ازالة البيارة المضرة
أ.د. عبد المؤمن
شجاع الدين
الاستاذ بكلية
الشريعة والقانون جامعة صنعاء
من المظاهر السيئة
ارسال مياه المجاري الى الشوارع العامة فيتضرر منها المارة عامة اما الجيران فان
الضرر الذي يلحق بهم اشد واكثر من غيرهم, ولا شك ان هذا التصرف يخالف الشريعة الاسلامية اضافة الى ان القانون يمنع
ذلك, ووفقا للدستور فإن وظيفة القضاء تطبيق نصوص القانون ولكن القضاء لا يقوم من تلقاء نفسه بتطبيق نصوص القانون فلا
يتدخل القضاء الا اذا طلب المتضرر منه تطبيق القانون على المخالف للقانون, ولذلك
فانه من المهم معرفة كيفية تطبيق القاضي للقانون في هذه المسألة وكيفية اثبات
الضرر الواقع من ماء المجاري الخارج من البيارة, ولذلك وجدنا انه من المناسب
التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة
بتاريخ 23/2/2011م في الطعن المدني رقم (42040) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها
هذا الحكم ان رجلا حفر بيارة جوار منزله وكانت البيارة لا تتسع لمياه المجاري التي
تفيض منها فتسيل اولا في الشارع الفرعي فيما بين منزل صاحب البيارة ومنزل جاره
المقابل لمنزله حيث كان الماء الخارج من البيارة يمر بمحاذاة منزل الجار حتى تسرب
الماء الى جدار منزل الجار وكان الماء يخرج من الشارع الفرعي الى الشارع فيسيل
فيه, فقام صاحب المنزل المتضرر من المجاري
برفع دعواه امام المحكمة المدنية الابتدائية مدعيا بانه واصحاب الحي قد تضرروا من
مياه المجاري الخارجة من بيارة المدعى عليه وانها تسيل في الشارع الفرعي والشارع
العام وتبعث رائحتها الكريهة في ارجاء الحارة اضافة الى نشر الامراض والحشرات
؛وذكر المدعي ان منزله قد تضرر جراء مياه المجاري التي تسيل الى جوار منزله, وقد
رد المدعى عليه بان الحارة كلها ليس فيها مجاري وانه قد قام بمراجعة مؤسسة المجاري
نيابة عن خمسة وعشرين منزلا في الحارة وان
اهل الحارة لم يشتكوا به او يدعوا عليه الا المدعي, وذكر المدعى عليه ان منزل
المدعي لم يلحق به أي ضرر من ماء المجاري الذي يسيل في الشارع العام وذكر المدعى
عليه بانه يقوم بشفط البيارة باستمرار حيث لا تسيل الى الشارع الا نادرا, وقد كلفت
المحكمة امين السر ومهندس لمعاينة منزل
المدعي وقد توصل المهندس وامين السر الى ان هناك رطوبة داخل منزل المدعي جراء
المجاري وان الطلاء داخل المنزل بدأ يتقشر جراء تلك الرطوبة, وقد حكمت محكمة اول
درجة بالزام المدعى عليه بشفط بيارته باستمرار حتى لا تسيل الى الشارع العام وقد
جاء في اسباب الحكم الابتدائي بان المدعى عليه مقر بانه لم يقم بشفط البيارة الا
مرة واحدة وانه لا توجد مجاري عامة في الحارة كما انه جاء في تقرير امين السر
والمهندس المكلف من المحكمة بالمعاينة قد
جاء في ذلك التقرير بان مياه الصرف الصحي النازلة من بيارة المدعى عليه تتسرب الى
منزل المدعي كما ان المياه النازلة من البيارة مكشوفة وظاهرة للعيان وقد افاد امين
السر والمهندس في تقريرهما بان طلاء منزل المدعي كبدأ يتقشر جراء تسرب مياه الصرف
الصحي ولذلك فقد ثبت وقوع الضرر من البيارة ومياه الصرف الصحي المتسربة منها ,
ولذلك فالواجب على المدعى عليه رفع الضرر حيث نصت المادة (4) مدني على ان (الضرر
يجب ان يزال ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح عند التعارض) ولان المدعى عليه لم يقم باتخاذ
التدابير والاحتياطات اللازمة من صب قاعة البيارة وبناء جدرانها وصبها كما انه لم
يقم بشفطها ولذلك فقد ادى ذلك الى تسرب المياه منها والحاق الضرر بجاره المدعي
فصار استعمال المدعى عليه للبيارة غير
مشروع يسبب ضررا للجار وقد نصت المادة (17) من القانون المدني على ان من استعمل حقه استعمالا يتنافى مع الشرع والعرف
فانه يكون مسئولا عما يترتب على استعماله غير المشروع من ضرر ؛؛ فقام المدعي
باستئناف الحكم وكذلك المدعى عليه, وقد جاء في عريضة استئناف المدعي ان الحكم الابتدائي
مع ثبوت وقوع الضرر وبيان سببه حسبما ورد في اسبابه الا انه لم يحكم بإزالة الضرر
حيث قضى فقط بالزام المدعى عليه بشفط البيارة كما ان الحكم الابتدائي لم يحكم له
بالتعويض عن الضرر الذي لحق بمنزله, وقد قضت محكمة الاستئناف بقبول الاستئناف
والزام المستأنف ضده بإزالة البيارة التابعة لمنزله ونقلها الى مكان اخر بما لا
يضر بمنزل المستأنف مع الزام المستأنف ضده بالأغرام والمصاريف القضائية, فلم يقنع
المستأنف ضده صاحب البيارة بالحكم الاستئنافي الى الطعن بالنقض في الحكم
الاستئنافي الا ان الدائرة المدنية بالمحكمة العليا رفضت الطعن واقرت الحكم
الاستئنافي, وقد سببت المحكمة العليا حكمها بان (المناعي التي اثارها الطاعن في
عريضة الطعن ليست في محلها ولا تجد لها سندا في القانون حيث ان الحكم المطعون فيه
لم يخالف القانون فقد استند الى قاعدة قانونية وشرعية معتبرة وهي قاعدة (لا ضرر
ولا ضرار ووجوب ازالة الضرر شرعا) كما ان موضوع الدعوى هو الضرر وليس المنازعة في
الملكية للحوش الذي اشار اليه الطاعن, مما يقتضي رفض الطعن) وسيكون تعليقنا على
هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية :
الوجه الاول : الضوابط القانونية للصرف الصحي :
حدد قانون البناء
هذه الضوابط في المادة (38) حيث نصت هذه المادة على انه (يجب انشاء شبكة لتصريف
الفضلات السائلة والمياه العادمة وتصريفها الى المجاري العامة ان وجدت وان لم تكن
هناك مجاري عامة يلزم عمل خزان تحليل وحفرة امتصاص للمبنى بحسب الاصول الفنية لذلك
ويحدد المكتب المختص اماكن عمل الخزانات والحفر الامتصاصية لكل مبنى وفق الشروط
والضوابط التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون كما يجب ان تكون مواسير
تصريف الفضلات مصنعة ومركبة في المبنى بحسب المواصفات الفنية والاصول الهندسية
المتبعة في ذلك) ومن خلال استقراء ما ورد في هذه المادة نجد انها قد اوجبت على
مالك المنزل في حالة عدم وجود مجاري عامة ان يعمل حفرة (بيارة) لامتصاص المياه
العادمة والفضلات وقد اشار النص ان مواصفات البيارة والتمديدات الموصلة اليها
مذكورة في لائحة قانون البناء التي بينت ذلك بالتفصيل في المادة (91) حيث بينت مواصفات انابيب التمديد ومنها ان تكون
متينة وغير مشروخة او مكسورة وواسعة وان تكون تحت الارض حتى لا تتسرب منها مياه
المجاري اوتنبعث رائحتها وكذا بينت المادة (93) من اللائحة شروط ومواصفات حفرة
الامتصاص او ما يسمى بالبيارة ومن هذه الشروط ان يكون قطرها لا يقل على 3 متر وان
تكون حوائطها مبنية بالحجر البازلت وبسمك 50 سم وان يكون عمقها لا يقل عن 12 متر
وانه يجب ان تكون البيارة في الارض المملوكة او التابعة لصاحب المبنى وغير ذلك,
وبناء على النصوص القانونية واللائحية السابق ذكرها فان صاحب البيارة المشار اليه
في الحكم محل تعليقنا لم يلتزم باي من الضوابط القانونية السابق ذكرها مما يجعل
عمله مخالفا للقانون او غير مشروع بحسب ما ورد في حكم محكمة الموضوع.
الوجه الثاني : الضرر المترتب على طفح المجاري من البيارة :
اشار الحكم محل
تعليقنا الى بعض الاضرار المترتبة على خروج المياه العادمة من البيارات او غرف
التفتيش الى الشوارع الفرعية والرئيسية؛ وهذه الاضرار عامة وخاصة حيث يترتب عليها
نشر الامراض والاوبئة والنجاسات في الشوارع وهذا ضرر عام محرم شرعا لان الشريعة
الاسلامية منعت الضرر وحرمته والنصوص الشرعية في هذا الباب كثيرة اهمها القاعدة
الشرعية المستفادة من حديث النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم (لا ضرر ولا ضرار) وهي القاعدة المنصوص
عليها في القانون المدني وقد اشار اليها الحكم محل تعليقنا وقد اوجبت الشريعة
الاسلامية والقانون المدني ازالة الضرر ورفعه وفقا للقاعدة الشرعية والقانونية
التي تقضي بان (الضرر يزال) وعند تطبيق هذه القواعد على القضية التي تناولها الحكم
محل تعليقنا نجد الحكم الاستئنافي قد الغى الحكم الابتدائي الذي لم يرفع الضرر او
يزيله حيث قضى الحكم الابتدائي بالزام صاحب البيارة بالاستمرار في شفطها وهذا يعني
ان يظل جار صاحب البيارة والمواطنون عرضة للضرر والاضرار بحسب مشيئة صاحب البيارة
فان شاء شفطها وان لم يشاء تركها تسيل في الشارع فيتجدد النزاع ولذلك فان الحكم
الابتدائي لم يحسم النزاع فتخلفت عنه اهم خاصية من خصائص الحكم وهي الفصل في
النزاع وحسمه , ولهذا السبب حكمت الشعبة الاستئنافية بإلغاء الحكم الابتدائي ولهذا
السبب ايضا اقرت المحكمة العليا الحكم الاستئنافي, فقد قضى الحكم الاستئنافي
بإزالة البيارة نهائيا لان المادة (69) من قانون البناء قررت ازالة المخالفة وهي
البيارةفالحكمالابتدائي تجاهل الازالة للمخالفة .
الوجه الثالث : وجوب تعويض المضرور من اسالة مياه المجاري في الشوارع :
ذكرنا في الوجه
السابق ان صاحب البيارة الذي لا يلتزم بالمواصفات والضوابط المحددة في القانو
واللائحة يكون عمله مخالف للقانون وغير مشروع وذكرنا ايضا الاضرار المترتبة على
ترك مياه المجاري تسيل في الشوارع, ولذلك فانه من الواجب وفقا لأحكام الشريعة
والقانون ان يضمن صاحب البيارة المخالفة تعويض المضرورين من فعله عن الاضرار التي
لحقت بهم جراء فعله غير المشروع, ومن العجيب ان المدعي في القضية التي تناولها
الحكم محل تعليقنا قد طلب تعويضه عن
الاضرار التي لحقت به الا ان محكمتا الموضوع اهملت طلبه وحكمت محكمة اول
درجة بان يتحمل كل طرف مصاريفه واتعابه في حين محكمة الاستئناف بان يتحمل صاحب
البيارة مصاريف واتعاب غريمه وهو مبلغ ستون الف ريال .
الوجه الرابع :
العقوبات المقررة على اسالة مياه المجاري الى الشوارع :
قررت المادة (68)
من قانون البناء ان عقوبة ارسال مياه المجاري الى الشوارع هي الغرامة التي لا تزيد
عن 10% من قيمة المخالفة, ومن وجهة نظرنا فان هذه العقوبة خاصة عبارة (لا تزيد)
متساهلة جدا في مواجهة جريمة خطيرة كهذه,
وكذلك قررت المادة (69) من قانون البناء على انه بالإضافة الى العقوبة السابقة وهي
الغرامة فانه يتم ازالة او تصحيح الاعمال المخالفة بما يجعلها متفقة واحكام
القانون ولائحته التنفيذية, ومن الملاحظ ان قانون البناء يتعامل مع جريمة اسالة
مياه المجاري في الشوارع على انها مخالفة عادية وليست جريمة خطيرة وهذا مظهر من
مظاهر تساهل القانون اليمني ومع ذلك فقد نص قانون البناء ولائحته على ان العقوبة
المذكورة فيهما لاتخل بالعقوبة الاشد المذكورة في قانون العقوبات حسبما سياتي
بيانه, كما يلاحظ ان حكم محكمة الموضوع لم يقرر على صاحب البيارة أية عقوبة لان
الدعوى التي رفعها المدعي امام محكمة الموضوع كانت دعوى مدنية محضة ؛ وكان بوسع
المدعي تقديم شكوى الى نيابة المخالفات حتى يتم تحريك الدعوى الجزائية ضد صاحب
البيارة الا ان المدعي لم يفعل ذلك .
الوجه الخامس :
تجريم اسالة مياه المجاري الى الشارع مباشرة :
اوجب قانون البناء
ولائحته التنفيذية على صاحب المبني ان يمد التوصيلات الخاصة بالمجاري الى شبكة
المجاري او البيارة وان يحفر حفرة الامتصاص (البيارة) وبناء على ذلك فان قيام صاحب
المبنى بتصريف مياه المجاري الى الشارع مباشرة يعد عملا مخالفا وغير مشروع بل هو اكثر خطورة وضررا من طفح
البيارة الى الشارع ويسري هذا الحكم على ماء الغسيل الذي ترسله النساء من اسطح
المنازل او الاحواش الى الشارع لان هذا الماء يندرج ضمن مياه المجاري او المياه
العادمة بحسب تعريف القانون لها .
الوجه السادس :
اسالة مياه المجاري الى الشارع تلويث للبيئة :
من المؤكد ان اسالة مياه المجاري او المياه العادمة الى الشارع تلويث للبيئة المحيطة بالجمهور مباشرة فهي اخطر من تلويث البحار في المياه الاقليمية وغيرها, وبناء على ذلك فانه تنطبق على هذا الفعل جريمة التلويث المنصوص عليها في المادة (140) عقوبات التي تنص على ان (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات من عرض عمدا حياة الناس وسلامتهم للخطر بوضعه مادة سامة او ضارة من شأنها ان يتسبب عنها الموت او ضرر جسيم بالصحة العامة في المياه الاقليمية او الموانئ او في بئر او خزان مياه او أي شيء اخر معد لاستعمال الجمهور) فترك المياه العادمة او المجاري المضرة في الشوارع العامة المعدة للجمهور يندرج ضمن الافعال المادية لجريمة تلويث البيئة المذكورة في النص السابق؛ والله اعلم.