الموافقة على دخول المسكن في جريمة إنتهاك حرمة المسكن
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
الباعث
على إرتكاب الجريمة ليس له تأثير على قيام الجريمة وان كان له أثر في تقدير
العقوبة، وينطبق هذا الأمر على جريمة انتهاك حرمة المسكن، ولكن هذه الجريمة لها
خصوصيتها من حيث تأثير الباعث على العقوبة فقدبكون الباعث على إنتهاك حرمة المسكن هو استغاثة
الابنة أو الأخت المتزوجة والمقيمة في المسكن الذي يدخله ابوها أو اخيها تلبية
لاستغاثتها ،وهذا الأمر يحدث في الواقع
كثيرا أي ان يدخل الأخ أو الأب إلى منزل زوج ابنته أو اخته لأخذها من غير موافقة
زوجها حيث يكون هذا الفعل وفقاً للقانون جريمة إنتهاك حرمة مسكن الغير طالما وصاحب
المسكن غير موافقةعلى الدخول مثلما قضى الحكم محل تعليقنا، وهو الحكم الصادر عن
الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5/2/2012م في الطعن
رقم (46655)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان النيابة العامة اتهمت
ثلاثة اشقاء مع ابيهم بانهم ارتكبوا جريمة انتهاك حرمة سكن الغير وذلك بان قاموا
بدخول منزل زوج اخت الثلاثة الاشقاء من غير اذن زوجها صاحب المسكن، وامام المحكمة
الابتدائية رد المتهمون الأب وابناؤه الثلاثة بان اختهم أي اخت الاشقاء الثلاثة
وهي زوجة صاحب السكن اتصلت بأبيها واخوانها واخبرتهم بان زوجها قد ضربها ومنعها من
مغادرة البيت والذهاب إلى عندهم أي بيت اهلها وذكر المتهمون أنهم مادخلوا المسكن
الا نجدة لاختهم وذكروا بانهم دخلوا
المسكن بطريقة مشروعة حيث قرعوا الباب ففتحت لهم ابنة صاحب البيت أخت الزوج فدخلوا
ومعهم جعالة للجهال، ثم قال الاخوة المتهمون لأختهم تتجهز وتجهز ادواتها فحضر اخو
زوجها وهددهم بالسلاح إلا انهم خرجوا مع اختهم، ولذلك قامت عائلة الزوج بتدبير هذه
الجريمة لهم، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى إدانة المتهمين وحبسهم ستة أشهر مع
وقف النفاذ لثبوت التهمة وان قيام اخت صاحب المسكن بفتح الباب لا يعني الموافقة أو
الاذن لهم بالدخول كما ان استغاثة الزوجة بأبيها واخوانها لا يغير من وصف الجريمة
حيث كان ينبغي على المتهمين سلوك الطريق القانوني في هذه الحالة، فقام المتهمون
باستئناف الحكم وكذا قام الزوج صاحب المسكن باستئناف الحكم لأن العقوبة المقضي بها
غير مناسبة لأن الجريمة وقعت في الليل وقام بها أكثر من واحد وتلك ظروف مشددة
العقوبة ومع ذلك جاءت العقوبة غير مناسبة، إلا أن الشعبة الجزائية قضت بتأييد
الحكم الابتدائي، فقام صاحب المسكن بالطعن في النقض فرفضت الدائرة الجزائية الطعن
وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث
الموضوع فان ما نعاه الطاعن من مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون بتأييده الحكم
الابتدائي المخالف للقانون من حيث العقوبة المحكوم بها التي لاتتناسب مع الفعل
الذي قام به المتهمون حيث أن العقوبة المقررة للفعل في القانون هي الحبس لمدة خمس
سنوات وانه لم يتم الحكم لهم بالمصاريف) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو
مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : السند القانوني للحكم محل تعليقنا :
سند الحكم محل
تعليقنا في قضائه بإدانة المتهمين بجريمة انتهاك حرمة المسكن وعدم الالتفات إلى
الباعث الذي دفعهم إلى دخول المنزل لإخراج اختهم زوجة صاحب المسكن استند الحكم في
ذلك إلى المادة (252) عقوبات التي نصت على ان (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة
أو بالغرامة من دخل مكاناً مسكوناً أو معداً للسكن أو احد ملحقاته أو أي محل معد لحفظ
المال او عقاراً خلافاً لإرادة صاحب الشأن وفي غير الأحوال المبينة في القانون
وكذلك من بقي فيه خلافاً لإرادة من له الحق في إخراجه وتكون العقوبة السجن مدة لا
تزيد على خمس سنوات أو بالغرامة اذا وقعت الجريمة ليلاً أو بواسطة العنف على الأشخاص أو الاشياء او بإستعمال سلاح
او من شخصين فأكثر أو من موظف عام او ممن ينتحل صفته) وتقابلها المادة (370)
عقوبات مصري التي نصت على ان (كل من دخل بيتاً مسكوناً او معداً للسكن أو في احد
ملحقاته او سفينة مسكونة او في محل معد لحفظ المال وكانت هذه الاشياء في حيازة آخر
قاصداً من ذلك منع حيازته بالقوة أو ارتكاب شيء مما ذكر يعاقب بالحبس مدة لا تزيد
على سنتين او بغرامة لا تتجاوز ثلاثمائة جنية مصري وكل من وجد في احدى الملحفات
المشار اليها مختفياً عن اعبن من لهم الحق في إخراجه يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز
ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه واذا إرتكب الجرائم المشار اليها ليلاً
تكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز سنتين اما لو ارتكبت ليلاً بواسطة كسر او تسلق
او من شخص حامل لسلاح تكون العقوبة الحبس لمدة لا تتجاوز خمس سنوات) وعند مطالعة
نص القانون اليمني نجد ان الحكم محل تعليقنا قد أعمل هذا النص من غير ان ينظر إلى
الباعث الذي دفع الأب وابناءه إلى دخول المسكن وإخراج الزوجة من منزل الزوج من غير
إذنه وموافقته لان جريمة انتهاك حرمة المسكن تتحقق بمجرد دخول الشخص من غير موافقة
من صاحب المسكن وهو الزوج الذي لم يأذن للأب واولاده بالدخول.
الوجه الثاني : كيفية موافقة صاحب المسكن على الدخول ووفقتها وإثباتها
في القضية التي
تناولها الحكم محل تعليقنا نجد اخت الزوج هي التي قامت بفتح باب المسكن للأب
وأولاده الذين دخلوا إلى المنزل وأخرجوا الزوجة فلم يعتد الحكم بقيام الاخت بفتح
الباب ولم ينظر إليه على أن موافقة من صاحب المسكن بالدخول، فلم يعتبر الحكم ذلك
الفتح موافقة واعتبر الدخول في هذه الحالة
بانه قد تم من غير ارادة صاحب المسكن (الزوج) لان الأذن ينبغي ان يكون سابق
لفتح الباب كما ان فتح الباب كما ورد في الحكم لا يعني الموافقة على الدخول لان
فتح الباب يعني التأكد من الشخص الذي يقرع الباب ومعرفة طلبه، فأوراق القضية تؤكد
إلى ان الأخت كانت قد فتحت الباب وعندما
فتحت الباب دخل الأب وأولاده إلى المسكن من غير انتظار لموافقتها أو موافقة
الزوج صاحب المسكن على دخولهم، ،وعبء إثبات الموافقة يقع على عاتق المتهم ،إذ يجب
عليه ان يثبت صدور الموافقة والإذن له بالدخول من صاحب المسكن، لأن الأصل عدم
الموافقة ،فعلى من يدعي خلاف الأصل أن يتبت ذلك.
الوجه الثالث : المقصود بالحماية الجنائية في عقوبة جريمة انتهاك حرمة مسكن الغير :
المقصود بذلك حق
الانسان في الخصوصية التي تتمثل في حقه في الاذن لمن يشاء في دخول مسكنه والمنع
لمن يشاء ،ويستوي أن يكون المسكن غرفة ضمن البيت أو يكون ملكا أو ايجارا أو سكنا
موقتا أو دائما،ففي كل هذه الاحوال وغيرها يكون صاحب المسكن مشمولا بالحماية
الجزائية لحقه في الخصوصية ،ولذلك لاحظنا في الحكم محل تعليقنا أن صاحب المسكن
الذي قصده الحكم بالحماية كان يسكن في بيت مشترك مع ابيه واخوانه واخواته(اصول
قانون العقوبات ،ا.د.احمد فتحي سرور،ص231)، والله اعلم.