إخطار الموظف باعتباره مستقيلاً
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
يقرر
القانون أن الموظف يعد مستقلاً حكماً بقوة القانون اذا انقطع عن عمله لمدة عشرين
يوماً متصلة أو ثلاثين يوماً غير متصلة في السنة، وتطبيق هذا النص يثير إشكاليات
كثيرة من اهمها مدى وجوب اصدار القرار باعتبار الموظف مستقيلاً ومدى وجوب اعلام
الموظف المنقطع باعتباره مستقلاً فضلاً عن المدة المقررة للطعن في القرار الاداري
باعتبار الموظف مستقيلا، ولأهمية هذه المسائل فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر
عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9/3/2013م في الطعن
المدني رقم (46987) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان رجلاً تقدم
أمام المحكمة الابتدائية بدعوى مفادها أنه عمل حارساً لدى الشركة العامة لمدة تزيد
على 24 سنة وأنه قد تفاجاء بأن الشركة قد قامت بفصله دون أن تعلمه بقرار الفصل
وتاريخه، فدفع محامي الشركة العامة بعدم قبول الدعوى لان القرار المدعى بإلغاء قد
تحصن بمضي الزمن حيث مضت مدة ما يقارب سنتين على اعتبار الحارس مستقيلاً لانقطاعه عن العمل لمدة تزيد على
عشرين يوماً متصلة ،وان المدعي لم يتقدم بدعواه الا بعد مضي سنتين على قرار
اعتباره مستقيلاً علماً بان الطعن في
القرار الاداري يسقط بمرور ثلاثين يوماً أمام الجهة المصدرة له وستين يوماً أمام
القضاء، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم برفض الدفوع وقبول الدعوى والغاء
القرار الاداري، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي (فقد تبين للمحكمة ان ادارة
الشركة العامة قد وقعت في خطأ عندما اتخذت القرار والأمر الاداري بإنهاء خدمات
المدعي بدون أن تعلمه بذلك كتابياً حتى
يكون حجة لها عليه إضافة إلى أن المادة (222) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة
المدنية اشترطت اخطار الموظف بقرار فصله ولذلك فأنه من الواجب اخطار الموظف
المنقطع باعتباره مستقلاً) فلم تقبل الشركة بالحكم الابتدائي فقامت باستئناف
الحكم، وذكرت في استئنافها :أن الموظف قد علم يقيناً باعتباره مستقلاً حينما انقطع
راتبه إلا أن الشعبة المدنية قضت بتأييد الحكم الابتدائي، فلم تقنع الشركة العامة
بالحكم الاستئنافي فقامت بالطعن فيه بالنقض، حيث قبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت
الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (لما كانت الطاعنة تنعي
على الحكم المطعون فيه أنه خالف
أحكام الاستقالة الحكمية المنصوص عليها في المادة (123) من قانون الخدمة المدنية
والمادة (236) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية عندما قضى الحكم
الاستئنافي بتأييد الحكم الابتدائي المخالف للمواد المشار اليها الذي قضى بقبول
دعوى المطعون ضده، وبرجوع الدائرة إلى الأوراق فأن الدائرة تجد أن القرار محل
الدعوى باعتبار المدعي مستقيلا لتغيبه عن العمل بدون عذر شرعي لمدة تزيد على عشرين
يوما فذلك القرارً يستند إلى المادة (236) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة
المدنية التي نصت على انه (يعتبر الموظف
مستقيلاً حكماً اذا انقطع عن العمل لمدة تزيد على عشرين يوماً متصلة بدون
اجازة او اذن من الرئيس المختص او بدون عذر مقبول .. فاذا لم يقدم اسباباً تبرر
غيابه خلال الشهر التالي لانقضاء العشرين يوماً او قدم مبررات لم تأخذ بها الوحدة
الادارية اعتبرت خدمته منتهية من تاريخ تغيبه او انقطاعه عن العمل وعلى السلطة
المختصة بالتعيين اصدار قرار بإنهاء خدمته باعتباره مستقيلاً حكماً ...الخ) وحيث
ان المدعي قد علم بالقرار المذكور في نفس اليوم الذي صدر فيه بدليل قوله في عريضته
دعواه أنه فوجئ بتوقيفه عن العمل في ذلك التاريخ وتحقق علمه بقرار اعتباره مستقيلا
بقطع راتبه ومع ذلك لم يعترض الموظف على القرار لدى ادارة الشركة ولم يقدم لها
خلال الشهر التالي لتاريخ القرار اسباباً تبرر غيابه بل لم يلجاء خلال ذلك الشهر
الى القضاء للمطالبة بالغاء القرار، لذلك فانه بذلك التصرف قد دلل على قبوله
الضمني بالقرار او بواقعة الاستقالة الحكمية عن العمل الامر الذي يجعل دعواه بعد
هذه المدة غير مقبولة مما يتعين معه نقض الحكم) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب
ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : ماهية الاستقالة الحكمية للموظف وإجراءاتها :
الاستقالة الحكمية
تقع بحكم القانون دون حاجة إلى أي اجراء، لان القانون يفترض ان انقطاع الموظف عن
عمله لمدة معينة دليل على تركه لعمله
واستقالته منه، وذلك حتى لا تكون الوظيفة العامة رهينة لمشيئة الموظف المنقطع حتى
يعود إلى عمله وقت ما يشاء، فمقتضيات سير عمل المرفق الحكومي بانتظام وتحقيق
اهدافه واغراضه تقتضي تواجد الموظف في عمله وعدم تعطيل عمل المرفق او الجهة، ولذلك
تقوم القوانين بتقدير مدة معينة لإنقطاع الموظف عن عمله حتى يتم بعدها اعتباره
مستقيلاً ،ولذلك فقد حدد قانون الخدمة المدنية هذه المدة بعشرين يوماً متصلة أو
ثلاثين يوماً متقطعة خلال السنة، ولان الاستقالة في هذه الحالة تقع بحكم القانون
فانها لا تحتاج إلى صدور قرار من الجهة التي يتبعها الموظف المنقطع إلا أنه من
اللازم إثبات واقعة انقطاع الموظف عن العمل بإعتبارها السبب الموجب لاعتبار الموظف
مستقيلاً فذلك يستلزم ان تقوم الادارة المختصة بالرقابة على حضور الموظفين
وانصرافهم بإثبات انقطاع الموظف عن العمل وعدد ايام الانقطاع وتواريخ أيام
الانقطاع وما اذا كانت أيام الانقطاع متصلة أو متفرقة ويكون ذلك بتقرير كتابي ترفعه الادارة المختصة إلى السلطة الادارية
بالوحدة وترفق بالتقرير الادلة الثبوتية على انقطاع الموظف ويتضمن التقرير ان الموظف يعد مستقيلاً بحكم
القانون فتقوم السلطة الادارية بالتوجيه بتطبيق حكم القانون على الموظف واعتباره
مستقيلاً وترتيب الاثار القانونية على ذلك
الاساس حيث يتم وقف راتب الموظف
المنقطع وتترتب كافة الاثار القانونية على الاستقالة الحكمية بدءً من تاريخ
انقطاعه عن العمل وليس من تاريخ رفع الادارة المختصة إلى السلطة الادارية أو من
تاريخ توجيه السلطة الادارية، لان الاستقالة الحكمية تقع بقوة القانون من تاريخ
الغياب او الانقطاع، علماً بأن لائحة قانون الخدمة المدنية اشترطت صدور قرار من
الادارة باعتبار الموظف مستقيلاً ،وهذا الشرط يعطل ذاتية الاستقالة الحكمية والغرض
منها، كما أن اشتراط صدور هذا القرار يثير إشكاليات عند احتساب تاريخ تحقق
الاستقالة الحكمية – هل تكون من تاريخ الانقطاع أم من تاريخ صدور القرار باعتبار
الموظف مستقيلاً.
الوجه الثاني : اخطار الموظف المنقطع أو اعلامه باعتباره مستقيلاً :
تناول الحكم محل
تعليقنا هذه المسألة باسهاب، وخلاصة ذلك أن قانون الخدمة المدنية ولائحته
التنفيذية اشترط اخطار الموظف المنقطع أو اعلامه بتطبيق حكم القانون فيما يتعلق
باعتباره مستقيلاً إلا أن القانون واللائحة لم يشترطا صيغة أو وسيلة معينة لإعلام
الموظف المنقطع باعتباره مستقيلاً، فأقصى ما اراد القانون هو أن يبلغ الموظف
المنقطع علم اعتبار الجهة له مستقيلا استقالة حكمية، سواء تم اعلانه عن طريق كتاب
بعلم الوصول او اعلانه عن طريق الايميل أو الهاتف أو عن طريق النشر في الجريدة أو
عن طريق قسم الشرطة أو عاقل الحارة، بل ان الحكم محل تعليقنا قد افترض علم الموظف
بمجرد قطع راتبه أو كتابته في الدعوى بأنه قد تم قطع راتبه بتاريخ كذا، واخطار
الموظف او اعلامه باعتباره مستقيلاً من وظيفته بحكم القانون كاشف للاستقالة التي
سبق ان وقعت بحكم القانون وليس الاخطار منشأ للاستقالة الحكمية، ومع هذا وذاك فان
لتاريخ اخطار الموظف باعتباره مستقيلاً أهمية بالغة في تحديد ميعاد التظلم او
الاعتراض او رفع دعوى الغاء القرار الاداري باعتبار الموظف مستقيلاً وهو ما سنذكره
في الوجه التالي .
الوجه الثالث : ميعاد الاعتراض او التظلم أو ميعاد دعوى الغاء قرار اعتبار الموظف مستقيلاً :
من خلال المطالعة
للحكم محل تعليقنا نجد أن الجهة الادارية التي كان يتبعها الموظف المستقيل حكماً
كانت قد دفعت امام المحكمة بعدم قبول دعواه ضدها لانه رفع الدعوى بعد مضي أكثر من
سنتين لان المدة المقررة للتظلم من القرار الاداري أو الاعتراض عليه أمام السلطة
الادارية التي اصدرت القرار هو ثلاثين يوما
أو ستين يوماً اذا اراد الموظف المستقيل حكماً ان يرفع دعوى الغاء القرار
باعتباره مستقيلاً أمام المحكمة المختصة، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بموجب هذا
الدفع حسبما ورد في أسباب حكم المحكمة العليا، ومن المقرر فقهاً وقضاءً أن ميعاد
الستين يوماً المحددة لقبول دعوى الغاء القرار الاداري لا يتم احتسابه إلا من
تاريخ رفض الجهة الادارية لاعتراض الموظف او تظلمه من القرار باعتباره مستقيلاً،
لان التظلم والاعتراض الاداري يقطعا ميعاد دعوى الغاء القرار الاداري باعتبار
الموظف مستقيلاً، والله اعلم.
الأسعدي للطباعة ت : 772877717