التمثيل القانوني للدولة أمام القضاء
أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
من
الإشكاليات القانونية الواقعية إشكالية التمثيل القانوني للجهات الحكومية المختلفة
أمام القضاء حيث تقوم بعض الجهات برفع دعاويها أو الرد على الدعاوى المرفوعة عليها
من غير أن تحصل على توكيل بذلك من وزارة
الشؤون القانونية، كما ان العدد الهائل لقضايا الدولة يقتضي تفعيل وتشجيع قطاع
قضايا الدولة بوزارة الشؤون القانونية للنهوض بادارة قضايا الدولة والاشراف عليها
ومراقبتها ومتابعتها؛ ولاريب أنه من المهم
بيان وجهة القضاء اليمني في التمثيل القضائي للجهات الحكومية وعلاقة هذه الجهات
بوزارة الشؤون القانونية ووجود الادارات
القانونية في الجهات المختلفة مع تبعيتها لوزارة الشؤون القانونية وتاثير ذلك على
تمثيل هذه الجهات امام القضاء، ولذلك
اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 6/10/2013م في الطعن التجاري رقم (53125) لسنة 1433ه وتتلخص وقائع
هذه القضية أن أحدى الوزارات قامت بتأجير خمسة هناجر لأحد التجار بموجب عقد إيجار تضمن التزام التاجر بتجديد وترميم الهناجر
واستغلالها والانتفاع بها اثناء مدة الإيجار المتفق عليها وهي عشر سنوات مقابل ان يدفع المستاجر الايجار الشهري المتفق
عليه في العقد وكذا التزم المستأجر في عقد
الايجار بتسليم الهناجر إلى الوزارة بعد انقضاء مدة الإيجار وانه لايحق له مطالبة
الوزارة الموجرة باي تعويض عن تجديده واصلاحه لتلك الهناجر ، وعند انقضاء مدة
العشر السنوات رفض المستأجر تسليم الهناجر
إلى الوزارة فقامت الوزارة برفع دعوى أمام المحكمة التجارية بدون أن تحصل الوزارة
على توكيل بذلك من وزارة الشؤون القانونية وقد رد المستأجر على الدعوى بإنكار
ملكية الوزارة للهناجر حيث ذكر في رده بأنه قد استأجر للأرض القائمة عليها الهناجر
وأنه الذي قام بإنشاء الهناجر القائمة حين الدعوى أما الهناجر الواردة في دعوى
الوزارة فأنها قد تهدمت وتلفت، وقد حكمت المحكمة الابتدائية على المستاجر بإخلاء
الهناجر وتسليمها للوزارة المدعية عملاً بعقد الإيجار المبرم فيما بين الوزارة
المدعية والمستأجر الذي التزم بموجبه
بترميم ما تهدم من الهناجر واستغلالها أثناء فترة الإيجار وتسليمها بعد ذلك
إلى الوزارة؛ فاستلام المستأجر ودخوله إلى الأرض كان بموجب عقد الإيجار وهذا يبطل
ادعاؤه بالملك؛ فعقد الإيجار من العقود الملزمة لأطرافها، فقام المستأجر باستئناف
الحكم الابتدائي إلا أن محكمة الاستئناف رفضت استئنافه وأيدت الحكم الابتدائي وقد
سببت محكمة الاستئناف حكمها بأسباب مماثلة لأسباب الحكم الابتدائي، فلم يقبل
المستأجر بالحكم الاستئنافي حيث طعن فيه بالنقض وقد ذكر المستأجر في عريضة الطعن
بالنقض أن دعوى الوزارة لم تراع متطلبات قانون قضايا الدولة الذي يوجب أن تنوب
وزارة الشؤون القانونية عن الدولة بكافة شخصياتها الاعتبارية العامة فيما يرفع
منها أو عليها من قضايا أمام المحاكم وبذلك تكون صفة الوزارة المدعية منتفية ؛
وطلب المستأجر في طعنه عدم قبول دعوى المدعية لرفعها من غير ذي صفة باعتبار ذلك
دفعا متعلقا بالنظام العام، وقد ردت الوزارة المدعية على الطعن بأن قانون قضايا
الدولة يسري على الجهات التي لا توجد فيها إدارات قانونية أما الوزارة المؤجرة
فلديها إدارة قانونية مكونة من مدير ورؤساء أقسام وأعضاء قانونيين، وقد رفضت
المحكمة العليا الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد جاء في أسباب حكم المحكمة
العليا (أما الدفع بعدم قبول الدعوى من المدعية تأسيساً على أن وزارة الشؤون القانونية
لم تظهر كنائب قانوني عن الدولة وفقاً لقانون قضايا الدولة ومن ثم فلا صفة للمدعية
في الدعوى فأن الدائرة تقرر أن هذا الدفع لا سند له من القانون ذلك أن قانون قضايا
الدولة النافذ جعل من اختصاص وزارة الشوؤن القانونية تمثيل الجهات الحكومية فيما
يرفع منها أو عليها من دعاوى أمام الجهات القضائية....ألخ فهذه الصفة التمثيلية لا
تمنع الجهة المختصة من الظهور أمام القضاء إذا أوجدت إدارة قانونية فيها كما أن
ذلك لا يعني انعدام صفة الجهة المعنية للظهور أمام القضاء ولذلك فأن الدائرة ترفض
هذا الدفع) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: تمثيل وزارة الشؤون القانونية للدولة:
من
المقرر وفقاً لقانون قضايا أن وزارة الشؤون القانونية تتولى تمثيل الدولة أمام
كافة المحاكم والجهات ذات الطابع القضائي، حيث نصت المادة (3) من ذلك القانون على
أن (تنوب وزارة الشؤون القانونية عن الدولة بكافة شخصياتها الاعتبارية العامة فيما
يرفع منها أو عليها من قضايا لدى المحاكم اليمنية والأجنبية ولدى الجهات الأخرى
التي خولها القانون اختصاصاً قضائياً) فموجب هذا النص فأن وزارة الشؤون القانونية
هي التي تمثل الدولة بما فيها الوزارات أمام القضاء.
الوجه الثاني: طريقة تمثيل وزارة الشؤون القانونية للدولة أمام القضاء:
يقرر
قانون قضايا الدولة تبعية الإدارات القانونية في الوزارات والمصالح والهيئات
الحكومية تبعيتها لوزارة الشؤون القانونية وأن الوزارة تقوم بمنح أعضاء هذه
الإدارات بطاقات للترافع أمام القضاء في قضايا الدولة ويقرر القانون إيضاً أن
الوزارة تقوم بإصدار توكيلات للأعضاء القانونيين في تلك الادارت للترافع في قضايا
الدولة، ولذلك فوزارة الشؤون القانونية تقوم بتمثيل الجهات الحكومية والترافع نيابة عن تلك الجهات عن طريق الأعضاء
القانونيين والإدارات القانونيةفي تلك الجهات ، وهذا مسلك حميد لأن الوثائق
والمستندات والبيانات والمعلومات عن قضايا الدولة لدى الجهات الحكومية إضافة إلى
أن هناك خبرة نوعيةلدى الأعضاء القانونيين العاملين في الجهات الحكومية المختلفة
بحسب نوع النشاط الذي تقوم به تلك الجهات.
الوجه الثالث: المقصود بإدارة قضايا الدولة:
وفقاً
لقانون قضايا الدولة ولائحته ولما هو متبع ومعروف في علم إدارة القضايا فأن المقصود بإدارة قضايا الدولة هو التنظيم
والإشراف والرقابة والمتابعة والتخطيط والتفتيش على هذه القضايا وعلى القانونين
المتولين لها وتقييم وتقويم الاداء ومحاسبة وتاديب المقصرين وبناء قاعدة بيانات
حديثة ومحدثة عن قضايا الدولة وهذه هي
المهمة الرئيسية التي تقع على عاتق قطاع قضايا الدولة لضمان نجاح قضايا الدولة
والحفاظ على حقوق ومصالح الدولة وعدم التفريط بها.
الوجه الرابع: تمثيل الإدارة القانونية للجهة:
قضى
الحكم محل تعليقنا بأن الإدارة القانونية للجهة الحكومية المعنية بالقضية المشار
إليها في الحكم يجوز لها تمثيل الجهة الحكومية أمام القضاء والترافع نيابة عنها،
وسند الحكم في ذلك أن الإدارة القانونية تابعة لوزارة الشؤون القانونية وفقاً
للقانون كما أن الأعضاء العاملين فيها تابعون إيضاً لوزارة الشؤون القانونية
يحملون تراخيص صادرة عنها للترافع في القضايا التي تكون الجهة الحكومية المعنية
طرفاً فيها، والله اعلم.