الحجر على كبير السن

 

الحجر على كبير السن

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

وصف الله تبارك وتعالى الانسان بحبه الشديد للمال فيقول سبحانه (وانه لحب الخير لشديد) فهذا الحب الشديد للمال يجعل غالبية الناس يتجاهلوا احكام الشرع والقانون والاخلاق بل والفطرة فيقومون  بالادعاء بان اباءهم مجانين أو فقدوا قدراتهم العقلية والذهنية خلافاً لواقع الحال وانما بقصد استعجال الحصول على المال وعدم الانتظار حتى يموت الأب أو الجد أو الأم، ليس هذا فحسب بل ان بعضهم يقوم بالتوسل بوسائل غير قانونية للاحتيال على القانون والقضاء لفرض الحجر على ابيه او جده ومنعه من التصرف بماله بواسطة القضاء، ولكثرة الدعاوى والقضايا المتعلقة بهذا الموضوع بحسب ما ترد الينا من اسئلة ؛وبغرض التوعية ولفت الانظار الى هذه المسألة المهمة فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر من الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14/3/2010م في الطعن المدني رقم (40139) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية ان احد الاحفاد رفع دعوى حجر على جده ادعى فيها ان جده قد بلغ من العمر مائة عام وانه لم يعد يدرك ما ينفعه اويضره وانه يقوم ببيع امواله وانه قد صار سفيها.مع ان كبر السن ليس سببا من اسباب الحجرً ؛وحيث ان المدعي طالب الحجر كان قد رتب الأمر فقد تم التنصيب عن الجد من غير اعلانه او علمه، وفي الجلسة ذاتها وفي الوقت ذاته صدر الحكم الابتدائي بالحجر على الجد ومنعه من التصرف في ماله وتعيين الحفيد عاق والديه  منصوباً على جده المحجور عليه حتى يقوم برعاية وتولي امور جده المحجور عليه وحفظ أمواله والنفقة عليه!!! وقد ورد في اسباب هذا الحكم السريع (انه قد ثبت للمحكمة من خلال اقوال الشاهدين ان المدعى عليه المطلوب الحجر عليه ومنعه من التصرف قد بلغ من العمر عتياً وانه يقوم ببيع امواله) فلم يقبل الجد بالحكم الابتدائي الذي قضى بالحجر عليه ومنعه من التصرف في ماله وتسليم ماله الى غريمه المدعي حفيده الذي تم تعيينه بموجب الحكم الابتدائي منصوباً عليه لم يقبل الجد بهذا الحكم فقام بتوكيل محامي لاستئناف الحكم، وقد تضمن استئناف الجد انه لم يتم اعلانه بدعوى الحجر ومنعه من التصرف وان اجراءات التنصيب باطلة وكذا احضار الشهود وصدور الحكم في جلسة واحدة تدل على التواطؤ والحيلة والتدبير الكيدي، فقام الحفيد بتقديم دفع بعدم قبول الاستئناف الذي قام بالتوقيع عليه محامي الجد لان التوكيل من الجد لمحاميه قد تم بعد صدور الحكم الابتدائي بالحجر على الجد ومنعه من التصرف فبموجب ذلك فان الجد ممنوع من توكيل محامي عنه وان غريم الجد حفيده قد صار النائب القانوني (المنصوب) على الجد الذي يباشر التصرفات نيابة عن الجد!!! شوف لفات أم رجال!!! فقبلت الشعبة المدنية دفع الحفيد ورفضت استئناف الجد، فلم يقبل الجد بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض امام الدائرة المدنية بالمحكمة العليا التي وفقها الله فقبلت الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في اسباب حكم المحكمة العليا ( ومن حيث الموضوع فقد تبين للدائرة ان الطاعن ينعي على الحكم الاستئنافي بطلانه لتأييده للحكم الابتدائي الذي صدر من غير علم الطاعن بالدعوى أو التنصيب، والدائرة تجد ان هذا النعي سديد حيث لم يثبت وقوع اعلان المدعى عليه بالدعوى وتكليفه بالحضور للرد عليها بدليل ان تاريخ تقديم الدعوى من المدعي وتمام اجراءات التنصيب والاستماع الى اقوال الشهود وصدور الحكم قد تمت كلها في نفس اليوم حسبما هو ظاهر من تاريخ الدعوى وتاريخ الحكم الابتدائي كما انه لم يتم تنصيب من اقارب الطاعن، أضف الى ذلك ان المحكمة الابتدائية اصدرت حكمها بالحجر على الطاعن مسببة  حكمها بثبوت عجز الطاعن عن ادارة شئون نفسه وحفظ امواله دون ان تستند في ذلك الى تقرير طبي يؤكد ذلك الأمر الذي يتعين معه نقض الحكم واعادته الى محكمة أول درجة لسماع اقوال الطاعن والتحقق من اهليته أو نقصانها بواسطة طبيب مختص) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : إجراءات الاعلان بدعوى الحجر على كبير السن :

دعوى الحجر مثل غيرها من الدعاوى بل انها اخطر الدعاوى حيث قد يترتب علي الحكم فيها منع المدعى عليه من مباشرة أي تصرف بما في ذلك حرمانه من ماله ومنعه من التصرف فيه بل ان في الحجر تجريد الحجور عليه من ادميته واخراجه من دائرة الأوادم الى عالم البهائم التي لا تعي ولا تعقل ولا تفهم، ولذلك ذهب الزيدية والحنفية الى عدم جواز الحجر على الكبير ؛ فقد قال ابو حنيفة رحمه الله (أني لاستحي من الحجر على من بلغ الخامسة والعشرين لانه يصير فيها جداً) (منتهى المرام، ص130، وتفسير القرطبي 5/32، وتفسير آيات الاحكام، د.عبد المؤمن شجاع الدين، ص91) ولما كانت دعوى الحجر على هذا النحو من الخطورة فيجب على المحكمة ان تقوم باعلان المدعى عليه المطلوب الحجر عليه بدعوى الحجر وان ترفق بها المستندات والادلة وان تتخذ المحكمة الاجراءات والاحتياطات اللازمة للتأكد من اعلان المدعى عليه، ويتم اعلان دعوى الحجر على الكبير وفقاً لقواعد الاعلان المقررة في قانون المرافعات وان تتأكد المحكمة من تنفيذ الاعلان وتمامه وصحته حتى يتمكن المدعى عليه من الاطلاع على الدعوى والادلة المرفقة وفهمها وان يقرر ما يراه بشأنها، ويترتب على عدم اعلان المدعى عليه بدعوى الحجر وعدم حضوره جلسات المحاكمة بطلان الحكم حسبما قضى الحكم محل تعليقنا لأن الاعلان من أهم وسائل تحقيق مبدأ المواجهة بين الخصوم.

الوجه الثاني : إجراءات التنصيب في دعوى الحجر على كبير السن :

لا تشرع المحكمة في هذه الاجراءات إلا بعد ان تتأكد من تمام وتنفيذ اعلانين صحيحين متتالين الى المدعى عليه شريطة ان يكون الفارق بين الاعلان الأول والاعلان الجلسة المحدودة في الاعلان الأول فاذا لم يحضر المدعى عليه في الجلسة الأولى يتم توجيه الاعلان الثاني، ولا يقال : اعادة اعلان المدعى عليه (اصلاح نظام الاعلانات القضائية في مصر، خالد محمد جوشن، ص12) وبعد ذلك يتم التأكد من تمام الاعلانيين الصحيحين تأمر المحكمة باستدعاء المدعى عليه بواسطة الشرطة القضائية فاذا ثبت غيابه او فراره تشرع المحكمة بإجراءات التنصيب عنه حيث يتم تحديد اقارب المدعى عليه المطلوب الحجر عليه لمعرفة الاجدر والاقدر منهم لتنصيبه امام المحكمة لمباشرة اجراءات المحاكمة في مواجهته نيابة عن المدعى عليه، ولا يجوز بأي حال من الاحوال تنصيب المدعى طالب الحجر عن المدعى عليه لأنه عندئذ سيجمع بين صفتي المدعي والمدعى عليه ؛وانا اشك ان المدعي طالب الحجر في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا قد قام امام محكمة أول درجة بدور المنصب بالإضافة الى صفته كمدعي، وبما ان المحكمة هي التي اختارت المنصب  فأنها تكون مسؤولة عن حُسن ادائه لان دور التنصيب في اليمن سلبياً وشكلياً فحسب؛ وقد سبق لنا ان ذكرنا وجه الخلل والقصور في اعمال المنصبين، حيث يجب على المنصب ان لا يكتفي بالأنكار فينبغي ان يكون دوره ايجابيا في الدفاع عن حقوق ومصالح المطلوب الحجر عليه فيجب عليه ان يتأكد بما لا يدع مجالاً للشك من اسباب ودعوى الحجر وصحتها وان يتأكد من الحالة الذهنية والعقلية والصحيحة للمطلوب الحجر عليه، وقد حددت المادة (116) مرافعات اجراءات الاعلان والتنصيب.

الوجه الثالث : اسباب الحجر على كبير السن :

تقرر المادة (56) مدني حالات الحجر وليس من بينها كبير السن حيث نصت هذه المادة على ان (فاقدوا الاهلية وناقصوها لصغر أو جنون أو سفه أو عته يحجر على تصرفاتهم) وبناءً على هذه المادة فلا يتم الحجر على الجد كبير السن الا اذا كان مجنوناً أو سفيهاً أو معتوهاً فليس كبر السن سببا من اسباب الحجر حسبما ادعى طالب الحجر في القضية محل تعليقنا حتى لو بلغ عمر الجد أكثر من مائة سنة، وقد ذكر الحفيد ضمن دعوى الحجر  ذكر ان جده المطلوب الحجر عليه يقوم ببيع امواله، وهذا الأمر يقتضي الاشارة بإيجاز بالغ الى اسباب الحجر المذكور في النص القانوني السابق ذكره ذات الصلة بالموضوع وذلك كما يأتي :

1-     الجنون : وهو افة تصيب العقل فتفقده الوعي والادراك بالأشياء التي يفعلها او الاقوال التي يتلفظ بها كما انه لا يدرك ولا يعي أقوال وتصرفات الغير، والجنون اما ان يكون مطبقاً أو متقطعاً، ومن خلال الدعوى التي رفعها الحفيد ضد جده لم يستطع إثبات ان جده مجنون حسبما ورد في حكم المحكمة العليا وانما قال الشاهدان : ان جده كان يعاني من امراض عصبية ونفسية، ومن المعلوم ان الامراض النفسية والعصبية ليست من قبيل الجنون.

2-     الزهايمر (الخرف) وهو مرض يصيب ذاكرة نسبة 5% ممن تتراوح اعمارهم مابين 65 و75 سنة ونسبة 50% ممن تزيد اعمارهم عن 85 سنةحيث يصعب على  المريض بهذا المرض ان يتذكر الاحداث الاخيرة، أي ان المريض يعاني من النسيان وصعوبة في التذكر، ولكن هذا لا يعني ان  المصاب بهذا المريض ليس اهلاً للتصرف مثلما حاول الحفيد المدعي ان يلمح في دعواه بان جده ينسى ولا يتذكر الاشياء، علماً بان النص القانوني السابق لم يذكر (الخرف) أو الزهايمر ضمن اسباب الحجر.

3-     العته : وهو مرحلة ما بين الجنون والسفه حيث ان المعتوه يدرك اقواله وتصرفاته وكذا اقوال وتصرفات الغير الا انه لا يستطيع الربط والاتصال بينها، وقد ورد هذا السبب ضمن اسباب الحجر المذكورة في المادة (56) مدني، ولم يدعي الحفيد على جده انه معتوه، فالعته ليس عارض من اعراض الشيخوخة أو كبر السن، ولا ريب ان للعته تأثير على تصرفات المعتوه ولذلك جعله القانون سبباً من اسباب الحجر.

4-     السفه : وهو الخفة ؛وتتفق تعريفات الفقهاء له بانه عدم حسن تدبير امور المال، فالسفيه هو الذي لا يحسن تدبير امور المال أي ادارته وتنميته والمحافظة عليه، ونلاحظ ان تعريفات الفقهاء تقرر ان المقصود بالسفه هنا هو انعدام قدرة الشخص على تدبير امور المال وليس نقص القدرة؛ لان غالب الناس تنقصهم الخبرة والقدرة على تدبير وادارة المال ومع ذلك فليسوا سفهاء فلا تنطبق عليهم احكام السفه لانها لاتنطبق الا على من انعدمت بالكلية قدرته على تدبير وادارة شئون المال (الولاية على المال، الامام محمد ابو زهرة، ص120 وتفسير آيات الاحكام د.عبد المؤمن شجاع الدين ص91) والسفه يكون لدى الانسان في مقتبل العمر اكثر منه في شيخوخته لان الشيخ الكبير يكون احرص الناس على المال فقد اخرج البخاري ومسلم ورد ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (يكبر أبن أدم ويكبر معه اثنان حب المال وطول العمر)، وعلى ذلك فلا يكون السفه عارضاً من عوارض الشيخوخة حسبما ورد في دعوى الحفيد طالب الحجر على جده.

الوجه الرابع : شروط دعوى الحجر ونوعها ومدتها واجراءاتها :

دعوى الحجر دعوى موضوعية مدنية لان القانون المدني هو الذي نظم احكام الحجر على فاقد الاهلية او ناقصها ولذلك بختص بنظرها القاضي المدني ؛كما انه ليس لهذه الدعوى  مدة معينة لرفعها فطالما ان سبب الحجر موجود فيجوز رفع الدعوى في أي وقت المدعى، ويشترط القانون في دعوى الحجر باعتبارها دعوى ان تكون لرافعها صفة ومصلحة؛ اما في الفقه الاسلامي فيجوز رفع دعوى الحسبة لان المال مال الله له وظيفة اجتماعية ولذلك اضاف الله المال في آية الحجر على السفيه اضاف المال الى الامة وليس الى مالك المال فقال تعالى (ولا تؤتوا السفهاء اموالكم) فلم يقل اموالهم وعند التأمل في وضعية طالب الحجر في القضية التي تناولها الحكم نجد انه لا مصلحة له حيث انه يستحق الوصية الواجبة فقط لان سبب الخلاف بين الجد الغني والحفيد هو ان الجد رفض اقعاد ابن الابن، فأراد الحفيد بهذه الدعوى الاستحواذ على مال جده كاملاً بتنصيبه للقيام بأمر جده وادارة امواله!!!

الوجه الخامس : إثبات دعوى الحجر :

الإثبات في دعوى الحجر يتجه الى سبب الحجر؛ فبعض الاسباب ظاهرة يمكن اثباتها عن طريق الشهادة مثل تصرفات السفيه وعدم قدرته على ادارة وتدبير المال إلا ان هناك مسائل فنية مثل عدم القدرة العقلية ولذلك فقد وجدنا الحكم محل تعليقنا قضى بانه يجب على محكمة أول درجة الاستعانة بطبيب لفحص الجد والتأكد من قدراته العقلية والبدنية، لان الحفيد المدعي قد ادعى بان جده لم يعد يعي التصرفات التي يباشرها بسبب كبر سنه.

الوجه السادس : الحكم في دعوى الحجز :

الحكم في دعوى صحة الحجز حكم موضوعي لا يجوز تنفيذه الا بعد صيرورته نهائياً او باتاً ؛فهذا الحكم يخضع لطرق واجراءات الطعن المقررة في قانون المرافعات مثله في ذلك مثل غيره من الاحكام، ولذلك لاحظنا كيف ان الشعبة الاستئنافية تعاملت مع الحكم الابتدائي كما لو انه حكم نهائي واجب النفاذ حيث قبلت الدفع المقدم من الحفيد باعتباره منصوباً عن جده وانه لا يحق لجده ابرام أي تصرف بما في ذلك توكيل المحامي!!! ولذلك ايضاً لم يقتصر قضاء المحكمة العليا على الحكم في الدفع بل انها قضت في طلب الحجر باعتباره متصلاً اتصالاً تاماً بالدفع.

الوجه السابع : تنصيب طالب الحجر للقيام بامر المحجور عليه وماله:

مربع نص: الأسعدي للطباعة عن بعد / ت 772877717لاحظنا ان طالب الحجر وفقاً لقواعد التقاضي خصم للمحجور عليه يتولد بينهما الخصام والنزاع في مراحل التقاضي المختلفة ويورث هذا النزاع والتخاصم في النفوس بغض وحقد، وقواعد العدالة ومبادئها تقتضي ان لا يتم تنصيب الغريم قيماً أو منصوباً عن المحجور عليه، والله اعلم.