اجماع القضاة عند تشديد العقوبة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
اجماع القضاة عند
تشديد العقوبة المحكوم بها او عند الغاء الحكم ببراءة المتهم من أهم ضمانات المتهم
في المحاكمة ،لان هيئة الحكم المكونة من أكثر من قاضي تتعدد آراؤهم بشأن العقوبة
المحكوم بها في درجة التقاضي الأولى، لان القواعد القانونية العقابية عامة ومجردة
تختلف فيها الرؤى والآراء، ولذلك فان قانون الإجراءات الجزائية قرر عدم جواز تشديد
العقوبة من قبل محكمة الطعن الا بإجماع القضاة هيئة الحكم باستثناء اذا كان الخلاف
بشأن مسألة قانونية فعندئذ لا يشترط اجماع
القضاة، ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة
الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10/20/2013م في الطعن الجزائي
رقم (45658) لسنة 1432هـ ، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن رجلاً
قام باستدراج زوجته الى قمة جبل حيث قام بمحاولة خنقها فلم تفلح المحاولة ثم قام
بربط يدها ورجليها وضربها ثم قام بتجريدها
من ثيابها وحاول القائها من قمة الجبل الى الهاوية فأمسكت برجله فقام بإطلاق النار
عليها بكل الطلقات الموجودة في خزنة المسدس ،وقد أعترف المتهم بجريمته عند محاكمته
أمام المحكمة الابتدائية ،وقد حضر أحد ابنائه البالغين امام المحكمة
الابتدائية حيث تنازل عن طلب القصاص من
أبيه فطلبت النيابة العامة وبقية ورثة المجني عليها طلبوا من المحكمة اعدام المتهم
تعزيراً لسقوط القصاص بتنازل إبن المجني عليها ،لان القتل قد كان بوسيلة وحشية
،فالقانون يقرر الاعدام تعزيراً في حالة القتل بوحشية حتى لو سقط القصاص، إلا أن
المحكمة الابتدائية قضت بحبس المتهم عشر سنوات تعزيراً، فقامت النيابة وورثة
المجني عليها باستئناف الحكم فقبلت الشعبة الجزائية الاستئناف وقضت بتشديد العقوبة
إلى الاعدام تعزيراً بأغلبية الشعبة لان القتل قد تم بوحشية استناداً إلى الفقرة
(3) من المادة (234) عقوبات ،في حين تحفظ العضو الثالث حيث ذكر أنه يرى حبس المتهم
تعزيراً عشر سنوات وفقاً للمادة (2) من المادة ذاتها، فقام المتهم المحكوم عليه
بالإعدام تعزيراً قام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، وقد ورد في مذكرة العرض
الوجوبي المقدمة من النيابة العامة أن الحكم الاستئنافي باطل لانه شدد العقوبة من
غير أن يكون هناك اجماعاً على التشديد، إلا أن الدائرة الجزائية بالمحكمة أقرت
الحكم الاستئنافي، وقد جاء في أسباب حكم المحكمة العليا (وفي الموضوع فأن البين من
الاطلاع على أوراق القضية أن الحكم الاستئنافي قد شدد العقوبة من الحبس عشر سنوات
تعزيراً إلى الإعدام تعزيراً، ووفقا لما نصت عليه المادة (426) إجراءات التي استندت
اليها النيابة العامة في رايها السابق ذكره فأن استئناف النيابة العامة يطرح
الدعوى الجزائية برمتها على محكمة الاستئناف ولها أن تؤيد الحكم الابتدائي أو
تلغيه أو تعدله سواء ضد المتهم أو لمصلحته ولا يجوز تشديد العقوبة المحكوم بها ولا
الغاء الحكم الصادر بالبراءة إلا بإجماع أراء القضاة مالم يكن اختلاف الرأي بشأن
مسألة قانونية،فمودى ذلك أنه في حالة استئناف النيابة العامة لا يجوز لمحكمة
الاستئناف الحكم بتشديد العقوبة المحكوم بها أو الغاء الحكم الصادر براءة المستأنف
ضده إلا إذا كان هناك اجماع في الرأي على ذلك التشديد للعقوبة أو الغاء حكم
البراءة ويستثنى من ذلك اذا كان اختلاف الرأي حول مسألة قانونية فيجوز عندئذ
للمحكمة أن تشدد العقوبة أو ان تقضي بالغاء حكم البراءة، وبالرجوع إلى مسودة الحكم
محل الطعن بالنقض فقد وجدت الدائرة أن أحد أعضاء هيئة الحكم بالشعبة قد تحفظ عند
توقيعه على المسودة بلفظ (يوجد تحفظ مني لان الرأي الاصوب التعزير بالحبس مدة عشر
سنوات خاصة أنه قد سبق العفو من بعض أولياء الدم كما أن الوحشية لم تكن الا بعد
القتل) أ.هـ فالواضح لدى الدائرة أن هيئة الحكم بالشعبة متفقة على تطبيق المادة
(234) عقوبات إلا أن العضو المذكور رأى تطبيق العقوبة الواردة بالفقرة (2) منها
وهي الحبس عشر سنوات تعزيراً فيما رأي الاخران تطبيق العقوبة الواردة بالفقرة (3)
منها وهي الاعدام تعزيرا لوجود الظرف المشدد وهو إرتكاب جريمة القتل بوسيلة وحشية،
ومن خلال ذلك يظهر ان الخلاف في الرأي بشأن
مسألة قانونية تمثلت في العقوبة الأولى بالتطبيق هل تلك الواردة بالفقرة (2) أم
(3) من المادة (234) عقوبات وطالما أن الخلاف بشأن مسألة قانونية فانه يجوز لمحكمة
الاستئناف تشديد العقوبة، ولذلك فان حكم الشعبة الجزائية موافق للمادة (426)
إجراءات الذي قضى بإعدام المحكوم عليه رمياً بالرصاص تعزيراً لقتله زوجته بطريقة
وحشية وهي القائها من قمة الجبل وهي على قيد الحياة وتعذيبها وضربها وتجريدها من
ثيابها بحسب اعترافه وبحسب شهادات الاشخاص الذين عثروا على جثة المجني عليها)
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية :
الوجه الأول : إجماع
القضاة على تشديد أو الغاء حكم البراءة من أهم ضمانات المتهم في اثناء المحاكمة :
تنص المادة (426)
إجراءات على أنه (لا يجوز تشديد العقوبة المحكوم بها ولا الغاء الحكم الصادر
بالبراءة الا باجماع اراء القضاة مالم يكن اختلاف الرأي حول مسألة قانونية) وعند
التأمل نجد أن ذلك ضمانة مقررة لصالح المحكوم عليه ،لان النص اشترط الاجماع في
حالتي تشديد العقوبة أو الغاء الحكم ببراءة المتهم، لان اشتراط الاجماع في هاتين الحالتين يكفل سلامة الحكم في
هاتين الحالتين واستحقاق المحكوم عليه لتشديد العقوبة أو الغاء حكم البراءة من غير
خلاف بين هيئة الحكم، حيث أن الغالب أن الاجماع لا ينعقد بين القضاة إلا اذا كان
المحكوم عليه يستحق تشديد العقوبة أو الغاء حكم البراءة.
الوجه الثاني :
اشتراط اجماع القضاة قاصر على حالة الخلاف بينهم في الوقائع وليس القانون :
قررت المادة (426)
إجراءات على اشتراط اجماع القضاة في الحكم بتشديد العقوبة أو الغاء الحكم بالبراءة
اذا كان الأمر متعلق بمسألة واقعية مثل الخلاف في تقدير الوقائع والادلة ومدى
تقدير مسئولية المتهم ومدى استحقاقه
للعقوبة ومدى مناسبتها للجريمة التي ارتكبها ،فاشتراط الاجماع قاصر على حالة
الخلاف في تقدير الوقائع والادلة وتقدير العقوبة، وقد قضت محكمة النقض المصرية
(بان المراد بإجماع اراء قضاة المحكمة الاستئنافية عند تشديد العقوبة أو الغاء حكم
البراءة انما هو مقصور على حالات الخلاف بينها وبين محكمة أول درجة في تقدير
الوقائع والادلة وتقدير العقوبة اما النظر في استواء حكم القانون فلا يصح أن يرد
عليه خلاف والمصير الى تطبيقه على وجهه الصحيح فلا يحتاج الى اجماع) ( الطعن رقم
14878 جلسة 21/1/1993م) ، ولذلك فان الحكم محل تعليقنا لم يشترط اجماع هيئة الحكم
في الشعبة الجزائية الاستئنافية لان الخلاف بينهم كان بشأن مسألة قانونية وليس
مسألة واقعية .
الوجه الثالث : معيار
الوحشية لتطبيق الاعدام تعزيراً :
من خلال مطالعة وقائع
القضية واسباب الحكم الاستئنافي وحكم المحكمة العليا نجد أن الحكم محل تعليقنا قد
قضى بإعدام المتهم تعزيراً لسقوط القصاص بعفو ورثة المجني عليها، وسند الحكم في
ذلك المادة (234) عقوبات التي اجازت الاعدام تعزيراً في حالة سقوط القصاص(اذا كان
الجاني معروفاً بالشر أو ارتكب القتل بوسيلة وحشية) وقد اجتهد الحكم محل تعليقنا
في تفسير الوسيلة الوحشية حيث اعتبر أن قيام المحكوم عليه بوضع لصقة على فم الضحية
وانفها ومحاولة كتم نفسها ثم محاولة خنقها وربط يديها ورجليها وضربها وتعذيبها
وقتلها فكل هذه الافعال غاية في الوحشية وبعد ذلك قام باطلاق النارعليها والقائها
حية من الشاهق وعندما حاولت التشبث برجله قام بافراغ بقية الخزنة في كتفيها،
فالحكم محل تعليقنا قد استظهر من ظروف الواقعة سبق الاصرار والترصد وخبث الطوية لدى القاتل الذي استدرج
ضحيته من المدينة إلى المنطقة النائية التي يقع فيها الحيد الشاهق مع أنه كان
متزوجاً من الضحية لمدة تزيد على خمس وعشرين عاماً ومع أن المتهم صرح مراراً أن
الضحية لم يصدر منها ما يستدعي أن يقتلها بهذه الطريقة الوحشية وانها كانت من
النساء الصالحات الفاضلات وإن مصيرها إلى الجنة وأنه مصيره إلى النار، وقد الشهود
ان الضحية كانت امراة صالحة صابرة محتسبة ، ومن هذه القرائن والشواهد فقد استدل
الحكم محل تعليقنا بأن هذه القرائن يظهر منها أن القتل قد تم بوسيلة وحشية وأن
الجاني يستحق الإعدام تعزيراً مع انه قد ثبت سقوط القصاص بعفو بعض أولياء
الدم، والله اعلم.