شراء المخالط لا يمنع الخلطاء الاخرين من الشفعة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
شرعت الشفعة لدفع مضار الخلطة في الأموال وتجاوز بعض الخلطاء في المال على حقوق ومصالح الخلطاء الاخرين عملاً بقوله تعالى { وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ } [24 سورة ص] وضرر الخلطة يكون متحققاً حتى لو قام احد الخلطاء بشراء نصيب غيره من الخلطاء حيث يحق لبقية الخلطاء ان يطلبوا الشفعة من المشتري المخالط ويشاركوه بالتساوي فيما اشتراه حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 19/6/2007م في الطعن رقم (27751) وتتلخص وقائع القضية ان احد الورثة الخلطاء في (حر) أسفل منزل مورثهم المشترك بينهم قام ببيع ما يخصه في ذلك (الحر) وهو مكان مبيت البقر أو الاغنام قام ببيع نصيبه إلى وارث مخالط في الحر ذاته فطلبت اختهما المخالطة لهما في ملكية الحر طلبت الشفعة من اخيها المشتري حتى وصل الأمر إلى المحكمة، غير ان المحكمة الابتدائية رفضت طلب الشفعة لثبوت ملك المشفوع منه لجزء من الحر ،وللسبب ذاته قضت الشعبة المدنية بتأييد الحكم الابتدائي، فقامت الاخت الشفيعة بالطعن بالنقض، فقبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (كما اخطأت الشعبة عندما قضت برفض الشفعة في جزء من العين محل طلب الشفعة وهو ما شراه المطعون ضده من اخ الطاعنة في الحر دون علمها بذلك حيث طلبت قيد الشفعة فيه عند علمها في جلسة المحكمة، وبالتامل في مناعي الطاعنة تجد المحكمة العليا ان تلك المناعي تجعل الحكم محل نظر، لان الحكم برفض الشفعة في الحر كان بسبب واه وهو ثبوت الملك المشترك للمطلوب منه الشفعة، مع ان ذلك لا يمنع الشفعة للطاعنة وإنما يحق لها الشفعة مشاركة ومناصفة للمطعون ضده المشتري) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : احقية المخالط في المال في طلب الشفعة من المشتري المخالط في المال ذاته :
من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد ان الاخت الشفيعة او الشافعة تملك جزء من الحر واخوها المشفوع منه المشتري يملك أيضا نصيبه في الحر وقد قام بشراء نصيب اخيهما الاخر، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بأحقية الشفيعة الطاعنة احقيتها في الشفعة، لان النصوص الشرعية والقانونية التي تقرر الشفعة لا تفرق بين المشتري المشفوع منه المخالط المالك في أصل المال وبين غيره، وعلى هذا الاساس يجوز للمخالط في أصل المال ان يطلب الشفعة من المشتري المخالط ولو كان مالكاً لجزء من أصل المال المختلط، لان طالب الشفعة له الحق في طلب الشفعة في هذه الحالة، كما ان هناك حق للمشتري المالك أيضاً لجزء من المال المختلط ،إضافة إلى ان العلة والحكمة من تشريع الشفعة موجودة في هذه الحالة ،فقد يتضرر المخالط من زيادة حصة أو نصيب المشتري المخالط في المال ،فلا فرق بين شراء قسم من المال المختلط بين المخالط وغيره.
الوجه الثاني : شفعة واستشفاع :
في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا تتضمن شفعة واستشفاع ،فالاستشفاع هو قيام المالك المخالط في أصل المال بشراء نصيب أخيه ،وهذا ما يطلق عليه (الاستشفاع) وهو مبادرة من له حق الشفعة بشراء المال قبل قيام مالكه ببيعه للغير، فهذا الشراء يكون بمثابة طلب الشفعة فلايلزم المشتري في هذه الحالة أن يطلب الشفعة وهو قد المال المشفوع فيه، ولذلك يطلق على هذا التصرف الاستشفاع حسبما ورد في المادة (1268) مدني، كما ان هناك في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا شفعة ايضا وهي قيام الأخت المالكة في لجزء من أصل المال بطلب الشفعة من اخيها المشتري لنصيب اخيهما الثالث فهذه شفعة صحيحة حسبما قضى الحكم محل تعليقنا فلا تبطل الشفعة لمجرد ان المشتري مالك مخالط في أصل المال.
الوجه الثالث : تقسيم المال المشفوع فيه بين الشافعة واخيها المستشفع : ذكرنا في الوجه السابق احقية الشافعة في طلب الشفعة وكذا احقية اخيها المشتري المستشفع بشرائه لانهما مالكان في أصل المال المشفوع فيه، ولذلك فان المال المشفوع فيه وهو نصيب الأخ البائع يتم تقسيمه بالتساوي بين الأخت الشافعة واخيها المستشفع مناصفة حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، لان المادة (1258) مدني قد نصت على ان الشفعاء (اذا تساووا في طلب الشفعة والسبب قسمت الشفعة بينهم على رؤوس الشفعاء) أي ان المال المشفوع فيه يتم تقسيمه على أساس الرؤوس أي بالتساوي فليس هناك اعتبار للذكورة اوالانوثة لان الشفعة ليست ميراثاً كما انه لإعتبار في هذه الحالة لمقدار أو مساحة نصيب كل واحد من الشافعين في أصل المال حيث يتم تقسيم المال المشفوع فيه بالتساوي مثلما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.