حقوق الموظف المعار لشركة أجنبية

 

حقوق الموظف المعار لشركة أجنبية

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

يعمل الكثير من الموظفين العمومين اليمنيين في الشركات والمنظمات الأجنبية، ويكتنف الغموض علاقات هؤلاء بالجهات الحكومية التي اعارتهم للعمل لدى الشركات والمنظمات اضافة الى ان حقوق هولاء المعارين مهضومة من الشركات والمنظمات المستعيرة حيث يتقاضى الموظف اليمني المعار اجرا اقل ممايتقاضاه نظيره في الشركة المستعيرة مع ان عمل الموظف المعار قد يكون اكثر  افضل من نظيره. ولاهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الادارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 28/1/2007م في الطعن الاداري رقم (2781) لسنة 1427هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن سبعة من موظفي احدى الهيئات الحكومية طلبوا من الهيئة  الموافقة على عملهم لدى أحدى الشركات الاجنبية العاملة في اليمن حيث قامت الشركة الأجنبية بابرام عقود عمل مع هؤلاء للعمل لديها وبعد فترة حدث الخلاف فيما بين الشركة الأجنبية والموظفين المتعاقدين معها حيث تقدم هؤلاء بدعوى عمالية الى اللجنة التحكيمية العمالية طلبوا فيها من اللجنة التحكيمية الحكم لهم على الشركة بدفع مستحقاتهم وهي أجور ساعات عمل إضافية وبدل إجازات وفقاً لاحكام قانون العمل، فقامت الشركة المدعى عليها بتقديم دفع بعدم اختصاص اللجنة التحكيمية العمالية لان المدعين موظفون عموميون في الهيئة الحكومية لا يخضعون لقانون العمل فلاتختص اللجنة العمالية بنظر دعواهم ، فقبلت اللجنة الدفع بعدم خضوع المدعين ودعواهم لقانون العمل، فلم يقبل المدعون بقرار اللجنة العمالية حيث قاموا باستئناف القرار إلا أن الشعبة المدنية الاستئنافية رفضت الاستئناف وقضت بتأييد قرار اللجنة، فلم يقنع المدعون المستأنفون بالحكم الاستئنافي فقاموا بالطعن فيه بالنقض حيث قبلت الدائرة الادارية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي المطعون فيه، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (وبمناقشة الدائرة لاسباب الطعن فقد وجدت ان الطاعنون ينعون على الحكم الاستئنافي مخالفته للقانون حينما قضى بتأييد قرار اللجنة التحكيمية لان القانون الذي ينطبق على علاقتهم بالشركة الاجنبية هو قانون العمل، حيث انهم قد تعاقدوا مع الشركة بموجب عقود عمل فردية نصت على أن الانظمة الواردة في قانون العمل تسري على جميع الحقوق والالتزامات الواردة في العقود.وذكروا أن قرار اللجنة التحكيمية والحكم الاستئنافي المؤيد له قد خالف القانون حينما قضى بعدم اختصاص اللجنة بنظر دعواهم واحالهم إلى الهيئة الحكومية التي يتبعونها لمطالبتها بحقوقهم لانها التي فرغتهم للعمل لدى الشركة الاجنبية، ومن خلال دراسة الدائرة لأوراق القضية فقد وجدت ان الحكم المطعون فيه قد أخطا في تكييف علاقة الطاعنين بالشركة والقانون الواجب التطبيق على تلك العلاقة، والدائرة تجد أن موضوع دعوى المدعين هي مطالبتهم للمدعى عليها بمستحقاتهم من أجور ساعات عمل إضافية في الايام العادية والعطل وبدل إجازات سنوية واجازات حقلية مقابل عملهم معها، فلا خلاف بين الطرفين بان الطاعنين في الاساس موظفون لدى الهيئة  الحكومية وان عملهم مع الشركة المطعون ضدها قد تم بموافقة تلك الهيئة وموافقة الطاعنين انفسهم، وقد ورد في بعض أوراق  القضية ان المدعين تم انتدابهم للعمل لدى الشركة والواضح انه تم اعارتهم للشركة لان الندب بموجب قانون الخدمة المدنية لا يتم إلا من وحدة ادارية حكومية  الى وحدة ادارية حكومية أخرى. وقد ظهر للدائرة ان الخلاف يتلخص في تحديد القانون الواجب التطبيق على علاقة العمل بين الطاعنين المعارين والشركة المستعيرة خصوصاً أن الجهة المستعيرة تتحمل جميع ما يستحقه الموظف المعار لها نتيجة عمله لديها من راتب وبدلات وأية مخصصات وحقوق اخرى بموجب المادة ( 2 7) من قانون الخدمة المدنية، ولذلك كان ينبغي على الشعبة الاستئنافية مناقشة طبيعة علاقة العمل فيما بين الطاعنين والشركة المطعون ضدها في ضوء ما ورد في العقود المبرمة فيما بين الجانبين ومعرفة طبيعة هذه العقود لتحديد القانون الواجب التطبيق على العلاقة فيما بين الطرفين، وعليه فان الدائرة تقرر نقض الحكم الاستئنافي واعادة القضية الى محكمة الاستئناف لنظرها مجدداً والوقوف على طبيعة علاقة العمل التي تربط الطاعنين بالمطعون ضدها ومناقشة العقود المبرمة بين الطرفين والقانون الواجب التطبيق على تلك العلاقة) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : التكييف القانوني لعمل الموظف الحكومي في شركة أجنبية :

اشار الحكم محل تعليقنا إلى ان التكييف المناسب لذلك هو الاعارة وليس الندب وسند الحكم في ذلك ان مفهوم الندب في قانون الخدمة المدنية  يكون فيما بين الجهات الحكومية في حين ان القانون ذاته يقرر ان الاعارة تكون فيما بين الجهات الحكومية والجهات غير الحكومية  مثل المنظمات  والمجالس والجمعيات والشركات الأجنبية والمحلية حسبما ورد في المادة (72) خدمة مدنية التي اجازت اعارة اي من الموظفين الحكوميين إلى جهة يمنية أو غير يمنية بموافقة الموظف، وقد حددت المادة (73) خدمة مدنية مدة الاعارة بانها تكون سنة أو مدة عقد العمل مع الشركات أو مدة المجالس والمنظمات التي يشغلها الموظف المعار عن طريق الانتخاب مثل مجلس النواب ، وتقرر المادة (77) خدمة مدنية أن تتحمل الجهة المستعيرة جميع ما يستحقه الموظف نتيجة عمله لديها من راتب وبدلات واية مخصصات وحقوق أخرى، وتقرر المادة (78) خدمة بانه يجب على الموظف سداد اقساط التأمينات والتقاعد، وتتم الاعارة بموافقة الموظف المعار والجهة المعيرة والجهة المستعيرة، ومن خلال الاطلاع على النصوص السابق ذكرها وتطبيقها على القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد أن هذه النصوص تنطبق عليها، لان المدعين موظفون عموميون في هيئة حكومية كانت قد وافقت على ان يعمل أولئك الموظفون لدى الشركة الأجنبية لحسب رغبتهم حيث قاموا بابرام عقود عمل فردية مع الشركة لمدة سنة قابلة للتجديد، وبناءً على ذلك فان أحكام الاعارة تنطبق على العلاقة فيما بين الموظفين والشركة . وذلك يقتضي ان تتحمل الشركة المستعيرة جميع مستحقاتهم حسبما قررت المادة (77) خدمة مدنية.

الوجه الثاني : طبيعة العلاقة فيما بين الموظفين المعارين والشركة المستعيرة :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد انه قد احال القضية إلى محكمة الاستئناف لدراسة العقود التي تم أبرامها فيما بين الموظفين المعارين والشركة المستعيرة باعتبار محكمة الاستئناف محكمة موضوع تختص بتحقيق ودراسة موضوع العقود لتحديد العلاقة فيما بين الطرفين، فليست هذه المسألة من اختصاص المحكمة العليا، ومن خلال دراسة هذه العقود نجد انها عقود عمل وان البند (10) منها قد قرر بأن تسري انظمة العمل المقررة في قانون العمل على هذه العقود، وانظمة العمل المقررة في قانون العمل تتضمن انظمة عدة منها نظم الاجور والاجازات ونظام اجور الساعات الاضافية ومكافأة نهاية الخدمة...الخ. والحقوق التي طالب بها الموظفون في دعواهم تندرج ضمن انظمة الاجورالمقررة في قانون العمل، ولذلك فان هذه العقود تحدد طبيعة العلاقة فيما بين الطرفين والتزاماتهما وحقوقهما، وقد سبق القول بان المادة (77) خدمة مدنية قد نصت على ان الموظف المعار يتقاضى جميع حقوقه من الشركة المستعيرة، ومع أن الموظف المعار في هذه الحالة تنظم علاقته بالشركة المستعيرة أحكام الاعارة وعقد الاعارة أو العمل إلا أنه لا تعارض بين أحكام الاعارة وعقد العمل حيث ان عقد  العمل يكون بمثابة عقد اعارة.

الوجه الثالث : اختصاص اللجنة التحكيمية بنظر النزاع :

ذكرنا فيما سبق ان العقود المبرمة فيما بين الموظفين المعارين والشركة الاجنبية هي عقود عمل من اسمها وانها تضمنت النص على انه تسري الانظمة المقررة في قانون العمل على الحقوق والالتزامات الواردة في تلك العقود وان مطالبات الموظفين المعارين هي عبارة عن حقوق مقررة صراحة في قانون العمل، في حين ان قانون العمل ذاته قد قرر انه يتم حسم النزاعات التي تنشاء فيما بين العمال واصحاب العمل عن طريق اللجنة التحكيمية العمالية، كما أن قانون العمل قد حدد الاعمال العرضية والموسمية التي لا يسري عليها قانون العمل لان مددها تتراوح فيما بين الاربعة والستة اشهر، اما عقود الاعارة أو العمل محل الخلاف فقد كانت لمدة سنة قابلة للتحديد وقد استمرت بين الطرفين لاكثر من ثلاث سنوات، فقانون العمل لم يفرق بين العامل المعار وغيره طالما وعمل المعار ليس عرضياً أو موسمياً .وتبعاً لذلك فان قانون العمل يسري على الموظفين المعارين في الشركات الأجنبية العاملة في اليمن فينعقد الاختصاص بنظر المنازعات فيما بينهم وبين هذه الشركات للجنة التحكيمية العمالية.

الوجه الرابع : المقصود بالاجازات الحقلية وحلولها محل الاجازات السنوية للعاملين في الشركات النفطية :

الاجازات الحقلية هي الاجازات المساوية في مدتها للمدة التي يقضيها العامل في عمله بالحقل خارج المدينة التي يقيم فيها عادة . فقد يكون الحقل او المنجم وملحقاتهما في صحراء او في عرض البحر حيث يقضي العامل عمله هناك بعيدا ومعزولا عن اهله واصدقائه وحيه او مدينته اقربائه..الخ ونظرا لتلك الاعتبارات فقد تعارفت الشركات النفطية والمعدنية على منح العامل في هذه الحالة اجازة حقلية  مساوية للمدة التي مكث فيها بالحقل فاذا عمل في الحقل شهرا تكون اجازته  عوضا عن ذلك شهرا بحيث تكون اجازاته الحقلية في السنة الواحدة ستة اشهر وهذه الاجازات تكون عوضا وبدلا عن الاجازات السنوية .

مربع نص: الاسعدي للطباعة ت/ 772877717

الوجه الخامس : مظلمة الموظفين المعارين للشركات والمنظمات المحلية والدولية وتوصيتنا :

تستقطب الشركات والمنظمات المحلية والاجنبية أفضل الكفاءات والمهارات في الجهاز الحكومي في اليمن  وتغريهم بمرتبات تزيد على تلك التي يتقاضونها من الحكومة حيث يتم اعارة تلك الكفاءات للشركات  والمنظمات المحلية والدولية فتقوم تلك الشركات بالتعاقد مع هؤلاء الموظفين الخبراء بعقود عمل تتضمن الحقوق الواجبة لهم ومن ذلك مرتباتهم وحقوقهم التي تقل كثيراً علن الحقوق والامتيازات التي تمنحها تلك الشركات والمنظمات لموظفيها الدائمين مع ان الاعمال التي تسند للمعارين تكون أكثر واكبر وتستفيد منها تلك الشركات أو المنظمات أكثر مما تستفيد من موظفيها الدائمين وتصل الفوارق فيما بين مستحقات المعارين والثابتين في تلك الشركات إلى أكثر من 100% في غالب الشركات والمنظمات، وهذا ظلم عظيم يستدعي تدخل قانون الخدمة المدنية حيث يجب تضمينه النص على ان حقوق المعارين لا يجوز أن تقل عما تمنحه الجهة المستعيرة لموظفيها الثابتين، والله اعلم.