حجية إقرار الوكيل بالنسبة للأصيل

 

حجية إقرار الوكيل بالنسبة للأصيل

أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

الحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بتاريخ 25/2/2007م في الطعن المدني رقم 26721 لسنة 1427ه وخلاصة هذا الحكم انه (بعد الاطلاع على ملف القضية بما في ذلك عريضة الطعن بالنقض والرد عليها فقد تبين للدائرة أن الشعبة المطعون في حكمها قد أسست حكمها في رفض دعوى البطلان على شهادة  الشهود الذين دلت شهاداتهم على وجود وكالة للوكيل صادرة من الموكل قام هو بنفسه بتسليمها إلى المحكم وقد كانت تلك الشهادات مجملة غير مفيدة للمقصود ,كما أن وجود  وكالة في حد ذاته لا يجيز للوكيل أن يقر بالحق المدعي به أو يتنازل عنه أو يتصالح بشأنه ما لم يكن بيد الوكيل توكيل خاص يجيز له ذلك ,ولذا كان ينبغي على محكمة الاستئناف تكليف المعني بإحضار الوكالة حتى تتبين المحكمة من نطاق الوكالة وحدود صلاحيات الوكيل وعما إذا كان وكيلاً بالفعل وعما إذا كان يحق له الإقرار بموجب الوكالة ، أما الاعتماد على الشهادة في مثل هذا فهو مجانبة للصواب ومخالفة للقانون حسبما نصت عليه المادة(120) مرافعات إضافة إلى أن ذلك يعد تساهلاً من الشعبة في حماية الحقوق من التلاعب بها  عن طريق التواطوء بين الأطراف لا سيما في العصر الحاضر الذي كثر فيه المكر وساءت النوايا كما أن المادة (912) مدني قد بينت أنواع الوكالة وحدود كل نوع منها، ولا يتسنى  البت في دعوى البطلان إلا إذا تم إبراز الوكالة بذاتها ووقفت المحكمة على نصها وحدود صلاحية الوكيل بموجبها وهل له أن يقوم بالتحكيم نيابة عن موكله أو أن يقر للخصم بدعواه أم لا؟ فالثابت أن الشعبة قد أغفلت ذلك  مع أهميته وتأثيره وعلاقته بأسباب دعوى البطلان ,فكل ذلك قد جعل الطعن بالنقض مؤثراً في الحكم ألاستئنافي المطعون فيه وبذلك فقد تحققت حالات الطعن بالنقض المنصوص عليها في المادة (292) مرافعات ,واستناداً إلى كل ما تقدم والى المواد 120و299و300مرافعات والمادة  912 مدني وبعد المداولة  فان الدائرة تحكم بالاتي:

1- قبول الطعن موضوعاً ونقض الحكم المطعون فيه للأسباب السابق ذكرها

2- إعادة القضية إلى الشعبة التي أصدرت الحكم المنقوض لنظر دعوى البطلان مجددا في ضوء الملاحظات السابق  ذكرها .

3- إعادة الكفالة للطاعن ,والله ولي الهداية والتوفيق)

وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية:

الوجه الأول : وسيلة اثبات الوكالة في التقاضي:

من خلال المطالعة يظهر أن الحكم محل تعليقنا قد نقض الحكم ألاستئنافي برمته بسبب عدم تثبت الشعبة الاستئنافية من اصل الوكالة الصادرة للوكيل وهذا عين الصواب ,إذ يتحتم على المحكمة أو هيئة التحكيم التحقق قبل شروعها في الإجراءات  من صفة الأشخاص الذين يمثلون امامها وما اذا كانوا أصولاً يمثلون انفسهم أو وكلاء عن الخصوم , عملاً بالمادة (74) مرافعات التي نصت على انه (لا ينتصب أحد خصماً عن غيره بصفته ممثلا عنه في الدعاوي التي تقام إلا  بوكالة أو ولاية  أو وصاية ) وفي السياق ذاته بينت المادة (117) مرافعات كيفية ووسيلة إثبات الوكالة حيث نصت على انه (تثبت الوكالة بصك رسمي معتمد أو بإقرار الموكل أمام المحكمة إذا كان حاضرا ويثبت ذلك في محضر الجلسة ) وعلى هذا فان الوكالة في التقاضي لا تثبت إلا بصك رسمي معتمد أي وثيقة توكيل موثقة لدى المحكمة أو حضور الشخص  الموكل نفسه في جلسة المحاكمة وإقراره أمام هيئة الحكم بأنه قد قام بتوكيل الوكيل عنه ويتم إثبات ذلك في محضر الجلسة ويجب أن تقوم الموكل بالتوقيع على ذلك المحضر , وهذه هي الوسيلة التي حددها قانون المرافعات فيما يتعلق بالتوكيل في الخصومة أو الإجراءات القضائية ، وطالما أن  القانون قد حدد وسيلة الإثبات هذه فلا يجوز العدول عنها إلى أية وسيلة من وسائل الإثبات الأخرى ولو كانت اقوى منها كالشهادة باعتبار ان قانون المرافعات هو القانون الخاص الذين ينظم اجراءات التقاضي وهذا القانون هو المقدم في التطبيق عن غيره من القوانين كقانون الإثبات والقانون المدني .

الوجه الثاني : مدى إمكانية اثبات التوكيل بالخصومة بشهادة الشهود:

عند مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه لم يقبل شهادة الشهود الذين شهدوا بأن الطاعن قد قام بتوكيل احد الأشخاص لتمثيله امام المحكم بل انه قام بنفسه بتسليم الوكالة إلى المحكم حسبما أفاد الشهود , ومع هذا فقد قام الحكم محل تعليقنا بنقض الحكم ألاستئنافي المطعون فيه لأنه اعتمد هذه الشهادة في اثبات الوكالة، ولا ريب أن الحكم محل تعليقنا  كان صائباً في ذلك عملاً بأحكام المادتين 74و 117 مرافعات السابق ذكرهما اللتين حصرتا وسيلة إثبات التوكيل في التقاضي وذلك في الصك الرسمي  ومحضر جلسة المحكمة ,مع أن  الشهادة من أهم وسائل الإثبات ولهذا القصر في إثبات الوكالة ما يبرره لان إجراءات التقاضي ينبغي أن تكون ثابتة بالكتابة ومن ذلك توكيلات أطراف الخصومة لغيرهم.

الوجه الثالث : نطاق التوكيل في التقاضي :

لا شك ان الوكيل يقوم مقام الأصيل أوالموكل ، فهو يمثله في الاعمال المنصوص عليها في الوكالة ومقتضيات هذه الاعمال , فاذا كان التوكيل صادر عن المدعي فانه يجب على الوكيل القيام بكافة الاعمال المنصوص عليها في الوكالة وكذا كافة  الاجراءات التي تقتضيها الوكالة للمطالبة القضائية بالحق  المدعي به والحفاظ عليه ولو لم يرد ذكرها في الوكالة ،لان الوكالة تقتضي ذلك , واذا كان التوكيل صادر عن المدعي عليه فانه يجب على الوكيل في هذه الحالة القيام بكافة الأعمال المذكورة في الوكالة بالإضافة إلى الاجراءات  التي تقتضيها أعمال الوكالة للدفاع عن حق موكله محل الدعوى واتخاذ كافة الاجراءات للدفاع عن هذا الحق سواء ورد ذكرها في الوكالة أو لم يرد ذكرها طالما وأعمال الوكالة تقتضي ذلك.

الوجه الرابع : التوكيل العام  والتوكيل الخاص:

التوكيل العام في إجراءات التقاضي هو التوكيل الذي يقتصر دور الوكيل فيه على مباشرة الإجراءات القانونية  والقضائية المبنية في قانون المرافعات والمحاماة,فموجب التوكيل العام يستطيع الوكيل القيام لصالح موكله بهذه الإجراءات دون حاجة إلى الرجوع إلى موكله, لان هذه الإجراءات أصلاً في  صالح موكله ,اما التوكيل الخاص: فهو يكون في حالات التنازل عن الحق المدعي به أو عن الدعوى أو الإقرار للخصم بالحق أو طلب اليمين الحاسمة أو ردها أو النكول عنها أو التصالح, فكل هذه الحالات تحتاج إلى توكيل خاص من الأصيل,لان هذه الحالات جميعها تتضمن الإضرار بالمركز الحقوقي والقانوني للأصيل  كما أنها تحتاج إلى تدبر وتبصر من الأصيل ,ولذلك وجدنا الحكم محل تعليقنا قد نقض الحكم الإستئنافي لأنه قد اعتمد على وكالة عامة مشكوك فيها وبموجبها قام الوكيل بالإقرار بالحق لصالح خصم موكله, والفرق بين التوكيل العام والتوكيل الحاضر ليس بهذه السهولة ,لأنه في الواقع العملي تظهر إشكالات عدة ، منها تضمين التوكيل العام انه من حق الوكيل التصالح والبيع وغيرهما مما يحتاج إلى توكيل خاص, ومن وجهة نظرنا فان هذا التوكيل يظل عاماً لا يعفي الوكيل العام من الحصول على توكيل خاص إذا أراد ان يصالح أو بييع نيابة عن الأصيل ,كما أن بعض التصرفات محل خلاف من حيث إحتياجها إلى توكيل عام أو خاص  مثل الموافقة على طلب الخصم بتعيين محاسب أو خبير أو المعاينة أو تطبيق مستندات , وبصرف النظر عن الخلاف بشان هذه المسائل وأشباهها فإننا نرى انه ينبغي على الوكيل في هذه الحالات أن يرجع إلى الأصيل للحصول على موافقته, لان تلك المسائل قد تتضمن الإضرار بمركز الأصيل, وبناء على ما تقدم فان إقرار الوكيل بالحق لخصم موكله لا يكون حجة على الأصيل إلا إذا كان الأصيل قد قام بتوكيل الوكيل توكيلا خاصاُ, وكذلك يكون إقرار الوكيل حجة على الأصيل بموجب التوكيل  العام إذا كان هذا الإقرار ليس متعلقاً بصفه مباشرة بأصل الحق المدعي به وإنما اقتضت هذا الإقرار إجراءات التقاضي وواجبات الوكيل المنصوص عليها في قانون المرافعات والمحاماة وغيرهما أو إذا اقتضت ذلك طبيعة أعمال الوكالة المنصوص عليها في وثيقة الوكالة, والله اعلم