سقوط الاستئناف اذا لم يتقدم المتهم لتنفيذ عقوبة الحبس
أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة
صنعاء
تطبيق القانون وتحقيق سيادته يحتاج الى تطبيق
القانون وفهمه فهما صحيحا واستلهام روح القانون والوقوف على مقاصد وغايات النصوص وأهدافها
، لان النصوص القانونية عبارة عن قواعد عامة ومجردة تحتاج إلى فهم عميق وادراك عند
تطبيقها وتفسيرها ، فالقانون ليس نصوصاً حرفية جامدة والا لكان كل من يجيد القراءة
والكتابة قانونياً ، وتحدث إشكاليات كثيرة في الواقع العملي عند وقوف بعض الأشخاص
على نص قانوني معين بمعزل عن النصوص
الاخرى مع ان القانون منظومة واحدة وان تغيرت مسمياته وان توزعت نصوصه في تخصصات
عدة وان توزع كمواد متعددة في متن قانون واحد ، إلا انه عند تطبيق النص القانوني
وتفسيره يجب الرجوع إلى النصوص الاخرى ذات العلاقة بهذا النص واستقرائها مجتمعة
وبيان موقفها كمنظومة واحدة ؛ فالقوانين تتصل ببعضها مثلما مواد القانون الواحد
التي تتصل ببعضها ، ومن المسائل المثيرة للجدل في القضاء مسألة سقوط الاستئناف
لعدم تقدم المتهم لتنفيذ عقوبة الحبس لان القانون نظمها بصفة مجملة ، وسوف يظهر
ذلك جلياً في سياق تعليقنا على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا
في جلستها المنعقدة بتاريخ 8/5/2013م في الطعن الجزائي رقم (48197) لسنة 1433هـ
وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان امين صندوق احدى الجهات الحكومية
اتهمته نيابة الأموال العامة باختلاس مبلغ مليون وتسعمائة ألف ريال كان ذلك المبلغ
موجوداً في حيازته ؛ وقد رد المتهم على قرار الاتهام بأن المبلغ الذي اتهمته
النيابة العامة باختلاسه هو مجرد عجز في حسابات الصندوق وانه قام بصرف هذا المبلغ
بموجب توجيهات من المديرين المختصين في الهيئة ، وقد سارت المحكمة في الإجراءات
حتى توصلت إلى الحكم ( بإدانة المتهم بجريمة الاختلاس المنسوبة له والحكم عليه
بالحبس مدة ستة أشهر من تاريخ القبض عليه ، والزامه بإعادة باقي المبلغ المختلس
وقدره مليون ومائتان وأربعة وتسعون ألفاً وخمسمائة ريال) وقد ورد ضمن أسباب الحكم
الابتدائي ان (التهمة ثابتة بإقرار المتهم الذي ادعى ان المبلغ المختلس هو عجز
وانه قد قام بصرفه بناء على توجيهات
المديرين كما أدعى ايضا أن لدى الجهة التي يعمل فيها مبالغ له حيث أبرز مستندات في
هذا الشأن وبذلك فقد دل ذلك على وجود القصد الجنائي لجريمة الاختلاس) فلم يقبل المتهم
بالحكم فقام باستئنافه أمام شعبة الأموال العامة إلا ان ممثل وزارة المالية دفع
أمام الشعبة بعدم قبول استئناف المتهم لعدم
تقدم المحكوم عليه لتنفيذ العقوبة
المحكوم بها عليه قبل اليوم المحدد لنظر الاستئناف ، وقد سارت الشعبة في إجراءات
القضية حيث حكمت (بقبول دفع محامي وزارة المالية بسقوط الاستئناف المقدم من المتهم
لعدم تقديمه لنفسه لتنفيذ عقوبة الحبس المحكم بها عليه من قبل محكمة الأموال
العامة الابتدائية وتأييد الحكم الابتدائي) لعجز المتهم المحكم عليه عن إثبات انه
سلم نفسه للنيابة بعد الحكم الابتدائي وتم حبسه ساعتين وبعدها تم الإفراج عنه
بالضمان ، رغم إتاحة المحكمة له أكثر من فرصة لإثبات ذلك) فلم يقبل المتهم بالحكم
الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقص ، فقبلت الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا
الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي ، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا ( والثابت من
مطالعة أوراق القضية ان ما نعى به الطاعن على الحكم الاستئنافي في محله وذلك ان
الثابت ان الشعبة لم تقم بواجبها من حيث
التأكد مما دفع به الطاعن بشأن توقيفه بعد النطق بالحكم الابتدائي وانه تم
الإفراج عنه وانه ليس ممتنعاً عن تسليم نفسه؛ فكان الواجب على الشعبة ان عجز
المتهم عن اثبات ذلك ان تقم الشعبة بتحرير مذكرة إلى النيابة المختصة للاستفسار عن
صحة ما زعمه الطاعن لا أن تقضي في القضية قبل ذلك ؛ الأمر الذي يجعل الحكم الاستئنافي مشوباً
بالمخالفة للقانون والخطأ في تطبيقه مما يستوجب نقض الحكم الاستئنافي وإعادة
القضية الى شعبة استئناف الأموال العامة للفصل في الاستئناف مجدداً) وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الآتية :
الوجه الأول : السند القانوني للحكم محل تعليقنا :
قضى الحكم محل تعليقنا بوجوب قيام محكمة
الموضوع ببحث واقعة ما اذا كان المحكوم عليه بعقوبة الحبس قد تقدم الى الجهة
المعنية لتنفيذ العقوبة وما اذا كانت هذه السلطة قد قامت بالإفراج عنه بالضمان حتى
يتم في ضوء ذلك تطبيق النص القانوني الوارد في المادة (425) إجراءات التي نصت على
انه ( يسقط الاستئناف المرفوع من المتهم المحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية واجبة النفاذ اذا لم يتقدم
للجهة المختصة بالتنفيذ قبل اليوم المحدد لنظر استئنافه وذلك ما لم يكن مفرجاً
عنه) وسوف نشير إلى أحكام هذا النص في الأوجه الآتية في سياق التعليق.
الوجه الثاني : معنى سقوط استئناف المتهم في هذه الحالة وتكييفه :
سقوط الاستئناف في هذه الحالة يعني ان المتهم
قد قام بتقديم استئنافه في الميعاد المقرر لذلك ، ومن هذه الزاوية يظهر الفرق بين
عدم قبول الاستئناف وبين سقوط الاستئناف في هذه الحالة ، فالسقوط لا يكون الا
بالنسبة للحق الذي قد تم وجوده بالفعل ،
وسقوط الاستئناف في هذه الحالة هو من قبيل الجزاء الإجرائي لعدم قيام المحكوم عليه
بالحبس بتسليم نفسه لتنفيذ العقوبة ، وفي هذا المعنى قضت محكمة النقض المصرية بان
(سقوط الاستئناف جزاء وجوبي يقضى به على المستأنف اذا لم يتقدم لتنفيذ العقوبة
المقيدة للحرية واجبة النفاذ قبل الجلسة المحددة لنظر استئنافه وذلك منعاً لإساءة
استعمال حق الاستئناف واحتراماً للحكم الواجب النفاذ ؛ فالسقوط جزاء إجرائي يزيل
عن المتهم حقه في الاستمرار في مباشرة حقه في الاستئناف الذي كان قد توفر له منذ
صدور الحكم المستأنف وتقضي به المحكمة من تلقاء ذاتها دون التفات منها إلى
الاستئناف) وعند تطبيق هذا المفهوم على القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد
ان المحكوم عليه كان قد تقدم باستئنافه في الميعاد المقرر لذلك الا ان الحكم
الاستئنافي قضى بسقوط استئنافه لأنه لم يسلم نفسه للتنفيذ قبل اليوم المحدد لنظر
استئنافه.
الوجه الثالث : وقت تسليم المتهم المحكوم عليه بالحبس لنفسه لتنفيذ العقوبة :
من خلال مطالعة نص المادة (425) إجراءات
السابق ذكرها في الوجه الأول نجد انها قد حددت وقت تسليم المتهم المحكوم عليه
بالحبس لنفسه حيث قررت ان وقت ذلك هو قبل اليوم المحدد لنظر استئنافه ، في حين ان
قانون الإجراءات المصري قد توسع في هذا الوقت حيث قرر صراحة إلى ان وقت تسليم
المحكوم عليه يمتد حتى ما قبل الجلسة المحددة لنظر الاستئناف بل ذهبت محكمة النقض
المصرية إلى انه يحق له ذلك حتى قبل النداء باسمه في الجلسة ، فقد قضت محكمة النقض
المصرية بأنه (لما كانت المادة (412) إجراءات قد نصت على ان يسقط الاستئناف
المرفوع من المتهم المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية واجبة النفاذ اذا لم يتقدم
للتنفيذ قبل الجلسة ، فالاستئناف لا يسقط متى كان قد تقدم للتنفيذ حتى وقت النداء
على قضيته في يوم الجلسة فإذا تأجلت الجلسة الى يوم اخر فان الوقت يمتد إلى ما قبل
الجلسة التي تم تحديدها لنظر استئنافه بالفعل ، ولذلك يشترط ان يكون المتهم على
علم بتاريخ الجلسة التي سيتم فيها نظر
استئنافه اما عن طريق توقيعه على تقرير
الاستئناف بنفسه المتضمن ميعاد الجلسة اما عن طريق إعلانه بميعاد الجلسة المقررة
لنظر استئنافه – طعن رقم 2121- لسنة 37 – تاريخ 15/1/1968م).
الوجه الرابع : كيفية وإجراءات تسليم المحكوم عليه بالحبس لنفسه إلى الجهة المختصة :
من خلال مطالعة نص المادة (425) إجراءات يمني
نجد انها لم تحدد كيفية وإجراءات التسليم والجهة التي يقوم المحكوم عليه بتسليم
نفسه اليها ، الا ان إجراءات التسليم تقتضي ان يذهب المحكوم عليه الى الجهة
المعنية بتنفيذ الأحكام ويعلن أمامها انه قد صدر حكم بحبسه ويطلب منها إيداعه
الحبس او التحفظ عليه ريثما يتم نقله الى
المنشأة العقابية ويتحقق ذلك اذا قدم نفسه الى الشرطة القضائية في مقر المحكمة أو
افراد حراسة المحكمة؛ الا ان واقعة تسليم المحكوم عليه لنفسه تحتاج الى إثبات هذه
الواقعة عندما يقوم المحكوم عليه بالتمسك بها او الاحتجاج بها حسبما ورد في وقائع
القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا ، فاذا قام المحكوم عليه بذلك فقد تحقق
التسليم المقصود قانوناً سواء تم إيداعه الحبس او الحجز أم لا او تم الافراج عليه
بالضمان او بغير ضمان ؛ وفي هذا المعنى
قضت محكمة النقض المصرية بانه (من المقرر انه يكفي ان يكون المتهم قدم او وضع نفسه
تحت تصرف السلطة المعنية بالتنفيذ قبل الجلسة دون الاعتداد بما اذا كانت هذه
السلطة قد اتخذت قبله إجراءات التنفيذ قبل الجلسة أم بعدها فان المحكوم عليه
بالحبس اذا مثل أمام المحكمة الاستئنافية للفصل في استئنافه عن حكم مشمول بالنفاذ
المعجل ومن ثم فاذا سلم المتهم نفسه قبل الجلسة الى قوة الحرس فانه يعتبر قد سلم
نفسه الى هيئة مختصة وقام بالالتزام الواجب عليه طبقاً للمادة 412 إجراءات – الطعن
رقم 1516- لسنة 28 – جلسة 16/12/1957م) ويتحقق تسليم المتهم اذا قامت الجهة
المعنية بحبسه لمدة ولو وجيزة ثم أفرجت عنه بالضمان أو بغيره ، ولذلك فان دعوى
المتهم في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا مقبولة يترتب عليها عدم سقوط
استئنافه لانه قد قام بتسليم نفسه الى الجهة المعنية بالتنفيذ التي قامت بحبسه
ساعتين ثم أفرجت عنه بالضمان الا انه لم يتمكن من اثبات دعواه تلك ولذلك قضى حكم
المحكمة العليا بنقض الحكم الاستئنافي وارشد الشعبة الاستئنافية بان تتحقق من صحة
دعوى المتهم في هذا الشأن ، وتوجيه المحكمة العليا استدراك سديد لما فات على محكمة
الموضوع، والله اعلم.