دعوى منع التعرض المادي في القضاء اليمني
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
منازعات
الحيازة في اليمن واهمها دعاوى منه التعرض المادي تكاد أن تكون أكثر المنازعات
المنظورة أمام القضاء لاسباب عدة ليست مجال تعليقنا، من هذه الاسباب عدم وجود سجل
عيني للعقارات وحداثة الشهر العقاري في اليمن وعدم فهم طبيعة دعوى منع التعرض
العقاري وحجية الأحكام الصادرة فيها، ومن هذا المنطلق فقد اخترنا التعليق على
الحكم الصادر من الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 1/1/2013م في الطعن رقم (47553) وتتلخص
وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن شخصين كانا يتنازعا على أرض فقام احدهما
بهبة بجزء من تلك الأرض إلى شخص اخر فقام
الموهوب له بوضع يده على ذلك الجزء
من الأرض وحاول تسوير الأرض فقام الشخص الذي كان ينازع الواهب قام بمنع الموهوب له
من تسوير الأرض، فقام الموهوب له برفع دعوى منع تعرض مادي ضد الشخص الذي منعه من
تسوير الأرض، فقضت المحكمة الابتدائية بالزام المدعى عليه بمنع التعرض المادي
للمدعي في الأرض التي يحوزها بموجب وثيقة الهبة ومن له دعوى موضوعية فله رفعها
أمام القاضي المختص وفقاً للقانون، فلم يقبل المدعى عليه بالحكم الابتدائي فقام
باستئنافه إلا أن الشعبة المدنية قضت بتأييد الحكم الابتدائي فما كان من المستأنف
إلا أن قام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي فقررت الدائرة المدنية رفض الطعن
وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث أن القضاء
المستعجل نظام وطريق خاص لنظر الدعاوى المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت،
إذ يعتبر عنصر الاستعجال والزمن فيها شرط جوهري بالغ الأهمية لدرء خطر أو ضرر محدق
لا تسعف فيه طرق التقاضي العادية، ولذلك فالقضاء المستعجل يختلف إلى حد كبير عن
نظام وطريق الدعاوى الموضوعية العادية التي تخوض فيها محكمة الموضوع وتبحث في كافة
جوانب وتفاصيل النزاع الموضوعي وتدرس وتمحص أدلته وبراهينه ،وفي ضوء ذلك تحكم في
النزاع الموضوعي بحكم فاصل قاطع في موضع النزاع، اما في الدعاوى المستعجلة فيكفي
قاضي الامور المستعجلة وللوهلة الأولى تلمس أوجه النزاع وبحثه بحثاً سطحياً دون
التعمق فيه حيث يتناول قاضي الأمور المستعجلة ظاهر المستندات والأدلة والبراهين
دون مساس أو تعرض للفصل في الحق الموضوعي الذي مجاله وميدانه الدعاوي الموضوعية
وليس في الدعاوي المستعجلة، وحيث أن التعرض المادي هو كل عمل عادي أو أي اجراء من
شأنه عرقلة ومشاكسة مدعي الحيازة بادعاء حق يتعارض مع حيازة واضع اليد وانكار هذه
الحيازة ومنازعة الحائز فيها بصرف النظر عن ثبوت الحق في الملك ولمن يكون هذا
الحق، وحيث أن دعاوى الحيازة ومنها دعوى منه التعرض إنما هي من قبيل الدعاوى المستعجلة التي يجب أن
يقتصر بحثها ونظرها على مجرد إثبات حيازة المدعي فيها دون التعرض لإثبات تملك الحق
الموضوعي في العين أو العقار محل الحيازة
وبصرف النظر عن ثبوت الحق في الملكية أو الملك كما أن الوضع الظاهر للحيازة والحكم
فيها سلباً أم ايجاباً لا يؤثر البتة في الحق الموضوعي بذاته إذ يجوز لمن يدعيه
لنفسه أو من يمثله أو خسر دعوى الحيازة أن يرفع دعواه الموضوعية بالطرق العادية
على وجه الاستقلال عن الدعوى المستعجلة للمطالبة بحقه في الملك والذود عنه، وهنا
يحل الحكم الصادر في الدعوى الموضوعية محل الحكم الوقتي المستعجل السابق، إذ أن
حجية الحكم المستعجل واثره إنما هي حجية مؤقتة تزول بزوال سببها طبقاً للمادة
(245) مرافعات، أما إذا لم تثبت دعوى الحيازة أمام قاضي الأمور المستعجلة فيحكم
برفض الدعوى، وهذه هي حدود القضاء المستعجل، على أنه متى ثبتت الحيازة اعتبرت
قرينة الملك لكنها تقبل إثبات العكس وفقاً للمادة (1111) مدني باعتبار الحائز هو
ذو اليد الثابتة،واذا قضت المحكمة بقول دعوى منع التعرض فعلى المحكمة أن تقضي
بإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل رفع الدعوى المستعجلة ، لان الهدف هو حماية
الحيازة الظاهرة بشروطها المعتبرة وحمايتها مدنياً أو جزائياً كما هو منصوص عليه
في المادة (321) عقوبات فالغرض من الحماية إنما هو لأجل المحافظة على السلم
واشاعته وتوفير الأمن والأمان في المجتمع والحيلولة دون اقتضاء الشخص لما يدعيه من
حق بيده وعن طريق القوة والتهديد والعنف ووضع حد لمنع الاعتداءات والعنجهية وغصب
الحقوق الظاهرة عنوة حتى إن كان من ينازع على الأرض هو حقيقة صاحب حق الملك فيها،
إذ الطريق السوي للمطالبة بالحقوق واستعادتها إنما يكون حين الاختلاف عن طريق سلطة
القضاء وسلطان الدولة واحلال قوة الحجة محل حجة القوة وغرورها وإلا أدى ذلك إلى
اشاعة الفوضى والاضطراب واقلاق السكينة العامة والعودة إلى شريعة الغاب، وحيث أن الحكم المطعون فيه إنما فصل في
دعوى منع التعرض باعتبارها من الدعاوي المستعجلة وفقاً للمادة (240) مرافعات
،واستناداً إلى المادة (1103) مدني فأن ما نعاه الطاعن من عيوب في الحكم المطعون
فيه لا تتفق مع مفهوم دعوى التعرض والحكم فيها وطبيعته) وسيكون تعليقنا على هذا
الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول : ماهية الحيازة الشرعية :
عرفها القانون المدني
بانها (استيلاء الشخص على الشيء ووضع يده عليه منقولاً كان أم عقاراً وهي نوعان
حيازة ثبوت وحيازة انتفاع حسبما ورد في المادة (1103) ويلاحظ على هذا التعريف انه
يخلط بين الغصب والحيازة الشرعية حينما استعمل عبارة (استيلاء الشخص) التي يفهم أن
الحائز قد استعمل القوة في وضع يده، في حين يعرفها استاذنا المرحوم الاستاذ الدكتور
أحمد ابو الوفاء (الحيازة : عبارة عن مركز واقعي يتمثل في سيطرة فعلية على شيء)
وقد ذكر المرحوم أبو الوفاء أن مشروع القانون المدني المصري كان يعرف الحيازة
بانها (وضع مادي يسيطر به الشخص سيطرة فعلية على شيء يجوز التعامل فيه أو يستعمل
به حقاً من الحقوق) (التعليق على قانون المرافعات ص133) والقانون المدني اليمني
يمنع صراحة استعمال القوة في الحيازة حسبما ورد في شروط الحيازة في المادة (1104)
مدني ومن ضمن هذه الشروط (أن لا تقترن الحيازة باكراه المالك أو من يمثله أو
منازعته) وعند تطبيق هذا المفهوم على الواقعة التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد
أن المدعي بمنع التعرض لم يقم بالاستيلاء على الأرض بالقوة وإنما كان هناك سبب
شرعي لوضع يده على الأرض وهو الهبة الصادرة له من الواهب بصرف النظر عن احقية
الواهب،حيث أن االتحقق من الملك يتم بموجب
دعوى موضوعية يستفرغ فيها قاضي الموضوع
جهده في مناقشة أقوال الخصوم وطلباتهم وادلتهم ودفوعهم ودفاعهم حتى يتبين لها مالك
الأرض حقيقة، هل هو الواهب أم الشخص الذي كان ينازعه والذي تحول لاحقاً إلى مدعى
عليه في مواجهة الموهوب له الذي رفع ضده
دعوى منع التعرض المادي.
الوجه الثاني : ماهية دعوى التعرض المادي :
التعرض المادي الذي
يكون محل دعوى منع التعرض : هو الاجراء المادي الموجه إلى واضع اليد على أساس حق
يتعارض مع حق واضع اليد مثل قيام المتعرض بقطف القات أو الثمار أو الاحتطاب أو رعي
المواشي في الأرض التي يحوزها المدعي أو بيع محصولها أو منع الحائز من القيام ببعض
الاعمال والتصرفات في الأرض التي يحوزها المدعي مثل منع المدعي من اقامة سور في
الأرض، والتعرض والحفر في الأرض أو
زراعتها،، وقد لاحظنا في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا أن التعرض كان
مادياً في مواجهة المدعى عليه الذي منع المدعي من تسوير الأرض، وقد صرح قانون
المرافعات اليمني بأن دعوى منع التعرض المادي من ضمن الدعاوي المستعجلة ولم يقرر
القانون ذاته أن التعرض القانوني يكون سبيله دعوى منع التعرض المستعجلة، وهناك من
يذهب الى ان التعرض القانوني للحائز سبيله الدعوى الموضوعية التي يتم فيها التحقق
من الملكية بخلاف دعوى التعرض المادي التي تعتبر من دعاوى الحيازة التي يرفعها الحائز المدعي لمنع
استمرار التعرض المادي الذي حصل للمال الذي يحوزه
وازالة مظاهر عدوانه حيث لم يعترف قانون
المرافعات إلا بالتعرض المادي حسبما ورد في الفقرة (7) من المادة (240) مرافعات
التي نصت على أنه (تعتبر من المسائل المستعجلة في الحالة التي يخشى عليها فوات
الوقت ما يأتي : 7- دعوى منع التعرض
المادي وازالة العدوان) وبموجب هذا النص فان التعرض القانوني لا يندرج ضمن التعرض
المادي لان سبيله كما ذكرنا الدعوى الموضوعية.
الوجه الثالث : نطاق دعوى منع التعرض المادي وحجية الحكم الصادر فيها :
سبق القول بأن دعوى
منع التعرض المادي دعوى مستعجلة يخشى عليها من فوات الوقت ،وتبعاً لذلك فأنها لاتتعلق ولا تتصل بأصل الحق وهو ملكية الأرض
،وبناءً على ذلك فان القاضي عند نظره لدعوى منع التعرض لا يتعرض للملكية ووثائق
الملكية وادلتها وأقوال الخصوم فيها حيث يقتصر دور القاضي في هذا الشأن على التأكد
فقط من سبب وضع اليد أو الحيازة ،فقد لاحظنا القاضي الموضوعي في القضية التي
تناولها الحكم محل تعليقنا قد اكتفى بدراسة سند وضع المدعي ليده على الأرض وهو
وثيقة الهبة فلم يتعرض القاضي لسند ملكية الواهب ولم يتناقش احقية الواهب أو
المنازع للواهب في الأرض، غير أنه يجب على قاضي الامور المستعجلة عند نظره في سبب
وضع المدعي يده على الأرض أن يتأكد من سلامة وصحة التصرف وينك وضع اليد وما اذا كان يجوز للمتصرف ان يتصرف للمدعي بموجب
ذلك السند ،فلا يعقل أن يكون كل تصرف مهما كان وليجة أو ذريعة للحيازة أو لدعوى
منع التعرض، فينبغي أن تتوفر في التصرف اركانه وشروطه الشرعية حتى يتحقق لدى
القاضي الاطمئنان بأن المدعي بمنع التصرف جدير بحماية حيازته، وهذه المسألة اشار
اليها الحكم محل تعليقنا بالقول أن القاضي في دعوى منع التعرض لا يبحث القضية بعمق
حيث يقتصر دوره على التحقق الظاهري من صحة التصرف سبب الحيازة، وبما أن دعوى منع
التعرض المادي دعوى مستعجلة يخشى عليها من فوات الوقت وفقاً لنص المادة (240)
مرافعات فان الحكم الصادر فيها تكون حجيته حجية مؤقتة فلا يكون دليلاً على الملكية
كما أنه لا تكون له حجية أمام قاضي الموضوع الذي يجوز له أن يحكم على خلاف الحكم
في دعوى منع التعرض المادي، والله أعلم.