جواز الجمع بين الإعدام قصاصاً والاعدام تعزيراً

 جواز الجمع بين الإعدام قصاصاً والاعدام تعزيراً

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الإعدام قصاصاً عقوبة لها موجباتها وشروطها وكذلك الحال بالنسبة لعقوبة الإعدام تعزيراً لها أيضاً موجباتها وشروطها، وسواء أكانت عقوبة الإعدام تعزيراً أم قصاصاً فان يترتب على تنفيذها إزهاق روح المحكوم عليه، فعقوبة الإعدام قصاصاً يتم تطبيقها في جريمة القتل العمد اذا ثبتت  موجبات القصاص وشروطه  بينما عقوبة الإعدام تعزيراً يتم تطبيقها في جرائم  اخرى منها جرائم القتل العمد الذي يثبت بالقرائن وليس بالشهادة أو الاقرار حيث يتم في هذه الحالة الحكم بالإعدام تعزيرا إذا توفرت ظروف مشددة تستدعي تطبيق هذه العقوبة الاستئصالية، ففي هذه تجتمع  عقوبتا الإعدام قصاصاً والإعدام تعزيرا حيث يتم تطبيقها جزاء على فعل واحد هو القتل العمدً كما أن العقوبتين معا يتم تطبيقهما على القاتل العامد،وبذلك تجتمع العقوبتان معاً فيستحق حينئذ الجاني الإعدام قصاصاً وتعزيراً، وقد اشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8/10/2012م في الطعن رقم (43806) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان النيابة العامة اتهمت شخصين بقتل المجني عليه ودفنه داخل منزل المتهم الأول بالإضافة إلى قيام المتهمين بسرقة مال المجني عليه وقيامهما أيضاً باللواط ببعضهما وشرب الخمر، وقد توصلت محكمة أول درجة إلى الحكم بإعدام المتهمين قصاصاً وتعزيراً وجلدهما، وقد ورد ضمن اسباب الحكم الابتدائي ان المحكوم عليهما بالإعدام قصاصاً وتعزيراً يستحقا هذه العقوبة لما صاحب فعلهما من غدر وهو اعطاء المجني عليه حبوب منومة ثم قيام احدهما بطعنه بسكين في رقبته وقيام المتهم الآخر بخنق المجني عليه بالصماطة فقد صاحب ارتكاب المتهمين القتل جرائم اخرى شنيعة، فقام المتهمان باستئناف الحكم على اساس ان (عقوبة الإعدام قصاصاً عقوبة أصلية يحكم بها متى توفر دليل القصاص وطلب اولياء الدم ذلك اما عقوبة الإعدام تعزيراً فهي بديلة عن الإعدام قصاصاً يحكم بها متى تخلف احد شروط القصاص،فلاتجتمع العقوبتان, ولذلك فان الحكم الابتدائي قد اخطأ في تطبيق القانون، إلا أن الشعبة الجزائية أقرت الحكم الابتدائي، فقام المتهمان بالطعن بالنقض غير ان الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد تبين للدائرة ان الطاعنان ينعيان على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون لجمعه بين عقوبتي الإعدام قصاصاً وتعزيرا،ً مع ان الاعدام تعزيرا لا يكون إلا بديلاً عن الاعدام قصاصا، والدائرة تجد ان لا وجه لذلك النعي، لان حكم الإعدام قصاصاً وتعزيراً  متفق مع احكام القانون التي نصت على جواز الحكم بين الإعدام قصاصا وتعزيراً في حالة ارتكاب جرائم قتل تنطوي على بشاعة في التنفيذ أو غير ذلك من الظروف المنصوص عليهاً في المادة (234) عقوبات) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية : 

الوجه الأول : السند القانوني للحكم بجواز الجمع بين الإعدام قصاصاً والإعدام تعزيراً : 

استند الحكم محل تعليقنا في قضائه بجواز الجمع بين الإعدام قصاصاً والإعدام تعزيراً إلى المادة (234) عقوبات التي نصت على أنه (من قتل نفساً معصومة عمداً يعاقب بالإعدام قصاصاً إلا أن يعفو ولي الدم فان كان العفو مطلقاً أو بشرط الدية أو مات الجاني قبل الحكم حكم بالدية ولا إعتبار لرضا المجني عليه قبل وقوع الفعل ويشترط للحكم بالقصاص ان يطلبه ولي الدم وان يتوفر دليله الشرعي فإذا تخلف احد الشرطين أو كلاهما واقتنع القاضي من القرائن بثبوت الجريمة في حق المتهم أو اذا امتنع القصاص او سقط بغير العفو يعزر الجاني بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات ويجوز ان يصل التعزير إلى الحكم بالإعدام اذا كان الجاني معروفاً بالشر او ارتكب القتل بوسيلة وحشية أو على شخصين فأكثر أو من شخص سبق ان ارتكب قتلاً عمداً او توطئة لارتكاب جريمة اخرى او لإخفائها أو على امرأة حامل أو على موظف او مكلف بخدمة عامة اثناء او بسبب او بمناسبة تأدية وظيفته أو خدمته حتى لو سقط القصاص بالعفو) حيث استند الحكم محل تعليقنا إلى هذه المادة في جواز الجمع بين عقوبتي الإعدام قصاصاً والإعدام تعزيراً لان المتهمين قد قتلا المجني عليه لإخفاء جريمة اخرى وهي سرقة الثلاث الجنابي التي كانت معه وقيامهما بوضع حبوب منومة  للمجني عليه بين الشاي حتى يكون عاجزا عن مقاومتهما ،وكذا قيامهما بدفن جثة المجني عليه في الغرفة التي قتلاه فيها ولارتكابهما جرائم اخرى كشرب الخمر ولواطهما ببعضهما، وما يعنينا في هذه الأمر هو ما اثاره المتهمان الطاعنان بشأن ان عقوبة الإعدام تعزيراً في المادة (234) عقوبات السابق ذكرها لا يتم توقيعها  الا بدلاً عن الإعدام قصاصاً أي ان الإعدام قصاصاً لا يجتمع مع الإعدام تعزيراً، فمن خلال استقراء النص المشار اليه نجد ان القصاص اذا تخلف أي من شروطه ودلت القرائن على ثبوت جريمة القتل فان الجاني يعزر ويجوز ان يصل التعزير في هذه الحالة إلى الإعدام اذا كان الجاني قد ارتكب القتل بوسيلة وحشية أو تواطئة لارتكاب جريمة اخرى أو لاخفائها وغير ذلك من الظروف المشددة المشار اليها في المادة السابق ذكرها، وبناءً على ذلك فان النص المشار اليها يجيز اجتماع عقوبة الإعدام قصاصاً مع عقوبة الإعدام تعزيراً إذا ثبت القصاص بالقرائن وليس بالشهادة أو الاقرار وصاحب فعل القتل ظرف من الظروف المشددة المذكورة في النص القانوني فعندئذ يتم توقيع العقوبتين معاً, لان القصاص لم يسقط وان لم يثبت بالإقرار أو الشهادة فطالما ان القصاص لم يسقط لانه ثابت بالقرائن فتجتمع العقوبتان الإعدام قصاصاً مع الإعدام تعزيراً، اما اذا سقط القصاص بغير العفو فتكون عقوبة الإعدام واحدة وهي الإعدام تعزيراً لسقوط الإعدام بغير العفو، وخلاصة القول ان عقوبة الإعدام قصاصاً تنفرد عن عقوبة الإعدام تعزيراً اذا ثبت القصاص بالشهادة أو الإقرار وتجتمع العقوبتان معاً اذا ثبت القصاص بالقرائن وتوفر في فعل القتل ظرفً مشددً من الظروف المذكورة في المادة (234) عقوبات. 

الوجه الثاني : موقف القانون اليمني من إثبات القصاص بالقرائن : 

من خلال سياق المادة (234) عقوبات نجد انها تجيز إثبات القصاص بالقرائن اذا تخلف احد شرطي القصاص وهما:الشرط الأول: دليل القصاص الشرعي وهو دليل ثبوته وهما الشهادة أو الإقرار، والشرط الثاني المطالبة بالقصاص من قبل اولياء الدم ،فاذا تخلف احد الشرطين المشار اليهما او كليهما فانه يجوز للقاضي ان يحكم بالإعدام تعزيراً اذا توفر ظرف من الظروف المشددة المذكورة في المادة (234)، ولذلك فقد توهم المتهمان في طعنهما بعدم جواز الجمع بين الإعدام قصاصا وتعزيرا  مع أنه يجوز الجمع بينهما إذا كانت  هناك ادلة  كافية على القصاص وتوفرت قرائن تدل على ارتكاب المتهم لواقعة القتل العمد، فعندما  يتم الحكم بها في هذه الحالة يتم ذكرها في الحكم بمسمى (الإعدام قصاصاً وتعزيراً) فالإعدام تعزيراً في هذه الحالة لا يكون بديلاً عن الإعدام قصاصاً كما توهم الطاعنان في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، وفي شان إثبات القصاص بالقرائن نخلص إلى القول : ان المادة (234) السابق ذكرها قد اجازت إثبات القصاص بالقرائن والحكم بإعدام القاتل قصاصاً وتعزيراً اذا توفر أي من الظروف المشددة المشار اليها، اما قانون الإثبات فقد كان موقفه متناقضاً في إثبات القصاص بالقرائن حيث نصت المادة (155) إثبات على ان (القرائن وهي كما يلي : ب- قرينة قضائية وهي ما تستنبطه المحكمة من الأمور الواقعية أو المعاينة التي تدل على صور الحال في القضية كخروج شخص من دار في يده سكين تقطر دماً وسلاح ناري عليه اثار الاستعمال مع وجود قتيل في الدار وليس بها غيره) فالأمثلة في النص تدل على جواز إثبات القصاص بالقرائن لان اصل هذا النص ما ورد في  مجلة الأحكام العدلية العثمانية التي اجازت إثبات القصاص بالقرائن، علماً بان هذا النص قبل تعديله عام (1996م) كان ينص على ان هذه القرائن قاطعة لا يجوز نقضها ولكن  المقنن تراجع في تعديلات 1996م فلم يعتبر هذه  القرائن قاطعة ولكنها ما زالت قرائن قضائية إلا أن المشكلة ان ما ورد (155) إثبات السابق ذكرها يناقضه ما ورد في المادة (157) إثبات التي تمنع إثبات الجنايات والقصاص بالقرائن حيث نصت المادة على ان (للمحكمة ان تأخذ بالقرينة القاطعة القضائية التي يمكن استنباطها من وقائع الحال وان تعتبرها دليلاً كاملاً على الواقعة المراد إثباتها في الأحوال التي يجوز فيها ذلك وهي الأموال والحقوق) فمجال الإثبات بالقرائن هو الأموال والحقوق وقد سبق لنا التوصية بتعديل هذا النص حتى يمكن  استعمال القرائن في إثبات الجرائم بما فيها جريمة القتل الموجبة للقصاص وقد تناولنا ذلك في تعليقنا بعنوان (إثبات القصاص بالقرائن). 

الوجه الثالث : مدى جواز معاقبة المتهم بارتكاب جريمة واحدة وهي القتل بعقوبتين الإعدام قصاصاً والإعدام تعزيراً : 

كان دفاع الطاعنين يتجه إلى عدم جواز الجمع بين عقوبتين هما الإعدام قصاصاً والإعدام تعزيراً على فعل واحد وهو القتل العمد لان الإعدام تعزيراً لا يجتمع مع الإعدام قصاصاً لان الإعدام تعزيراً عقوبة بديلة للإعدام قصاصاً، ومن خلال دراسة نص المادة (234) عقوبات يظهر ان استنتاج الطاعنين لم يكن في محله لان العقوبتين الإعدام قصاصاً والإعدام تعزيراً محلهما واحد ويتم تنفيذهما معاً على المحكوم عليه، وموجبهما واحد وهو القتل العمد الذي احاطت به ظروف مشددة استوجبت إجتماع العقوبتين معا. 

الوجه الرابع : موقف الفقه الإسلامي من اجتماع الإعدام قصاصاً مع الإعدام تعزيراً : 

إثبات القصاص عند الفقهاء المتقدمين يتم حصراً في الشهادة والإقرار، فلا مجال لإثباته بالقرائن، لكنه في اواخر القرن التاسع عشر الميلادي في عصر الدولة العثمانية لاحظ الفقهاء كثرة حوادث القتل العمد التي يتعذر إثباتها بالإقرار اوالشهادة، ولذلك ذهبوا إلى جواز إثبات القصاص بالقرائن حفظاً للدماء وزجراً وردعاً لأرباب الشر والإجرام وتحقيقاً لمقصد الشريعة في حفظ الانفس بإعتبار النفس مقصداً من مقاصد الشريعة، وعلى ذلك فقد تضمنت مجلة الإحكام العدلية وقانون الجزاء العثماني نصوصا تجيز إثبات القصاص بالقرائن ،حيث شرع القضاة منذ ذلك التاريخ بالحكم بالقصاص بموجب القرائن  ومنذ ذلك التاريخ ظهر مصطلح (الاعدام قصاصا وتعزيرا)فكان يتم الحكم بمسمى الإعدام قصاصاً وتعزيراً لان حفظ النفس مقصد من مقاصد الشريعة فهي كلية من الكليات الخمس التي تهم المجتمع بأسره ، كما ان الاعتداء بقتل المسلم المعصوم فيه الاعتداء على حق خاص وهو حق اولياء الدم ولذلك اطلق القضاة الأوائل الذين طبقوا قانون الجزاء العثماني عبارة (الإعدام قصاصاً وتعزيرا)، والله اعلم. 



الاسعدي للطباعة ت: 772877717