عدم الرد على الدعوى لا يعد اقراراً
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
تترتب على الاقرار اثار بالغة الخطورة ولذلك بالغت الشريعة الاسلامية
والقوانين في الاحتياط في الاحتياط في
شروط الاقرار وصيغته ، وكان الاحتياط اكثر بالنسبة للإقرار الضمني، كما ان الاقرار
الضمني يضيق نطاقه امام القضاء فهناك شروط معلومة للإقرار القضائي، ومن تطبيقات
ذلك ان المدعى عليه اذا لم يقم بالرد على الدعوى فلايفسر ذلك او لايفهم منه على
انه قبول من المدعى عليه بالدعوى فلا يعد ذلك اقرار منه بصحة الدعوى فلايحمل
السكوت في هذا الامر على انه رضا قبول بالدعوى ، وهذا المبدأ هو الذي قرره الحكم
محل تعليقنا ؛اضافة الى ان هذا الحكم قد تضمن ارشادات قيمة فيما يتعلق بالأخطاء
المألوفة التي ترد في بيانات بعض الاحكام القضائية مثل (الطاعن: فلان بن فلان
واخرين/ أو المدعى عليهم عشرة أولهم فلان واخرهم فلان/ أو المدعى :فلان ومن اليه)
حيث صرح هذا الحكم خطأ هذا المسلك والاثار المترتبة عليه، ولذلك فان لهذا الحكم
قيمة علمية وعملية تستحق اختياره للتعليق عليه والتوعية بالمبدأ الذي قرره
والارشادات التي تضمنها بشان الاخطاء الشائعة التي ترد في بعض بيانات الاحكام ،
وهذا الحكم هو الحكم الصادر من الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 10/2/2010م في الطعن المدني رقم (38257) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع
القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا: ان شخصاً كان يطالب جماعة من الاقارب
بغرامته التي تكبدها نتيجة متابعته لقضية القسمة الخاصة بهم فقام الطرفان بتحكيم
محكم الذي حكم باستحقاق المدعي لمبلغ مليونين وستمائة الف ريال مقابل غرامته في
متابعة القسمة الخاصة باولئك الاقارب؛ فلم يقبل الاقارب المحكوم عليهم بحكم المحكم
فقاموا بتقديم دعوى بطلان حكم المحكم امام محكمة الاستئناف المختصة الا ان الشعبة
المدنية رفضت دعوى البطلان وقضت بتأييد حكم المحكم ؛فلم تقبل جماعة الاقارب
المحكوم عليها بالحكم الاستئنافي فقاموا بالطعن فيه بالنقض وقد ذكروا في طعنهم :
ان الحكم المطعون فيه قد خالف القانون عندما اعتبر عدم ردهم على الدعوى اقراراً مع
ان ذلك وفقاً للقانون يعتبر انكاراً للدعوى، وقد قبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت
الحكم الاستئنافي، وقد ورد في اسباب حكم المحكمة العليا (وحيث ان عدم الرد على
الدعوى يعد انكاراً لها طبقاً للمادة (9) من قانون الاثبات التي نصت على انه (اذا
كان المدعى عليه حاضراً وجب عليه ان يجيب على الدعوى بالإقرار او الانكار ولا
يشترط اللفظ بل يكفي المعنى فان أمتنع اعتبر منكراً) وحيث انتهى الحكم المطعون فيه
الى ان عدم رد المدعى عليه على الدعوى يعتبر اقراراً منه بما ورد فيها فانه يكون
قد اخطأ في تطبيق القانون، وحيث ان الحكم المطعون فيه لم يرد على دعوى البطلان
بشمول حكم التحكيم لأطراف من الغير لم يكونوا طرفاً في وثيقة التحكيم وكذا خلو حكم
التحكيم من البيانات المطلوبة قانوناً فان الحكم المطعون فيه قاصر البيان وحيث ان
الحكم المطعون فيه اطلق في منطوقه لفظ (ومن اليه) بعد ذكره لاسم احد الخصوم
اكتفاءً منه بما لا كفاية فيه في الاحكام من ذكر اسم احد الخصوم او بعضهم فقط دون
ذكر اسماء الاخرين من باقي الخصوم والاكتفاء بالحاق لفظ (ومن اليه) أو (اخرين)
ناهيك عن عدم بيان اسماء الخصوم كاملة شخصاً شخصاً في بيانات الحكم المطعون فيه
خلافاً لنص المادة (229) مرافعات فالركون والاعتماد على لفظ (ومن اليه أو اخرين)
غير كاف في لغة الاحكام لبلوغ الغاية وتحقيق الهدف من البيان فينبغي التحديد
الدقيق لأسماء الخصوم وصفاتهم وموطن كل منهم وفقاً للمادة (229) مرافعات فلا ينبغي
التجهيل بهم لما يثيره ذلك من الغموض والتجهيل بأسماء باقي الخصوم وعدم تحديدهم
تحديداً نافياً للجهالة حتى لا يتذرع الاخرون (او من اليه) بعدم حجية الحكم في
مواجهتهم عند التنفيذ مما يطيل امد التقاضي ويعرض الحكم المطعون فيه للبطلان)
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الاوجه الأتية :
الوجه الأول : وظيفة الرد على الدعوى وأهميته :
ابتغى القانون من الرد على الدعوى تحقيق وظائف عدة منها:انعقاد
الخصومة من وجهة نظر بعض شراح قانون المرافعات حيث لا تنعقد الخصومة من وجهة نظر
هؤلاء بمجرد اعلان المدعى عليه بالدعوى وانما برد المدعى عليه على الدعوى، كما ان
رد المدعى عليه على الدعوى دليل على اتصال علمه بها ومواجهته بها ولذلك فان الرد
على الدعوى من تطبيقات مبدأ المواجهة، إضافة الى ان الرد على الدعوى تعبير عن موقف
المدعى عليه من الدعوى فلا تظهر الحقيقة للقاضي الا اذا اعرب المدعى عليه صراحة عن
موقفه ورايه في الدعوى المرفوعة عليه ؛فأطراف الخصومة هما المدعي والمدعى عليه فلا
تكتمل الحقيقة الا عندما يقف القاضي على موقف الخصمين ؛فمن خلال تساجل الخصوم
وترافعهم امام القاضي تظهر له الحقيقة فيكون الحكم عنواناً للحقيقة ؛وكذا فان
الحكم من غير رد على الدعوى سيكون فيه مخالفة لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
في الحديث الصحيح {لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم} ومن خلال
الوظائف المناطة بالرد على الدعوى والمشار الى بعضها فيما سبق تظهر لنا اهمية الرد
على الدعوى.
الوجه الثاني : إثبات القاضي امتناع المدعى عليه عن الرد على الدعوى :
مع اهمية الرد على الدعوى
حسبما سبق بيانه إلا ان المدعى عليه قد لا يرد على الدعوى ويصر على موقفه هذا،
وعندئذ يجب اثبات امتناع المدعى عليه أو مماطلته في الرد حيث يقوم القاضي بإثبات
ذلك في محضر الجلسة حتى يكون ذلك ظاهراً وثابتاً لما لذلك من اثار شرعية وقانونية في الاجراءات التي
ستتم لاحقاً على الامتناع والمماطلة في الرد على الدعوى، ولذلك فهناك عرف قد استقر
لدى قضاة اليمن المتقدمين والمتأخرين الذين يصرحون بتنبيه المدعى عليه بالرد على
الدعوى والا فسوف يتم اعتباره منكراً، وانا اثني على القضاة الذين يتبعون هذه
العادة الحسنة التي صادرت نصاً قانوناً.
الوجه الثالث : إعتبار عدم الرد على الدعوى انكاراً للدعوى وتوصيتنا للمقنن اليمني :
مع اهمية الرد على الدعوى حسبما ذكرنا سابقاً ومع ضرورة تنبيه القاضي
للمدعى عليه بوجوب رده على الدعوى الا ان المدعى عليه قد لا يرد على الدعوى،
فعندئذ ليس من المقبول تعطيل اجراءات النظر في الدعوى وجعلها رهينة بمشيئة المدعى
عليه ورغبته، ولذلك كان النص القانوني المشار اليه في الحكم محل تعليقنا وهو
المادة (9) من قانون الاثبات التي نصت صراحة بانه (اذا كان المدعى عليه حاضراً وجب
عليه ان يجيب على الدعوى بالإقرار او الانكار ولا يشترط اللفظ بل يكفي المعنى فاذا
امتنع اعتبر منكراً) فمن خلال صيغة هذا النص نجد ان الرد على الدعوى امر واجب على
المدعى عليه فليس حقاً للمدعى عليه مثل الحق في الدعوى الذي لا يكون واجباً فالرد
على الدعوى يكون واجباً لان غالبية وظائف الرد على الدعوى متعلقة بعدالة الحكم كما
سبق بيانه، اضافة الى ان هذا النص لم يشترط الالفاظ الصريحة في اقرار المدعى عليه
اوانكاره للدعوى حيث يكفي للقاضي ان يفهم من سياق رد المدعى عليه انه مقرً اومنكر،
علاوة على ان هذا النص قد قرر صراحة بان امتناع المدعى عليه عن الرد يعد انكاراً
للدعوى، فاستعمال النص للفظ (الامتناع) اوجب على القاضي اثبات امتناع المدعى عليه
على الرد حتى لايتم اعتباره منكراً علماً بانه في الواقع العملي لا يصرح المدعى
عليه بامتناعه عن الرد وانما الغالب انه يماطل في الرد لإطالة اجراءات التقاضي
حسبما اشار الحكم محل تعليقنا ؛ولذلك فإننا نوصي بإعادة صياغة نص قانون الاثبات
لتلافي اوجه القصور بحيث تكون صياغة نص المادة (9) اثبات بما ينسجم مع المادة
(167) مرافعات التي نصت على انه (اذا اعترف المدعى عليه أو انكر أو سكت واثبت
المدعي ما انكره او لم يثبته وطلب يمين المدعى عليه ونكل عنها قضى للمدعي وان عجز
المدعى عن اثبات دعواه اعتبر عاجزاً او لم يطلب يمين المدعى عليه او طلبها وحلفها
حكم برفض الدعوى) وكذا بما ينسجم مع المادة (163) مرافعات التي تنص على انه (لا
يجوز تأجيل الدعوى اكثر من مرة لسبب واحد يرجع الى احد الخصوم على ان لا تتجاوز
مدة التأجيل ثلاثة اسابيع) الا ان الواقع العملي يشهد بان مماطلة المدعى عليه في
الرد على الدعوى سبب رئيس من اسباب اطالة اجراءات التقاضي.
الوجه الرابع : لا يجوز اعتبار عدم الرد على الدعوى اقراراً بالدعوى :
من خلال ما تقدم ظهر لنا ان عدم الرد على الدعوى يعد انكارا من المدعى
عليه للدعوى، فهذا الموقف السلبي من المدعى عليه يستدعي الزام المدعي بإثبات دعواه
طالما وانه قد تم اعتبار المدعى عليه منكراً لدعواه فعندئذ ينبغي عليه اثبات دعواه
وتقديم الادلة على صحة دعواه وطلباته؛ لان الحكم سيكون بموجب ادلة الاثبات التي
يقدمها المدعي وليس بموجب الدعوى فليس في الامر ظلم بالمدعى عليه او انحراف عن
جادة العدل، كما انه من غير المقبول ان يكون امتناع المدعى عليه او تقاعسه او
إهماله للرد على الدعوى سبباً في تعطيل اجراءات نظر الدعوى فربما ان قصده من
امتناعه هو المماطلة في تمكين المدعي من حقه او الحكم له بهذا الحق.
الوجه الخامس : عدم الرد على الدعوى لا يكون اقراراً من المدعى عليه بالدعوى:
قررت المادة (9) إثبات انه (اذا امتنع المدعى عليه عن الرد على الدعوى
اعتبر منكراً أي ان امتناع المدعى عليه عن الرد على الدعوى يعد انكاراً لها ومفهوم
المخالفة لذلك يعني انه لا يجوز اعتبار هذا الامتناع اقراراً بالدعوى، لان القاضي
لا يستطيع ان يحكم للمدعي بمجرد دعواه وانما بموجب الادلة لان المدعي يجب عليه ان
يبين دعواه حتى يحكم له القاضي بموجب تلك الادلة، اما الانكار فهو موقف سلبي في
هذه الحالة لا يستطيع القاضي ان يحكم بموجبه.
الوجه السادس: جهالة اسماء الخصوم في الحكم وتوصية للمحكمة العليا :
اشار الحكم محل تعليقنا الى الجهالة والتجهيل بأسماء الخصوم في الحكم،
عن طريق الاكتفاء بذكر احد الخصوم او بعضهم ثم يتم ذكر عبارة (ومن اليه/وأخرين/
اوعشرة اولهم واخرهم ) والواقع ان هذه ظاهرة شائعة في كثير من الاحكام حيث ان عدم
ذكر اسماء الخصوم جميعهم في الحكم يؤدي كما ذكر الحكم محل تعليقنا الى اتاحة
المجال لمن لم يذكر اسمه في الحكم في التمسك بعدم حجية الحكم في مواجهته، وهذا
تسديد صائب من المحكمة العليا، ولذلك فإننا نوصي المحكمة العليا بإصدار تقييم
بموجب الصلاحية المقررة لها في قانون السلطة القضائية الى المحاكم المختلفة بوجوب
ذكر اسماء الخصوم كلهم في الحكم حتى وان كان قد سبق للمحكمة التعميم في هذا الشأن،
لان ظاهرة كتابة (ومن اليه/ وآخرون) لا زالت شائعة، والله اعلم.