الحكم بالشهادة يمنع الجرح بالشهود

 الحكم بالشهادة يمنع الجرح بالشهود

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين 

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء 

عندما يتم الطعن في الحكم يبحث الخصوم عن المطاعن الجائزة وغير الجائزة،وغالباً ما يقوم الخصوم عند الطعن بالأحكام بالتركيز على الأدلة التي استند اليها قضاء الحكم المطعون فيه ومنها شهادات الشهود، وفي هذا السبيل يعمد الخصوم في بعض الحالات إلى جرح الشهود الذين استند الحكم المطعون فيه على شهاداتها مع ان القانون يمنع ذلك، وقد اكد على ذلك قضاء الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7/4/2012م في الطعن رقم (44598) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان المحكمة الابتدائية حكمت بالإعدام قصاصاً على المتهم لثبوت قتله للمجني عليه عمداً وعدواناً عندما قام المجني عليه بتحويل مجرى الماء عند سقي  الزرع حيث ثبتت واقعة القتل العمد بشهادة الشاهدين العدلين اللذين كانا يعملا مع المجني عليه في سقي الزروع، فقام المتهم باستئناف الحكم الابتدائي وذكر في استئنافه ان لديه شهود جرح  للشاهدين اللذين شهدا عليه فلم تقبل الشعبة هذا الطلب وردت  الشعبة الجزائية على الطلب في تسبيبها لحكمها بانه: لا يجوز الجرح في الشاهد بعد الحكم بشهادته، وبناءً على ذلك قضت الشعبة الجزائية بتأييد الحكم الاستئنافي فقام المتهم بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي إلا أن الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (واما ما نعى به الطاعن بشأن الشهادة وقوله : ان الشهود مجروحون في عدالتهم فهذا النعي مطروح برمته لانه لا يجوز الجرح في الشاهد بعد الحكم بشهادته عملاً بالمادة (54) إثبات مما يتعين رفض الطعن برمته) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية : 

الوجه الأول : السند القانوني للحكم بعدم قبول شهادة الجرح بعد الحكم بموجب شهادة الشاهد: 

قضى الحكم محل تعليقنا بعدم جواز قبول شهادة الجرح في الشاهد بعد  الحكم بشهادة الشاهد، وسند الحكم في ذلك المادة (54) إثبات التي نصت على انه (لا يقبل جرح الشاهد بعد الحكم بشهادته إلا في الأحوال الاتية 1- أن يكون المحكوم عليه غائبا -2- خائفا أو مسجونا أو مريضا لا يستطيع الوصول إلى القاضي -3-القاصر أن اهمل وليه الجرح -4- استعجال القاضي بالحكم قبل اتمام النزاع، ويترتب على قبول الجرح في هذه الأحوال إعادة النظر في الحكم) واستناداً إلى هذا النص فلم تقبل الشعبة الجزائية طلب المحكوم عليه بالحكم الابتدائي تقديم شهود جرح الشهود الذين استند الى شهاداتهم الحكم الابتدائي طالما ولم تتحقق في المحكوم عليه المستأنف أية حالة من الحالات المستثناة في النص السابق غير السجن حيث ان المحكوم عليه في هذه القضية مسجون على ذمة القضية التي صدر فيها الحكم الابتدائي ومع انه كان مسجوناً إلا انه قد حضر جميع الجلسات وقام بمباشرة حقوقه في الدفاع، وكان يستطيع امام المحكمة الابتدائية ان يقدم شهود الجرح في حينه قبل الحكم، فالمقصود بالمسجون في النص السابق هو المسجون على ذمة قضية اخرى حيث يحول هذا السجن دون وصول المحكوم عليه إلى مجلس القاضي لمباشرة حقوقه القضائية ، حيث يتعذر عليه مباشرة حقه في تقديم شهود الجرح قبل صدور الحكم، ويرجع عدم قبول جرح الشاهد بعد الحكم بموجب شهادته يرجع إلى إعتبارات كثيرة من اهمها ان سكوت المحكوم عليه عن جرح الشاهد قبل صدور الحكم قرينة على رضاه بصلاح الشاهد لأن الأصل عدالة الشاهد المسلم، كما ان جرح الشاهد بعد الحكم أمام محكمة الاستىناف يوجب عليها اعادة النظر في الحكم وفقا القانون في حين أنها ليست المحكمة التي اصدرت الحكم وإعادة النظر لايكون أمام المحكمة التي اصدرت الحكم، فضلا عن ان جرح شهود الحكم الابتدائي أمام محكمة الاستئناف يعني نسبة وقائع جارحة إلى الشاهد تحتاج إلى تحقيق وترجيح قبل الحكم الابتدائي وليس بعده ولذلك لاحظنا ان النص القانوني السابق قد نص على أن قبول الجرح في الشهود بعد الحكم يكون بمثابة إعادة نظر في الحكم الذي صدر استناداً إلى شهادة الشهود المطلوب جرحهم. 

الوجه الثاني : الحالات التي يجوز فيها جرح الشهود بعد الحكم بموجب شهاداتهم: 

حددت المادة (54) إثبات السابق ذكرها حددت هذه الحالات وهي اذا كان المحكوم عليه غائباً او خائفاً أو مسجون أو مريضاً لا يستطيع الوصول إلى القاضي أو كان قاصراً واهمل وليه الجرح في حينه أي قبل صدور الحكم، وكذا استعجال المحكمة بالحكم قبل اتمام النزاع، ومن الملاحظ ان الجامع المشترك بين هذه الحالات ان المحكوم عليه في هذه الأحوال غير قادر او عاجز عن البحث على شهود الجرح وتقديمهم  قبل  صدور الحكم، وبذلك تظهر العلة في عدم قبول شهادة الجرح بعد الحكم بموجب شهادة الشاهد ،لان المحكوم عليه كان في غير هذه الأحوال قادراً على مباشرة جرح الشهود قبل صدور الحكم. 

الوجه الثالث : عدم جواز الاستماع إلى شهود الجرح : 

من خلال مطالعة المادة (54) إثبات السابق ذكرها نجد انها صرحت بعدم سماع شهود جرح الشهود بعد الحكم بشهاداتهم، فمعنى ذلك انه لا يجوز لمحكمة الاستئناف ان تقبل طلب المحكوم عليه بالاستشهاد بشهود الجرح مثلما فعلت المحكمة الاستئنافية في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا حيث رفضت طلب المحكوم عليه بتكليف شهود الجرح بالحضور للإدلاء بشهاداتهم، لأن النص منع قبول طلب الاستشهاد بشهود الجرح في  هذه الحالة ،فلا يجوز للمحكمة ان تقبل طلب  الاستشهاد بشهود الجرح لمخالفة ذلك للقانون. 

الوجه الرابع : إعادة النظر في الحالات التي يجوز فيها قبول شهادات شهود الجرح : 

نصت المادة (54) إثبات السابق ذكرها على انه في الحالات المقررة على سبيل الاستثناء التي يجوز فيها قبول شهادات شهود الجرح فانه يترتب على ذلك إعادة النظر في الحكم الذي اعتمد على شهادات الشهود المجروحين، ومن المعلوم ان إعادة النظر في الحكم تستوجب تقديم طلب الاستشهاد بشهود الجرح إلى المحكمة التي اصدرت الحكم الذي استند الى شهادات الشهود المجروحين التي تتولى إعادة النظر في الحكم السابق صدوره منها وفقا للقانون، والله اعلم. 



الاسعدي للطباعة ت : 772877717