إستعمال السكين في القتل دليل على العمد
أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
الحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا باليمن في جلستها المنعقدة بتاريخ 14/6/2016م في الطعن الجزائي رقم (58561) لسنة 1438ه وخلاصة وقائع هذا ان عاملين تشاجرا ثم تعاركاً واثناء ذلك قام احدهما باستعمال سكين حيث قام بطعن العامل الاخر خمس عشرة طعنة اثنتان منها في راسه وثلاث في ظهره وجميعها نافذة الى الراس والظهر فسقط المجني عليه قتيلا في الحال ,وقد تم القبض على الجاني وإحالته الى النيابة التي حققت معه فاعترف ان السكين أداة الجريمة ملكه كما اعترف بانه طعن المحني عليه ولكنه قال بانه لم يكن يقصد قتل المجني عليه وانما جرحه فقط, كما ان الجاني قال :بانه تعاطي حبوب مخدرة وانه مدمن عليها كما جاء في أقواله في محاضر التحقيق معه ,وقد احالته النيابة الى المحكمة بعد ان اتهمته بجريمة القتل العمد وطلبت النيابة من المحكمة الحكم بإعدامه قصاصا ,وقد انضم أولياء الدم الى النيابة العامة وطلبوا إجراء القصاص من المتهم ,وبعد إجراءات المحاكمة حكمت المحكمة الابتدائية بإعدام الجاني قصاصاً ,فقام المحكوم عليه باستئناف الحكم ,وامام محكمة الاستئناف ادعى الجاني المحكوم عليه بانه يعاني من مرض نفسي جراء تعاطيه الحبوب المخدرة وطلب احالته الى الطبيب المختص لبيان حالته الا ان محكمة الاستئناف ناقشت المتهم واستفصلته ومن خلال ذلك توصلت الى ان الجاني ليس مجنونا فالعبرة بالعقل وليس المرض النفسي, فالمتهم عاقل بموجب القرائن الظاهرة على المتهم وبموجب ذلك قصت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم الابتدائي, فقام المتهم المحكوم عليه بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي ,وبعد دراسة الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا للطعن اقرت المحكمة الحكم الاستئنافي ,وسببت حكمها بانه (اما قول الطاعن بانه لم يكن يقصد ازهاق روح المجني عليه فمردود عليه من اعترافات المتهم نفسه ومن الالة المستخدمة في الجريمة وهي السكين التي هي بطبيعتها قاتلة ,فمن المعلوم شرعا وقانونا ان القصد الجئاني المتمثل في نية ازهاق روح المجني عليه هو امر خفي تظهره وتدل عليه الالة المستخدمة في الجريمة وطريقة استعمالها ومحل وقوعها ,وبحسب التقرير الطبي الصادر من المستشفى فان اغلب الجنايات الواقعة في جسم المجني عليه قد وقعت في أماكن قاتلة ,كما ان المتهم قد اعترف امام محكمة ثاني درجة بانه طعن المجني عليه طعنتين واحدة في الكتف والثانية لا يذكر اين كانت حسب قوله, إضافة الى ان المتهم قام بتقديم مذكرة بخط يده الى الشعبة الاستئنافية شرح فيها وقائع القضية وقال ان ما حدث قضاء وقدر, اما نعي الطاعن بان الشعبة الاستئنافية رفضت طلب محاميه بإحالته على طبيب نفسي لأنه يعاني من حالة نفسية فقد سبق له ان اثار ذلك امام محكمة ثان درجة التي ناقشت ذلك بالصفحة الثانية عشرة من حكمها بما تطمئن اليه الدائرة حيث ورد في الحكم ان القدرات العقلية للمتهم سليمة حيث تأكد للشعبة سلامة القوى العقلية للمتهم من خلال المرافعة المكتوبة بخط المتهم نفسه التي قدمها امام الشعبة وطلب تضمينها بالحكم) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الاتية :
الوجه الأول: السند القانوني للحكم محل تعليقنا:
قرر الحكم محل تعليقنا ان استعمال السكين في جريمة القتل دليل على توفر القصد الجنائي في جريمة القتل العمد ,وسند الحكم في ذلك المادة (9) عقوبات التي نصت على ان (يتوفر القصد اذا ارتكب الجاني الفعل بإرادته وعلمه وبنية احداث النتيجة المعاقب عليها ولا عبرة في توفر القصد بالدافع الى ارتكاب الجريمة او الغرض منها الا اذا نص القانون على خلاف ذلك و يتحقق القصد كذلك اذا توقع الجاني نتيجة اجرامية لفعله فاقدم عليه قابلا حدوث هذه النتيجة )حيث استند الحكم محل تعليقنا الى هذا النص القانوني في الحكم بتوفر القصد الجنائي للقتل العمد لدى الجاني الذي استعمل السكين ,حيث ان الجاني ارتكب الفعل بإرادته واختياره وعلمه واستعمل الة حادة من شانها احداث النتيجة المعاقب عليها وهي (القتل العمد).
الوجه الثاني: استظهار الحكم محل تعليقنا للقصد الجنائي من خلال استعمال الجاني للسكين:
السكين الة حادة معدة للقتل ويترتب على الطعن او الذبح بالسكين الموت غالبا, فالسكين تقطع اللحم وتمور في الجسم ولذلك فهي عند الفقهاء الالة الاصلية المعدة والمخصصة للقتل أصلا, ومن هذا المنطلق فان الفقهاء جميعهم بمن فيهم الحنفية متفقون على ان استعمال الجاني للألة الحادة دليل قاطع على انه قد تعمد القتل او الجناية على ما دون النفس الا اذا اثبت انه لم يرد الفعل اصلاً أي أنه استعمل الالة على سببيل الخطأ ، فقد لجأ الفقهاء الى استظهار قصد العمد من خلال الالة المستعملة في القتل لأن القصد او النية امر خفي كما ذكر الحكم محل تعليقنا , فالنوايا بواطن لا يعلمها ولا يطلع عليها الا الله في حين ان الاحكام القضائية يجب ان تبنى على أمور ظاهرة ولذلك جعل الفقهاء الالة محل القصد، فكل من يستعمل الة حادة بإرادته واختياره وعلمه فهو قاتل متعمد ,ويعبر الفقه الإسلامي والفقه الوضعي عن ذلك بعبارة (استظهار القصد )ولذلك فقد استدل الحكم محل تعليقنا من استعمال الجاني للسكين على انه قاتل متعمد يستحق الحكم عليه بالقصاص.
الوجه الثالث: استظهار الحكم محل تعليقنا لقصد العمد من مواضع الجنايات :
لم يكتف الحكم محل تعليقنا على استظهار القصد الجنائي من خلال الالة المستعملة في فعل الاعتداء بل انه قد استظهر القصد من خلال تحديد أماكن الجنايات التي أحدثها الجاني في جسد المجني عليه وتسببت في قتله، حيث أشار الحكم الى ان الجاني قد طعن المجني عليه في صدغه الايسر وطعنه طعنة أخرى تحت عينه وطعنتان في ظهره وكل هذه الطعنات نافذة الى داخل الراس وداخل الظهر ,وذكر الحكم ان هذه الطعنات كانت في أماكن قاتلة في جسد المجني عليه فليست في اطرافه (يديه او رجليه )وعلى هذا الأساس لم تقبل المحكمة دفاع الجاني بانه لم يكن يقصد القتل، لأنه قد تعمد طعن المجني عليه في مواضع قاتلة أدت الى قتله بالفعل فلو كانت الجنايات او الإصابات في أماكن غير قاتلة لكان دفاع الجاني مقبولاً, وعلى هذا الأساس فان استظهار الحكم للقصد الجنائي سواء من خلال الالة المستعملة في القتل اومن خلال أماكن الجنايات استدلال سديد موافق للفقه الإسلامي الذي كان السباق في تحديد كيفية استظهار القصد سواء من خلال آلة القتل او أماكن الإصابة .
الوجه الرابع: دفاع الجاني بأنه يعاني من حالة نفسية:
تمسك الجاني بانه يعاني من حالة نفسية حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا الا ان الحكم التفت عن هذا الدفاع على أساس ان المرض النفسي او الحالة النفسية لا تؤثر على العقل الذي يدرك طبيعة الأشياء والافعال والتصرفات واثارها وعواقبها فقد ظهر للمحكمة من المذكرات التي كتبها المتهم بخطه ان اقواله مرتبة وغير مختلطة وذلك دليل على سلامة قواه العقلية وهي المعتبرة شرعاً وقانوناً بخلاف الحالة النفسية، وقد سبق لنا ان ذكرنا الفرق بين الجنون والحالة النفسية وذلك في تعليق سابق بهذا العنوان ,وقد استقر قضاء المحكمة العليا باليمن على التفرقة بين الجنون كعيب او آفة تصيب العقل وبين المرض النفسي, والله اعلم.