النشوز والشقاق بين الزوجين

 

النشوز والشقاق بين الزوجين

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

استقر في الأذهان ان النشوز مصطلح خاص بالزوجات فقط في حين ان الشريعة الإسلامية تقرر ان النشوز قد يعتري الزوج كما يعتري الزوجة كما سنرى، كما مسألة النشوز مراحل فلايتدخل القضاء الا اذا كان النشوز قد استحكم ووصل الى مرحلة الشقاق بين الزوجين كما سنرى ؛ فاذا وصل الى هذه المرحلة فتترتب عليه اثار على النفقة بل وعلى عقد الزواج ذاته؛، حيث ان غالبية القضاة يتعرضون للنشوز او الشقاق بمناسبة نظره في قضايا الفسخ والنفقات والخلع وغيرها ؛ولذلك فان هذا لموضوع  يحتاج الى بيان ماهيته ومظاهره وأسبابه وكيفية إثباته امام القضاء والاثار المترتبة عليه، ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27/9/2010م في الطعن الشخصي رقم (43601) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان زوجة تقدمت أمام المحكمة الابتدائية مدعية بان زوجها كان يسبها ويشتمها ويضربها ويهينها وامتنع عن توفير مسكن لها وانها مقيمة في بيت اهلها مع اولادها وطلبت في دعواها بفسخ زواجها لهجر زوجها لها واضراره بها وعدم إنفاقه عليها؛ فرد الزوج بالانكار وقدم دعوى مقابلةطلب فيها الزام الزوجة بالعودة الى بيت الزوجية والحكم بنشوزها واسقاط النفقة عليها، وبعد ان سارت المحكمة في اجراءات نظر القضية توصلت الى الحكم (بعدم قبول دعوى الفسخ المقدمة من المدعية لعدم توفر اسبابه وقبول دعوى المدعية بشأن النفقة الماضية والمستقبلية وإلزام المدعى عليه بدفع النفقة للفترة الماضية وذلك لسنة سابقة على رفع الدعوى شاملة فترة التقاضي المحددة بما يقارب ستة اشهر وذلك مبلغ عشرة الاف ريال في كل شهر تدفع للمدعية وإلزامه بدفع نفقة مستقبلية مبلغ وقدرة خمسة عشر ألف ريال تدفع لأولاد المدعى عليه في كل شهر ودفع نفقة شهرية للمدعية والزام الزوجة المدعى عليها فرعياً بالرجوع إلى بيت زوجها والزام الزوج بدفع مصاريف التقاضي) فلم يقبل الزوجان بالحكم فقاما باستئنافه فقضت محكمة الاستئناف بتعديل الحكم الابتدائي بحذف النفقة المحكوم بها للزوجة ، وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي ( بان ما ادعته المدعية كسبب لطلب الفسخ بقولها ان زوجها كان يقوم بسبها واهانتها فان المحكمة لم تقف على أي دليل على ذلك كما ان  الزوجة لاتستحق النفقة لثبوت نشوزها) فلم تقبل الزوجة بالحكم الاستئنافي فقامت بالطعن بالنقض في الحكم فرفضت الدائرة الشخصية الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا ( لان الثابت أن الطاعنة غادرت بيت زوجها مع أولادها دون مبرر شرعي ولم تنكر ان زوجها قد ارسل اليها المراجعين ولكنها رفضت العودة الى بيت زوجها لذلك فان الحكم بنشوزها وسقوط حقها في النفقة في محله  وكذا الحكم برفض دعواها بطلب الفسخ لعدم ثبوت سببه ولذلك فان الحكم الاستئنافي موافق للشرع والقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية النشوز وإمكانية وقوعه من الزوج والزوجة :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد ان الزوجة قد ادعت بأن زوجها كان يسبها ويشتمها ويهينها وهذه مظاهر نشوز الزوج كما ان الحكم قد قضى بنشوز الزوجة، وهذا الامر يقتضي الاشارة الموجزة الى ماهية النشوز وكيفية وقوعه سواء من قبل الزوج أو الزوجة، فالنشوز في الشرع والفقه هو التكبر والترفع والارتفاع ولذا يقال صوت ناشزً اذا كان مرتفعا، وعلى هذا يكون النشوز هو تكبر وترفع أحد الزوجين على الأخر والاستهزاء به والسخرية منه واحتقاره، وقد اشار القران الكريم الى نشوز الزوجة بقوله تعالى {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} واشار أيضاً إلى نشوز الزوج فقال تعالى {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا} وعلى هذا الاساس فان نشوز الزوجة يكون  بترفعها وتكبرها على زوجها وعدم طاعة اوامره وتوجيهاته الشرعية مثلما حصل من الزوجة في القضية التي تناولها الحكم، حيث غادرت المنزل من غير اذنه كما انها لم تستجب لمراجعاته وطلباته المتكررة بعودتها الى منزل الزوجية، كما يقع النشوز من الزوج حينما يسب زوجته أو يهينها أو يحتقرها ؛وقد ادعت الزوجة في القضية التي تناولها الحكم بان زوجها كان يهينها ويسبها وذلك يعد نشوزا من الرجل إلا ان الزوجة عجزت عن إثبات ذلك فلم يحكم لها القاضي ؛ اما الزوج فقد تمكن من اثبات نشوز الزوجة فحكمت له المحكمة بذلك، ويحدث النشوز بسبب وجود تفاوت بين الزوجين من حيث المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والشرعي، ولكن الجانب الشرعي اذا توفر بين الزوجين فانه يردم الفجوة الفارقة بينهما المسببة للنشوز والنفور.

الوجه الثاني : النشوز والشقاق بين الزوجين :

لا يخلو بيت زوجية من النشوز لكن النشوز  يتفاوت بين الازواج ولذلك فالأصل ان تتم معالجة النشوز من قبل الزوجين  عن طريق الوعظ والهجر والضرب يقول الله تعالى {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عليهن سبيلاً} وكذلك مواجهة نشوز الزوج عن طريق مصالحة الزوجة لزوجها ومراضاته يقول تعالى {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلح خير} ، ولكن النشوز اذا لم تتم معالجته فقد يتحول الى شقاق بين الزوجين وخلاف قد يصل الى القضاء مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، لان الشقاق بين الزوجين مرحلة خطيرة ثالية للنشوز، فعندما لا تفيد تدابير الوعظ والهجر والمراضاة بين الزوجين فان الامر يستدعى تدخل الغير من محكمين وقضاء يقول الله تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّه بينهما} ويعبر الفقهاء عن شقاق الزوجين بعبارة جامعة مانعة بقولهم : الشقاق هو استحكام الخلاف بين الزوجين أي ان الخلاف العادي أو النشوز العادي بين الازواج لا يخلو منه بيت زوجية لكنه اذا استحكم بين الزوجين ولم تجد معه الوسائل المقررة بين الزوجين لمعالجته فقد صار مستحكماً أو شقاق بين الزوجين.

الوجه الثالث : تأثير النشوز أو الشقاق على عقد الزواج:

ذكرنا ان النشوز لا يكاد يخلو منه منزل زوجية حيث تتم معالجته بين الزوجين دون حاجة إلى تدخل القضاء أو المحكمين ولكنه قد يتطور الى شقاق اذا استمر النشوز بين الزوجين وتكرر فانه يتحول الى شقاق قد يؤدي الى الفرقة بين الزوجين عن طريق فسخ الزواج للضرر أو سوء العشرة أو للشقاق أو الفسخ لاستحكام الخلاف بين الزوجين، وهذه المسميات (الفسخ للضرر + الفسخ لسوء العشرة + الفسخ للشقاق – الفسخ لاستحكام الخلاف) مسميات للفسخ موجودة في قوانين الاحوال الشخصية في الدول العربية، اما قانون الاحوال الشخصية اليمني فقد استعاض عن ذلك بتقريره مسمى (الفسخ للكراهية) وهو خليط بين الفسخ للضرر والخلع ولنا بحث  محكم منشور في هذا الموضوع في مجلة البحوث التابعة للمركز القومي الفلسطيني للبحوث بعنوان (فسخ عقد الزواج للكراهية).

الوجه الرابع : تأثير النشوز على نفقة الزوجة :

اذا تطور النشوز واستحكم وغادرت الزوجة منزل الزوجية من غير اذن زوجها وذهب اليها الزوج مراجعاً لها ومطالباً بعودتها إلى منزل الزوجية وارسل الى اهلها الوسطاء والموفقين واستجاب الزوج لطلباتها الشرعية بحسب وسعه وطاقته وإمكانياته فرفضت الزوجة ذلك فانها تكون ناشزاً ويكون نشوزها وشقاقها سبباً موجباً لسقوط نفقتها، والله اعلم.