الشفعة في مال الوقف

 

 الشفعة في مال الوقف

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

للشفعة في الشريعة والقانون علل وغايات، كما ان لاموال الوقف حرمة وقدسية وخصوصية تميزها عن غيرها من الاموال ولذلك فأن الشفعة في اموال الوقف تثيرا جدلا واسعا في اليمن منذ عهد الامام احمد حميد الدين رحمه الله حتى اليوم، ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9/2/2013م في الطعن رقم (47363) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن ناظر الوقف الخيري الخاص قام ببيع موضع من موقوف على أحد المساجد وقد كان الواقف هو جد الناظر ، وقد طلب حق الشفعة المستاجرين للأرض المبيعة منذ عصر اسلافهم ، فحكمت المحكمة الابتدائية (ببقاء الأرض المشتراة وقف للجامع على أن تكون النظارة والإجارة للمدعين بالشفعة والزام المدعين بدفع قيمة الأرض الموقوفة للمدعى عليهم بالثمن المذكور في البصيرة مع اجرة الكتابة ونحو ذلك ويتحمل كل طرف مصاريفه وغرامته) فلم يقبل المشتريان للأرض بالحكم الابتدائي فقاما باستئنافه وذكرا في استئنافهما أن الحكم باطل لأنه قد اسند النظارة والإجارة للمحكوم لهما الذين يريدا تحرير الوقف وابطاله ورد عليهما المحكوم لهما بالمطالبة بتحرير الوقف على أساس أن قيمة الأرض المطلوب منهما دفعها تساوي قيمة الحر، إلا أن الشعبة الشخصية قضت بتأييد الحكم الاستئنافي لان المستأنفين لم يأتيا بأي جديد يؤثر على سلامة الحكم، فلم يقبل المستأنفان بالحكم الاستئنافي فقاما بالطعن فيه بالنقض الا ان الدائرة الشخصية أقرت الحكم الاستئنافي وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضع فقد ناقشت الدائرة أسباب الطعن ورد المطعون ضدهما عليه والحكم الاستئنافي المطعون فيه المؤيد للحكم الابتدائي فوجدت الدائرة أن الحكم الاستئنافي موافق في نتيجته لأحكام الشرع والقانون حسبما ورد في أسبابه بشأن النظارة لان المادة (1303) مدني نصت على أن للشفيع نقض كل تصرف للمشتري في العين المشفوعة ولو كان وقفاً أو جعله مسجداً، وقد استند الحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي إلى هذا النص، وذلك استناد صحيح لا سبيل إلى نقضه أو قبول الطعن فيه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : تكييف تصرف الناظر الخاص في مال الوقف :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد أن الموضع الموقوف على الجامع كان مؤجراً من قبل ناظر الوقف الخاص إلى جد المدعين  حيث انتقل اليهم الموضع من جدهم وابيهم، فكان لهم جميعاً حق الشقية العرفية في الموضع المشار اليه، وبناءً على ذلك فقد قام المتولي للوقف الخيري الخاص او الناظر ببيع الارض الموقوفة التي تحت يد المدعين لغيرهما، فطلب المستأجران الشفعة، وبناءً على ذلك فأن التصرف الذي قام به متولي الوقف في هذه الحالة هو بيع أو تحرير للوقف وهذا التصرف غير جائز شرعاً لان المالك للارض الموقوفة التي وقع عليها البيع  هو الله تبارك وتعالى لذلك فأن البيع في هذه الحالة باطل لان البائع قد باع ما لا يملك ،ولذلك لاحظنا أن الحكم الابتدائي قد قضى بثبوت ملكية الوقف للموضع وبقاء الوقف للمسجد على ماهو عليه شريطة أن يتولى الوقف الشافع المستأجر للموضع حيث يجمع بين صفتي الاجير والمتولي للوقف، ومع ذلك فلم يقض الحكم ببطلان التصرف حيث قبل دعوى الشفعة في مواجهة المشتري من ناظر الوقف، وعلى هذا الأساس فان الحكم قد كيف التصرف على أنه تنازل عن الولاية من قبل المتولي على الوقف الخيري الخاص وهو حفيد الواقف إلى شخص غير المستأجر للوقف، علماً بأن قانون الوقف يجيز التنازل عن الولاية على الوقف اذا كان التنازل بدون مقابل اما اذا كان بمقابل فيكون التنازل باطل حسبما صرحت المادة (50) من قانون الوقف التي نصت على أن (التنازل على الولاية اذا كان بعوض باطل وتبطل ولاية التنازل ويعود الوقف لذي الولاية العامة) فمقتضى هذا النص ان تنازل المتولي للوقف في القضية محل تعليقنا يكون باطلاً لأن تنازله  كان بمقابل كما أنه كان من الواجب نقل الولاية على الوقف في هذه الحالة إلى ذي الولاية العامة وهي وزارة الاوقاف عملاً بالنص القانوني السابق، إضافة إلى أن تصرف المتولي للوقف على المسجد في هذه الحالة يعد جريمة وفقاً لقانون الأوقاف باعتبار البيع للمال الموقوف خيانة للوقف والواقف تستوجب مسائلة البائع للوقف  جزائياً وادارياً ومدنياً وفقاً للقواعد العامة.

الوجه الثاني : جواز الشفعة في مال الوقف والسند القانوني لذلك :

قضى الحكم محل تعليقنا بجواز الشفعة في مال الوقف أي في حالة التصرف في حق الشقية أو اليد العرفية على الوقف، لان البيع والشراء والشفعة لا تنصرف حقيقة على ملكية الرقبة بالنسبة لمال الوقف وإنما البيع والتصرف والشفعة مقتصر على حق الشقية واليد، علاوة على أن العلل التي تبرر الشفعة وهي دفع مضار الخلطة تكون متوفرة في حالة بيع حق الشقية أو اليد العرفية في مال الوقف وقد استند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادة (1303) مدني التي نصت على أن (للشفيع نقض القسمة التي اجراها المشتري لنصيب مشاع في عقار كما له نقض كل تصرف للمشتري في العين المشفوعة ولو كان وقفاً أو جعله مسجداً ويكون النقض في الحالتين بحكم قضائي)، والله اعلم.