الحكم بموجب اليمين المردودة

 

الحكم بموجب اليمين المردودة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

اليمين وسيلة إثبات ناجعة يلجا إليها الخصوم  لقطع النزاعات وحسمها وللحيلولة دون إطالة إجراءات التقاضي، ومن مظاهر الحسم في هذه اليمين انها كافية لقيام الحكم عليها وان  الحكم الذي يبنى على  اليمين الحاسمة أو المردودة لايلزم ان يناقش المسائل الاخرى، ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31/12/2014م في الطعن رقم (55721) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان صاحب عمارة اختلف مع المقاول بشأن قيمة الاعمال الاضافية  المنفذة حيث أدعى المقاول ان صاحب العمارة قد طلب منه ادخال تعديلات على العمل ولم يحاسبه على قيمة تلك التعديلات أو الأعمال الاضافية فأختلف الطرفان على وجود التعديلات من عدمها،وامام المحكم المختار من الطرفين  طلب المقاول اليمين الحاسمة من صاحب العمارة على عدم وجود تلك التعديلات فرد صاحب العمارة اليمين على المقاول الذي حلف على وجود تلك التعديلات، وبموجب ذلك حكم المحكم بالزام صاحب العمارة بدفع قيمة الاعمال الإضافية التي كانت عبارة عن قيمة التعديلات، فقام صاحب العمارة بتقديم دعوى بطلان حكم التحكيم مدعياً بان حكم التحكيم اختصر غالبيةالبيانات الواجب توفرها في الحكم،  فرفضت الشعبة التجارية دعوى البطلان، فقام صاحب العمارة بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي فرفضت الدائرة التجارية الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فان البين من أوراق القضية ان حكم التحكيم قد بني على اليمين المردودة من المدعى عليه الطاعن وقد اداها المقاول بحسب ما هو مبين في حكم التحكيم ،ولذلك فان تلك اليمين قد حسمت النزاع ومن ثم لم يكن الحكم بحاجة إلى ايراد بيان تفصيلي بوقائع الدعوى والرد عليها وأوجه دفاع الخصوم ودفوعهم وبيان وجه الرأي فيها سيما أن الحكم لم يبن عليها بل على اليمين المردودة من قبل المطعون ضده، فحسب المحكم ان يذكر في حكمه موضوع النزاع محل الدعوى والواقعة المراد الحلف عليها والإجراءات القانونية التي اتخذها لأخذ اليمين ونتيجتها ،ففي ذلك ما يكفي لحمل حكم التحكيم، فقد تبين من الاطلاع على حكم التحكيم تضمين ذلك في الحكم ولذا فان فيما أورده الحكم الاستئنافي في حيثياته من ان (الحكم قد استوفى كافة الإجراءات لإصدار حكمه وان المحكم لم يكن بحاجة إلى ايراد أسباب أخرى طالما وانه قد بنى حكمه على أدلة شرعية) ولذلك فان الحكم الاستئنافي قد تضمن تسبيباً كافياً لرفضه دعوى البطلان الأمر الذي تكون معه مناعي الطاعن على حكم التحكيم في غير محلها بعد ان احتكم الطاعن إلى ضمير وذمة المطعون ضده المقاول بشأن الاعمال الإضافية والتعديلات وذلك حينما رد الطاعن اليمين على المقاول الذي قام بحلفها) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية اليمين المردودة :

اليمين المردودة هي ان يطلب المدعي اليمين الحاسمة من المدعى عليه فيردها المدعى عليه  على المدعي، أي ان يطلب  المدعي  من المدعى عليه ان يحلف اليمين الحاسمة فيرفض ذلك وفي الوقت ذاته يردها على المدعي فيقول : احلف انت : فعندئذ يقوم المدعى عليه بحلف اليمين المردودة عليه، وفي هذا المعنى نصت المادة (139) إثبات على أنه (للمدعي ان يوجه اليمين الحاسمة إلى المدعى عليه وللمدعى عليه ان يردها على المدعي ولا يجوز لمن وجه اليمين أو ردها ان يرجع في ذلك متى قبل خصمه الحلف).

الوجه الثاني : حجية اليمين المردودة :

اذا تم رد اليمين الحاسمة على المدعي فانه يترتب على اداء المدعى عليه اليمين الحكم بصحة الواقعة التي حلف عليها، ويترتب على ذلك الحكم له، ولا يجوز للمدعى عليه ان يرجع عن رده اليمين إلى المدعي لانها واجبة وملزمة للمدعي بعد رده لها حسبما ورد في المادة (139) ويترتب على اليمين المردودة ثبوت الحق الذي يدعيه المدعي فيتم الحكم للمدعي بطلباته حسبما ورد في المادة (142) إثبات كما نصت المادة (143) إثبات على أن (كل من وجهت اليه اليمين فنكل عنها دون أن يردها على خصمه وكل من ردت عليه اليمين فنكل عنها خسر الدعوى فان المدعى عليه حكم للمدعي بطلباته وان كان المدعي حكم برفض دعواه) ويكون النكول صريحاً مثل أن يقول : لا أحلف ويكون ضمنياً مثل ان يمتنع عن اداء اليمين بعد توجيهها اليه حسبما ورد في المادة (144) إثبات.

الوجه الثالث : كفاية اليمين المردودة لإقامة الحكم، والاكتفاء بمناقشتها في أسباب الحكم :

يصرح القانون بان اليمين المردودة اذا تحققت شروطها على النحو السابق بيانه تكون  حجة كافية للحكم بموجبها فطالما  أن رد اليمين واداءها قد تم صحيحاً فان اليمين المردودة تكون دليلاً كافياً ً لإقامة الحكم ،وان الحكم في هذه الحالة يكون صحيحاً وانه يكفي ان يناقش الحكم  في اسبابه الواقعة التي تم الحلف على صحتها وتاريخ رد اليمين وقبول ذلك من قبل الشخص الذي ردت اليمين عليه وصيغة اليمين المردودة وتاريخ ومكان حلف اليمين من الشخص الذي ردت عليه اليمين، أي ان المناقشة في أسباب الحكم تكون منحصرة بشأن اليمين المردودة بإعتبارها الدليل والسند الكافي لإقامته عليها حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا، وترجع كفاية اليمين المردودة إلى ان الخصم الذي قام برد اليمين قد أراد  حسم النزاع معتمداً ومعوّلا على ذمة الخصم الذي رد اليه اليمين وان المردود عليه اليمين  لن يحلف إلا اذا كانت الواقعة التي يدعيها صحيحة، كما ان اليمين الحاسمة أو المردودة تتعلق بالجانب الديني الاعتقادي في الديانات كلها حيث يتورع غالبية الناس ان لم نقل كلهم عن اليمين الكاذبة، ولذلك كانت اليمين المردودة كافية بحد ذاتها لإقامة الحكم عليها بل ان القضاء في اليمن قد استقر على عدم جواز الطعن في  الحكم الذي بني على اليمين الحاسمة أو المردودة، والله اعلم.