تغيير اسماء الصيدليات ليس من اختصاص الصحة

 

تغيير اسماء الصيدليات ليس من اختصاص الصحة

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

المنشات الصحية ومنها الصيدليات تباشر اعمال وأنشطة ذات وجهين الوجه الأول تباشر هذه المنشات وتقدم خدمات طبية وصيدلانية وصحية وهي من هذا الوجه تخضع لرقابة واشراف ومتابعة وزارة الصحة باعتبارها الجهة المعنية بتحقيق الصحة العامة في البلاد ، والوجه الثاني : ان الصيدليات عبارة عن محلات تجارية تباشر نشاطا تجاريا وهو بيع وشراء الادوية وتستهدف الربح مثلها مثل غيرها من المحلات  التجارية الخاصة الاخرى فمن هذا الجانب فان الصيدليات تسري قوانين وانظمة وزارة الصناعة والتجارة بما في ذلك قانون الاسماء التجارية باعتبار وزارة التجارة هي الجهة المعنية بتنظيم شئون التجارة في البلاد ، ولكن نظرا  لقلة التوعية والإرشاد القانوني فان التداخل يحدث في الاختصاصات بين الجهات المختلفة مع ان القوانين واللوائح والنظم قد حددت اختصاص كل جهة ، ولا ريب ان لهذا التداخل تأثير على حدوث  النزاعات وإقحام الدولة فيها  وإطالة إجراءات التقاضي وتعقيدها ، لان معرفة اختصاص كل جهة واختصاص كل محكمة في البداية ومعرفة حدود ونطاق هذا الاختصاص يقلل من النزاعات ويحول دون اطالتها ، ومن هذا المنطلق فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31/3/2012م في الطعن التجاري رقم (47447) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان تسعة من الصيادلة ملاك تسع صيدليات باسم واحد متسلسلة في ارقامها  من (1)الى (9) تقدموا أمام المحكمة التجارية الابتدائية بدعوى طلبوا فيها منع مكتب  الصحة من التعرض المادي للصيدليات المملوكة لهم وللاسماء التجارية لتلك الصيدليات طالما ومكتب الصحة قد منحهم التراخيص اللازمة الخاصة بالاسم التجاري عالم الصيدلة 1و2و3و4و5و6و7و8و9 وذكروا في دعواهم ان مكتب الصحة قد قام بتحرير خطاب انذار لكل واحد منهم تضمن أمر المكتب لهم بإزالة الاسم التجاري القائم على الصيدلية المرخص لكل واحد منهم بفتحها وادارتها وطلب منهم المكتب تغيير ذلك الاسم باسم تجاري اخر خلال أسبوع من تاريخ ذلك الإنذار وذلك يخالف التراخيص الصادرة من مكتب الصحة لتلك الصيدليات كما ان القانون لا يعطي مكتب الصحة الحق في تغيير الاسماء التجارية كما انه لا يوجد نص قانوني يمنع المدعين من استخدام الاسماء التجارية لصيدلياتهم إضافة الى ان المكتب المدعى عليه قد اصدر تراخيص مشابهة للاسماء التي تحملها صيدلياتهم مثل صيدلية ابن حيان  2و3و4و5و6و7 وصيدلية دار الصحة 2و3 وصيدلية الغفران ؛ وطلب المدعون منع المدعى عليه مكتب الصحة من التعرض المدعى للصيدليات وللاسماء التجارية القائمة عليها ، فرد مكتب الصحة ان تلك الصيدليات التي باسم المدعين قد قاموا بتأجيرها لشخص اخر والتأجير لا يجوز وان المحكمة التجارية غير مختصة ؛ فعقب المدعون على ذلك بان المحكمة التجارية هي المختصة لان الصيدليات وفقاً للقانون تقوم بتجارة الأدوية كما ان المنازعة المعروضة على المحكمة تتعلق بطلب إزالة الاسماء التجارية للصيدليات ، وبعد ان سارت المحكمة الابتدائية في إجراءاتها توصلت الى الحكم بعدم التعرض المادي للصيدليات المرخص للمدعين فتحها وادارتها وللاسماء التجارية؛ وقد ورد في اسباب الحكم الابتدائي(ان المدعين قد اثبتوا امام المحكمة توفر الشروط القانونية لفتح صيدلياتهم وان هذه الصيدليات قد تم الترخيص بفتحها  من قبل  مكتب الصحة وبالاسماء المستعملة حاليا في تلك الصيدليات كما انهم قد اثبتوا ان مكتب الصحة قد وجه اليهم إنذارات بتعديل اسماء الصيدليات المرخصة باسم تجاري خلال اسبوع والا فسوف يقوم المكتب  بإغلاق الصيدليات ولذلك فان المحكمة توافق المدعين فيما طلبوه بمنع التعرض المادي للصيدليات التابعة لهم وسند المحكمة في ذلك ان تهديداً صريحا وواضحاً قد صدر من المكتب المدعى عليه تضمن انذار المدعين بإزالة الاسماء التجارية لصيدلياتهم المرخص لهم بفتحها وادارتها كما ان المحكمة التجارية هي المختصة نوعياً بنظر النزاع لانه تجاري ؛ فالمحكمة التجارية تختص بالفصل في النزاعات الوقتية والموضوعية الناشئة بين التجار سواء تعلقت هذه المنازعات بأعمالهم التجارية أو بالاسماء والعلامات التجارية ، ولما كان موضوع هذه الدعوى يتعلق بالاسماء التجارية للصيدليات المملوكة للمدعين فالمحكمة تقرر انها مختصة) فلم يقبل مكتب الصحة بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه وذكر في استئنافه ان القضية تجارية وان المدعين قد خالفوا قانون مزاولة الاعمال الطبية ولائحته عندما تنازلوا عن التراخيص للغير واذلك  فان الصيدليات لم تعد ملكهم ، وقد سارت الشعبة التجارية في إجراءاتها حتى حكمت بقبول الاستئناف والغاء الحكم الابتدائي ، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (اتضح ان محور القضية هو القرار الصادر من مكتب الصحة الذي تضمن الزام الصيادلة المدعين بتعديل اسماء صيدلياتهم وإزالة اللوحات الضوئية المرفوعة في الصيدليات واختيار اسم اخر ، وقد جاءت دعوى المدعين على خلفية هذا القرار ، وعند امعان النظر في ذلك القرار ظهر جلياً انه قرار اداري صادر عن جهة الإدارة فيما يتعلق بسلطتها الادارية والرقابية على الصيدليات التابعة للمدعين وفقاً لقانون المنشات الطبية ولائحته التنفيذية وقانون مزاولة المهن الطبي وقانون المجلس الطبي وذلك بغض النظر عن موافقة ذلك القرار للقانون من عدمه ، فالعلاقة بين الطرفين فيما يتعلق بذلك القرار علاقة ادارية وليست تجارية ، اذ الباعث على اصدار القرار المشار اليه هو اخلال ومخالفة المدعين للقانون حسبما يظن مصدر القرار ، فليس في ذلك القرار ولا في الخلاف بين الطرفين أي جانب تجاري لا من قريب ولا من بعيد فالدعوى المرفوعة من المدعين تضمنت طلب وقف ذلك القرار الاداري ؛ وفي مواجهة هذا القرار فانه يحق للمتضرر من ذلك القرار التظلم منه أو الطعن فيه ، ومن المؤكد ان المحكمة التجارية لا تختص بنظر الطعن أو التظلم في ذلك القرار لعدم اختصاصها نوعياً) فلم يقبل اصحاب الصيدليات التسع بالحكم الاستئنافي فقاموا بالطعن فيه بالنقض امام المحكمة العليا التي قبلت الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي ، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (ونعي الطاعنين سديد وله سنده في الواقع والقانون ذلك انه من البين من الخطاب الصادر من مكتب الصحة الى الطاعنين انه  قد تضمن اشعارهم بإزالة اللوحة الضوئية الحالية واختيار مسمى اخر جديد للصيدلية خلال اسبوع مالم سوف يقوم المكتب باغلاق الصيدلية وإزالة اللوحة ، فيستفاد من ذلك ان مكتب الصحة لا يعترض على النشاط الذي يمارسه هذا المحل التجاري عالم الصيدلية (من1إلى9) أو عدم مشروعية النشاط وإنما استهدف الخطاب إزالة اللوحة الضوئية واختيار اسم اخر بديلاً من اسم عالم الصيدلية (1-9) مع رفع لوحة ضوئية جديدة تحمل الاسم الجديد للصيدلية ولذلك فان الخطاب المشار اليه قد اتجه نحو اسم المحل التجاري في حين ان اسماء المحلات التجارية تختص بها وزارة الصناعة والتجارة وليس مكتب الصحة فالنزاع في هذه الحالة نزاعً تجاريً ينعقد معه الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية طالما ان جوهر النزاع الاسم التجاري وفقاً للمادة (2) من قانون الاسماء والعلامات التجارية) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الآتية :

الوجه الأول : التنظيم القانوني لاسم الصيدلية :

نظمت المادة (33) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم (60) لسنة 1999م بشأن المنشات الطبية والصحية الخاصة نظمت اسم الصيدلية حيث قررت المادة المشار اليها انه يجب ان  يتوفر لفتح الصيدلية واستمرار عملها  (13) شرطاً منها الشرط (11) وهو ( يجب ان توضع على مدخل الصيدلية لوحة يكتب فيها اسم الصيدلية واسم مالكها ومديرها الفني ورقم التلفون وكذا لوحه اخرى يكتب فيها اسماء الصيدليات المناوبة في المنطقة) ومن خلال استقراء هذا النص يظهر ان لوزارة الصحة اشراف ومتابعة ورقابة على اسماء الصيدليات ولكن من حيث توفر البيانات الصحية التي تتم  كتابتها لوحة اسم الصيدلية. فهذه البيانات الصحية التي تتم كتابتها في لوحة الاسم لها علاقة مباشرة بالعمل الصيدلي المهني ، فمكتب الصحة يحق له متابعة لوحات اسماء الصيدليات للتأكد من توفر البيانات المشترطة في لوحة الاضائه ، والعجيب ان محامي مكتب  الصحة لم يتمسك بهذا النص في اثناء نظر القضية ، اما قانون الاسماء التجارية رقم (20) لسنة 2003م فقد حدد في المادة (2) هدفه وهو ( تنظيم قيد وحماية الاسماء التجارية المسجلة وكيفية التصرف بها) حسبما ورد في الفقرة (1) من المادة المشار اليها ؛ وقد اشار الحكم محل تعليقنا الى هذا النص ، ومقتضى هذا النص ان تنظيم الاسماء التجارية وتعديلها وتغييرها  يخضع لقانون الاسماء التجارية بما في ذلك اسم الصيدلية طالما ان الصيدلية تباشر نشاطاً تجارياً يتمثل في بيع وشراء الأدوية والمستلزمات الطبية ، وهذا ما قضى به حكم المحكمة العليا.

الوجه الثاني : تكييف المنازعة على اسمكك الصيدلية :

من خلال المطالعة لوقائع القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد ان النزاع لم يكن بين تاجرين متنازعا بشان اسم تجاري وانما كان بين جهة حكومية (مكتب الصحة) وتأجر صاحب صيدلية حيث تعتقد الجهة الحكومية ان من صلاحياتها الادارية تعديل اسماء الصيدليات باعتبار ذلك من الامور التنظيمية وفقا لصلاحياتها كجهة إشرافية على مهنة الصيدلية وتبعاً لذلك فان عملها هذا عمل اداري لا تختص بنظره المحكمة التجارية وهذا الاعتقاد صحيح في كل شئون الصيدليات الا اسم الصيدلية لانه يخضع لتنظيم قانوني خاص وهو قانون الاسماء التجارية الذي يكون سارياً على كافة المحلات التجارية بما فيها الصيدليات ؛فالاسم التجاري يكون علامة وعنوانا للمحل التجاري تميزه عن غيره ووسيلة اتسهيل التعامل معه وتمكينه من  مباشرة التصرفات القانونية باسمه الخاص ، وهذه كانت وجهة المدعين اصحاب الصيدليات الذين قصروا المنازعة على الاسم فقط الذي كان مسجلاً ومشهوراً وبعد مدة طلب منهم مكتب الصحة تعديل الاسم ولم يكن ذلك من اختصاص المكتب وانما من اختصاص الجهة المعنية بالاسماء التجارية وهي وزارة الصناعة والتجارة.

الوجه الثالث : المسئولية القانونية عند التنازل عن تراخيص الصيدليات :

صحيح ان الصيدلية نافذة لبيع وشراء الأدوية فتكون الصيدلية بهذا المفهوم محلاً تجارياً إلا ان هذا المحل اشترط قانون مزاولة المهن الطبية والصيدلانية وقانون المنشات الطبية اشترطا الحصول على تراخيص فتح الصيدلية من مكتب الصحة المختص ، وكثير من الاشخاص يقومون بالتنازل عن هذا الترخيص للغير ، وهذا الامر يقتضي الإشارة بايجاز الى المسئولية المترتبة على هذا التنازل ومخاطره وقد لاحظنا في وقائع الحكم محل تعليقنا ان مكتب الصحة كان يتهم اصحاب الصيدليات التسع بانهم قد تنازلوا عنها للغير وان القانون يمنع ذلك وهذا الامر صحيح ، ويمكن تلخيص احكام المسئولية عند التنازل عن تراخيص الصيدليات  بالقول : انه اذا تم التنازل بنظر مكتب الصحة وموافقته فان المتنازل اليه يتحمل كافة التبعات والمسئوليات عن الصيدلية بما في التبعات الجنائية والمدنية والإدارية ، اما ان تم التنازل من غير موافقة واذن مكتب الصحة فان صاحب الترخيص الذي صدر باسمه يكون المسئول عن كافة التبعات والمسئوليات التي تحدث اثناء عمل الصيدلية التي كان ترخيصها باسمه .

الوجه الرابع : اسم الصيدلية وحماية المتعاملين مع الصيدلية :

قرر قانون الاسماء التجارية السابق ذكره في المادة (2) ان الهدف من الاسم التجاري حماية المتعاملين مع المحل الذي يحمل الاسم التجاري وذكرنا أيضاً ان هذا الامر ينطبق على الصيدليات باعتبارها محلات تجارية ، لذلك فان تبعات تعامل الصيدلية بيعاً وشراء وغيرها تتحملها الصيدلية باسمها الذي تحمله ولا يتحمل تبعاتها العاملين فيها ، علماً بان من اهم اخطار تعامل شركات الأدوية مع الصيدليات عن طريق البيع الآجل أن بعض اصحاب الصيدليات يحاولون التنصل من مسئولياتهم عن البضاعة المسلمة الى عمال الصيدلية في حين ان أي تعامل مع العامل في الصيدلية يتحمله مالك الصيدلية الذي يحمل ترخيص الصيدلية اسمه ، كما ان تعدد التنازلات عن الصيدليات من موافقة مكتب الصحة  يثير إشكاليات كبيرة فبعض الصيدليات قد وقع التنازل عنها لخمس مرات واكثر ولذلك فان هذا الموضوع يحتاج الى معالجة من قبل وزارة الصحة؛ والله اعلم.