة الولي هل تكون للحاكم
أم للولي الأبعد؟ فقال الحنفية إنما يتقدم الأقرب على الأبعد إذا كان الأقرب حاضرا
أو غائبا غيبة غير منقطعة، فأما إذا كان غائبا غيبة منقطعة فللأبعد أن يزوج في قول
أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وعند زفر لا ولاية للأبعد بعد قيام الأقرب بحال.
واختلف الحنفية في زوال ولاية الأقرب بالغيبة أو عدم زوالها، فقال
بعضهم إنها باقية إلا إن حدثت للأبعد ولاية لغيبة الأقرب فيصير كأن لها وليين
مستويين في الدرجة، كالأخوين والعمين، وقال بعضهم تزول ولايته وتنتقل إلى الأبعد،
وهو الأصح.
واستدل لزفر بأن ولاية الأقرب قائمة لقيام سبب ثبوت الولاية وهو
القرابة القريبة، ولهذا لو زوجها هو يجوز، فقيام ولايته يمنع الانتقال إلى غيره.
واستدل الأئمة الثلاثة من الحنفية بأن ثبوت الولاية للأبعد زيادة نظر
في حق العاجز فتثبت له الولاية، كما في الأب مع الجد إذا كانا حاضرين، ولأن الأبعد
أقدر على تحصيل النظر للعاجز، لأن مصالح النكاح مضمنة تحت الكفاءة والمهر، ولا شك
أن الأبعد متمكن من إحراز الكفء الحاضر بحيث لا يفوته غالبا، والأقرب الغائب غيبة
منقطعة لا يقدر على إحرازه غالبا، لأن الكفء الحاضر لا ينتظر حضوره واستطلاع رأيه
غالبا، وكذا الكفء المطلق، لأن المرأة تخطب حيث هي عادة، فكان الأبعد أقدر على
إحراز الكفء من الأقرب، فكان أقدر على إحراز النظر، فكان أولى بثبوت الولاية له،
إذ المرجوح في مقابلة الراجح ملحق بالعدم في الأحكام كما في الأب مع الجد.
واختلف الفقهاء في تحديد الغيبة المنقطعة فعن أبي يوسف روايتان، قال
في رواية ما بين بغداد والري، وفي رواية مسيرة شهر فصاعدا وما دونه ليس بغيبة
منقطعة.
وعن محمد روايتان أيضا، فروي عنه ما بين الكوفة إلى الري، وروي عنه
من الرقة إلى البصرة، وذكر ابن شجاع إذا كان غائبا في موضع لا تصل إليه القوافل
والرسل في السنة إلا مرة واحدة فغيبته منقطعة، وإذا كانت القوافل تصل إليه في
السنة غير مرة فليست بمنقطعة.
وقال أبو بكر محمد بن الفضل البخاري إن كان الأقرب في موضع يفوت
الكفء الخاطب باستطلاع رأيه فغيبته منقطعة، وإن كان لا يفوت فليست بمنقطعة، قال
الكاساني وهذا أقرب إلى الفقه لأن التعويل في الولاية على تحصيل النظر للمولى عليه
ورفع الضرر عنه.
وقال المالكية إن فقد الولي المجبر أو أسر فكموته ينقل الحق للولي الأقرب فالأقرب دون الحاكم، فلا كلام للحاكم مع وجود غيره من الأولياء، وهو المشهور عند بعضهم ، وذلك لتنزيل الأسر والفقد منزلة الموت بخلاف بعيد الغيبة فإن حياته معلومة، و حكى ابن رشد الاتفاق على أنه في الغيبة البعيدة يزوج الحاكم دون غيره، فيكون هو المذهب، قال الصاوي ولذلك صوبه بعض الموثقين قائلا أي فرق بين الفقد والأسر وبعد الغيبة؟ والله اعلم.