الملكية العامة للكهوف والجروف

 

الملكية العامة للكهوف والجروف

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

لم يصرح قانون أراضي وعقارات الدولة بأن الكهوف والجروف من الأملاك العامة ولذلك تحدث النزاعات بشأن ملكية الكهوف والجروف، وقد تناول هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا وذلك في جلستها المنعقدة بتاريخ 19/1/2013م  في الطعن رقم (47223) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان احد سكان القرى قام برفع دعوى أمام المحكمة الابتدائية مدعياً أن شخصاً اخر قد قام بالاعتداء على جرف (كهف) يأوي اليه الناس والحيوانات عند هطول الامطار وان الكهف كانت توجد بداخله غرفة للناس والبقية للحيوانات وكان هناك جدار داخل الكهف يفصل بينهما وقد قام المدعى عليه بهدم ذلك الجدار الفاصل ،كما قام المدعى عليه بالاعتداء على مفاسح الكهف بأن قام باحيائها والزرع والغرس فيها، فرد المدعى عليه بأن الكهف ومفاسحه من املاكهما الخاصة، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم (بالزام المدعى عليه بإعادة بناء الجدار الفاصل داخل الكهف وعدم ثبوت ملكية المدعى عليه للكهف ومفاسحه والعوارض الصالبة المجاورة للكهف لان الكهف ومفاسحه وعوارضه من ضمن محارم الجرف المذكور ،وتضمن الحكم الزام المدعى عليه بعدم الاحياء في المفاسح والعوارض الصالبة القريبة من الجرف والزام المدعى عليه بدفع مبلغ خمسين الف ريال مصاريف تقاضي للمدعي) فلم يقبل المدعى عليه المعتدي على الكهف وما جاوره فقام باستئناف الحكم إلا أن الشعبة الاستئنافية قضت بتأييد الحكم الابتدائي بناءً على شهادات الشهود من أهل القرية بأن الكهف وما جاوره يستعمل منذ مدة طويلة للنفع العام وهو ايواء الناس والحيوانات اثناء هطول الامطار وجريان السيول، فلم يقبل المستأنف بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض، إلا ان الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا ( فقد وجدت الدائرة أن نعي الطاعن على الحكم المطعون فيه بأنه لم يتضمن أسباباً كافية ،فوجدت الدائرة ان هذا النعي غير سديد لان الشعبة المدنية جعلت من أسباب الحكم الابتدائي اسباباً لحكمها ،فكل ما اثاره الطاعن تمت مناقشته أمام محكمة أول درجة فلا سلطان على محكمة الموضوع في تقدير الأدلة ولا رقابة لمحكمة النقض في تقدير الأدلة التي استندت اليها محكمة الموضوع ولا تأثير لما ذكره الطاعن بشأن الكهف ومفاسحه والعوارض الصالبة القريبة منه باعتبارها محارم ومراع ومحتطبات ومرافق للقرى المجاورة ،فما للمحكوم عليه سوى الانتفاع بالجرف كماوى للاغنام وغيرها مثله مثل بقية سكان القرى) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية الكهوف ووضعيتها الطبيعية والاستعمالات المعتادة لها :

الكهوف هي عبارة عن تجاويف صخرية مفتوحة في الجبال والهضاب والمنحدرات وتقع هذه الكهوف غالباً خارج القرى في مناطق غير مسكونة، ،وتتكون الكهوف بغير فعل الانسان غالباً إلا أن هناك كهوف قام البشر بحفرها في العصور الحديثة والقديمة، والغالب في الكهوف انها لا تكون مملوكة ملكية خاصة بالافراد غير أنه قد توجد كهوف مملوكة ملكية خاصة للافراد اذا ما قام الاشخاص بحفرها في املاكهم الخاصة واستعملوها استعمالاً خاصاً بهم، والكهوف أو الجروف العامة يتم استعمالها او الانتفاع بها من قبل كافة الناس كعابري السبيل ولو كانوا من غير القرى المجاورة كما قد ينتفع بها بصفة دائمة ومنتظمة أهل القرى المجاورة، وفي الحالتين تكون الكهوف مملوكة ملكية عامة، وتقع الكهوف كما ذكرنا خارج القرى فيما بين القرى في المناطق الخالية كالمراعي او المحاطب في الجبال والهضاب والمنحدرات، ولذلك فهي تستعمل كاستراحة للمسافرين وحيواناتهم كما انها تستعمل لايواء الناس في الحروب والكوارث وفي اثناء الامطار وكذا ايواء الحيوانات، ومن خلال مطالعتنا للحكم محل تعليقنا نجد ان الكهف محل النزاع كان يستعمل لايواء الناس والحيوانات وكان هناك جدار داخل الكهف يفصل بين المكان المخصص لايواء الناس والمكان المخصص لايواء الحيوانات، ولان الكهوف العامة تقع في الجبال والهضاب والمنحدرات فان هناك حمى ومفاسح لها من المجاورة لها حتى تؤدي منفعتها المرجوة، كما تكون العوارض أو المنحدرات المجاورة للكهوف أملاك عامة لانها عبارة عن اراضي صالبة تستعمل كمراعي ومحاطب حسبما اشار الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثاني : الوضعية القانونية للكهوف وملكيتها :

من خلال ما تقدم في الوجه الأول نجد أن الكهوف في الغالب الاعم تقع خارج القرى في الجبال والاكام والهضاب والمنحدرات، وقانون أراضي وعقارات الدولة يقرر في المادة (2) أن الجبال والاكام والمنحدرات من المراهق العامة التي تعد بدورها من الأراضي المملوكة للدولة وفقاً للمادة (6) من قانون الأراضي، وبناءً على ذلك فأن ملكية الكهوف والجروف تكون ملكية عامة.

الوجه الثالث : حق المواطنين في الانتفاع بالكهوف والجروف :

الجروف والكهوف وان كانت مملوكة ملكية عامة الا انه يحق للمواطنين عامة الانتفاع بها باعتبارها من المراهق العامة عملاً بالمادة (44) من قانون أراضي الدولة التي نصت على أن (يظل الحق في الانتفاع بالمراهق العامة أو القدر المستحق منه للدولة مقرراً للكافة سواء بالرعي أو بالاحتطاب أو غيره ولا يجوز للدولة الاخلال بهذه الحقوق الا لاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة) ولذلك فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد قضى بحق المواطنين في الانتفاع بالكهوف والعوارض الصالبة المجاورة له ومفاسحه وان المدعى عليه ليس له حق الاختصاص على الانتفاع أو احتكار الانتفاع بها ومنع الناس من الانتفاع بها وقضى الحكم بأنه ليس للمدعى عليه إلا الانتفاع بالكهف وما جاوره مثله في ذلك مثل بقية المواطنين، والله اعلم.