حكم حفر بئر جديدة بالقرب من بئر قديمة

 

حكم حفر بئر جديدة بالقرب من بئر قديمة

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من المشاكل التي يتكرر حدوثها قيام بعض الاشخاص بحفر آبار بالقرب من آبار قديمة منتجة للماء سبق حفرها بعد ان تم التأكد من وجود الماء في المنطقة التي تم حفر البئر فيها، ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بتاريخ 28/1/2013م في الطعن رقم (47839) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان المدعي تقدم امام المحكمة الابتدائية بدعوى مفادها : ان المدعى عليه قام بحفر بئر مياه بالقرب من البئر المملوكة له التي يستخرج منها الماء منذ مدة طويلة وذكر المدعي ان حفر البئر الجديدة إلى جوار البئر  القديمة  مضر بالبئر القديمة، وقد انتهت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بردم البئر الجديدة، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي أن (الجهة المختصة وهي الهيئة العامة للموارد المائية قد أكدت أن حفل البئر الجديدة مخالف للقانون رقم (23) 2002م بشأن المياه وأنه سيضر ببئر المدعي وأنه الهدف من البشر الجديدة هو التوسع في زراعة القات) فلم يقبل صاحب البئر الجديدة فقام باستئناف الحكم الابتدائي إلا أن الشعبة المدنية قضت بتأييد الحكم الابتدائي فلم يقنع صاحب البئر الجديدة فقام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي ،فقررت الدائرة المدنية رفض الطعن وإقرار الحكم الاستئنافي، وقد جاء في أسباب حكم المحكمة العليا (ان الحكم المطعون فيه قد ناقش المسائل التي اثارها الطاعن وأن الحكم قد استند إلى تقرير الهيئة العامة للموارد المائية الذي أكد أن حفر البئر الجديدة جوار البئر القديمة يخالف القانون (23) لسنة 2002م وأنه سيضر بالبئر السابقة فالهيئة هي الجهة المختصة صاحبة الرأي الفني والكلمة الفصل في موضوع النزاع بين الطرفين، وحيث أن محكمة الموضوع قد أطمئنت الى النتيجة التي توصل اليها تقرير الجهة الفنية المختصة فان ما جاء فيه يعتبر دليلاً كاملاً فيما تضمنه في موضوع النزاع وفقاً للمادة (175) إثبات الامر الذي يتعين معه رفض الطعن موضوعاً واقرار الحكم المطعون فيه لما علل به من اسباب سائغة موافقة للشرع والقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية:

الوجه الأول : محارم الآبار (منطقة الحماية) :

يحرم قانون المياه الحفر في محارم الابار القائمة (منطقة الحماية) وهي المساحات التي تحيط بالآبار، لما يترتب على ذلك من اضرار بالآبار القائمة، وبناءً على ذلك فلا يجوز حفر الابار الجديدة على مقربة من الابار القديمة، وقد اظهر التقرير الصادر عن الهيئة العامة للموارد المائية وهي الهيئة الفنية المختصة أن حفر البئر الجديدة بالقرب من البئر القديمة مضر بالبئر القديمة حتى لو كانت المسافة بين البئرين تصل إلى أكثر من مائة متر، علماً بان قانون المياه لم يحدد المساحات التي تعد محارم للآبار وربما ان هذه المحارم باختلاف مواقع الابار ومجاري المياه تحت الارض واحواضها ومناطقها حسبما يظهر في القانون   حيث ترك القانون تقدير هذه المحارم للسلطة الفنية للهيئة العامة للموارد المائية بما تمتلكه من امكانيات تقنية وفنية خبرة فنية.

الوجه الثاني : حجية التقرير الصادر عن هيئة الموارد المائية :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد أنه قد استند إلى التقرير الصادر من الهيئة العامة للموارد المائية بشأن مدى الضرر الذي حصل أو الذي سيحصل جراء  حفر بئر جديدة بالقرب من البئر القديمة ، وقد صدر ذلك التقرير بموجب تكليف أو  مذكرة صادرة من المحكمة الابتدائية وقد تضمن تقرير الهيئة المشار اليه ان حفر البئر الجديدة يلحق الضرر بالبئر القديمة لان المياه المستخرجة من البئر القديمة مياه سطحية وان مسار هذه المياه ومصدرها في البئرين واحد، ولذلك فان حفر البئر الجديدة واستخراج المياه منها يكون على حساب البئر القديمة، وعند التأمل في التقرير الصادر عن الهيئة العامة للموارد المائية نجد أن هذا التقرير  تقرير فني صادر من الجهة الفنية الرسمية المختصة قانوناً بإدارة الموارد المائية ومعرفة مساراتها وكمياتها ونوعها والادارة المثلى لها بحسب الخرائط والمسوحات الاستكشافية لمكامن المياه وتوفر اجهزة القياس والاستكشاف لدى الهيئة   ،ولذلك فان هذا التقرير يعد من اعمال الخبرة الفنية التي نظمها قانون الإثبات حسبما اشار الحكم محل تعليقنا وفي الوقت ذاته فان تقرير الهيئة يعد محرراً رسمياً له حجيته القانونية بموجب قانون الإثبات باعتباره محرراً صادراً من جهة رسمية مختصة ومن موظفين عموميين مختصين، والله اعلم.