اسباب الحكم الابتدائي التي لا تختص بنظرها المحكمة العليا

 

اسباب الحكم الابتدائي التي لا تختص بنظرها المحكمة العليا

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

 

من خلال مطالعة احكام كثيرة من المحكمة العليا وجدت ان كثيرا من الطعون بالنقض تتضمن الطعن في اسباب الحكم الابتدائي دون معرفة الفرق بين الحالات  التي يجوز فيها الطعن بالنقض في  اسباب الحكم الابتدائي وتلك التي لاينبغي الطعن فيها ,وذلك يرجع الى قلة الوعي القانوني ,ولاشك ان لهذه الظاهرة اسباب كما ان لها اثار على العدالة والقضاء والخصوم ,ولذلك نجد انه من المناسب الاشارة الى هذه المشكلة وتسليط الضوء عليها ولفت الانظار اليها وذلك بمناسبة التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8\2\2011م في الطعن الشخصي رقم (40761) سنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان شخصا غير وارث تقدم بدعوى امام المحكمة الابتدائية طلب فيها حصر تركة امرأة وهبت له ونذرت بثلث تركتها؛ فدفع الوارث للمراة بعدم سماع الدعوى لسبق ما يكذبها محضا ,وسارت المحكمة الابتدائية في إجراءاتها حتى خلصت الى الحكم (بثبوت الدعوى والزام الوارث المدعى عليه بحصر تركة المراة واخراج النذر للمدعي )وقد ورد ضمن اسباب الحكم الابتدائي (وحيث انه من خلال ما سلف من الادلة الشرعية فقد ثبت لدى المحكمة صحة  النذر من المذكورة للمدعي من الارض واخراج الثلث للمدعي بموجب الوهب والنذر من المذكورة للمدعي والذي تم  سنة 1408هـ) فلم يقبل المدعى عليه بالحكم الابتدائي حيث قام بالطعن بالحكم امام محكمة   الاستئناف, وقد جاء في استئنافه: ان محكمة اول درجة لم تفصل في دفعه مع انه من النظام العام كما ان الحكم قد صدر مخالفا للمادة (106) اثبات بشأن محرر النذر والوهب الذي تعتريه الجهالة وهو مستند المستأنف ضده فهذا المحرر خال من التوقيعات اضافة الى انه  قد ثبت من  ظاهر المحرر الحيلة) الا ان محكمة الاستئناف رفضت استئنافه وقضت بتأييد الحكم      الابتدائي, فقام المستأنف بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي امام المحكمة العليا, وقد جاء في عريضة الطعن بالنقض : ان المحكمتين الابتدائية والاستئنافية تجاهلتا دفوعه وادلته مخالفة بذلك القانون, وكذا بطلان اجراء القاضي الابتدائي حينما قبل محرر الوهب والنذر واعتمده من غير تدقيق او تحقيق اضافة الى بطلان الاجراءات التي اتبعها القاضي الابتدائي وعددها الطاعن في اكثر من صفحة حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا, الا ان المحكمة العليا رفضت الطعن واقرت الحكم الاستئنافي, وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (وحيث ان الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد جاء موافقا من حيث النتيجة للشرع والقانون لما علل به واستند عليه  في قضائه بتأييد الحكم الابتدائي حيث ثبت للمحكمة الاستئنافية ان شهادة الشهود المحضرين من قبل الطاعن امام الشعبة الاستئنافية التي استنفذت ولايتها حيث تختص المحكمة العليا بالفصل في الطعن بالنقض في الاحكام الصادرة من محاكم الاستئناف ومن المحاكم الابتدائية في الاحوال التي يحددها القانون ؛ ومن ثم فان هذا السبب ليس منها تطبيقا للمادتين (86و87) مرافعات) .

الوجه الاول : اسباب الحكم الابتدائي التي لا تختص المحكمة العليا بنظرها :

ذكرنا ان اغلب الطعون بالنقض تصرح او تشير الى المطاعن التي شابت الحكم الابتدائي, الا انه من المقرر ان المحكمة العليا مقيدة بالأسباب الواردة في عريضة الطعن بالنقض شريطة ان تكون هذه الاسباب متصلة بالمطاعن التي يراها الطاعن في الحكم الاستئنافي المطعون فيه امام المحكمة العليا, وبناء على هذا لا يحق للطاعن بالنقض ان يثير في طعنه امام المحكمة العليا المطاعن التي يرى انها شابت الحكم الابتدائي طالما انه لم يثيرها امام محكمة الاستئناف او يعاد طرحها من جديد امام محكمة الاستئناف, لان ذلك يتنافى مع طبيعة اختصاص المحكمة العليا باعتبارها محكمة قانون لان تلك المطاعن تحتاج الى تحقيق موضوعي تجريه محكمة الموضوع وليس محكمة القانون .

الوجه الثاني : اسباب او مطاعن الحكم الابتدائي التي يجوز اثارتها في الطعن بالنقض  امام المحكمة العليا :

اذا كان  من المقرر عدم جواز ان يتناول الطعن بالنقض المطاعن التي تشوب الحكم الابتدائي المنفصلة عن اسباب الحكم الاستئنافي الا انه من المقرر جواز اثارة المطاعن التي شابت الحكم الابتدائي المتصلة بالحكم الاستئنافي مثل الاسباب التي يثيرها الخصوم في عريضة الاستئناف والرد عليها او في مرافعاتهم اللاحقة المكتوبة او الشفوية المثبتة في محاضر   جلسات المحاكمة سواء اعملتها محكمة الاستئناف فناقشتها او اهملتها وتجاهلتها, وكذا اسباب الحكم الابتدائي التي قرر الحكم الاستئنافي الاستناد اليها او الاعتماد عليها او اعتبارها اسبابا له كما لو ورد في الحكم الاستئنافي وتعد اسباب الحكم الابتدائي جزء من اسباب الحكم الاستئنافي .

الوجه الثالث : التكييف الشرعي والقانوني للوهب والنذر لغير الوارث :

ورد في الحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي كلمتي (الوهب والنذر) وهذا المصطلح مأخوذ من نص الوثيقة التي تمسك بها المحكوم له, ومع انه وردت في تلك الوثيقة كلمة الوهب والنذر, الا ان التكييف الصحيح لها انها وصية وليست (هبة او وهب) لان الهبة تكون في اثناء حياة المورث والوصية تصرف الى ما بعد الموت, ومن خلال مطالعة وقائع القضية في الحكم محل تعليقنا نجد ان  التصرف الصادر من المرأة للمحكوم عليه يعتبر وصية فذلك ظاهر من خلال صيغة الوثيقة التي تمسك بها المحكوم له فقد ورد في تلك الوثيقة كلمة ان المراة وهبت ثلث تركتها فذلك يعني ان التركة لا تكون الا بعد وفاة الشخص ؛ كما لو ان التصرف كان من قبيل الهبة لقبض الموهوب له المال في اثناء حياة المراة الواهبة؛ والله اعلم.