جهالة موضوع التحكيم
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
موضوع
التحكيم هو الشى المتنازع عليه بين اطراف التحكيم،ولذلك فهو يحدد نطاق مهمة
المحكمين وهو يحدد أيضاً نطاق الخصومة التحكيمية،وعلى هذا الاساس ينبغي ان يكون
موضوع التحكيم معلوماً علماً نافياً للجهالة حتى يكون المحكمون والخصوم على بينة
من الأمر حسبما قضى الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18/11/2018م في الطعن رقم (60432)
وتتلخص وقائع القضية ان محكمة الاستئناف ابطلت حكم تحكيم لان موضوع التحكيم
المذكور في وثيقة التحكيم كان عاماً بعبارة(حل جميع الخلافات بين الطرفين) كما ان
هناك وثيقتان للتحكيم الأولى تضمنت اسماء اثنين من المحكمين والثانية تضمنت اسم
واحد من المحكمين وقد تمت صياغة موضوع التحكيم في الوثيقتين بصيغة عامةوهي (حل
جميع الخلافات بين الطرفين)، وقد قام المدعى عليه بالبطلان بالطعن بالنقض في الحكم
الاستئنافي غير ان الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد
ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وبمناقشة الدائرة لمناعي الطاعن فقد وجدت انها غير
مؤثرة في صحة وسلامة الحكم المطعون فيه لان الثابت من وثيقتي التحكيم الأولى
والثانية انهما قد تضمنتا ان
موضوع التحكيم (حل جميع الخلافات )مما يجعل موضوع النزاع في وثيقتي التحكيم التي
يستمد منها المحكمون ولايتهم لم تحددا موضوع النزاع تحديداً نافياً للجهالة)
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : ماهية
موضوع التحكيم وبياناته :
موضوع التحكيم هو أهم
البيانات التي يجب ان تشتمل عليها وثيقة التحكيم، موضوع التحكيم هو الشى المتنازع
عليه بين اطراف التحكيم الذي تم الاتفاق على احالته أو إسناده إلى المحكمين للفصل
فيه بموجب وثيقة التحكيم، فموضوع التحكيم هو النزاع الذي استدعى تحرير وثيقة
التحكيم، وبمعنى آخر فان موضوع التحكيم عبارة عن تدوين النزاع الناشب بين
المحتكمين في وثيقة التحكيم،وبناء على ذلك يجب ان يكون موضوع التحكيم معلوماً عاما
نافيا للجهالة حيث يتم تحديده بجنسه اونوعه ووصفه ومكان وجوده وحدوده، فاذا كان
النزاع على أرض فينبغي تحديد مكانها واسمها وحدودها وإن كان النزاع على نقود
فينبغي تحديد جنسها ريال أم دولار، غير انه لا يلزم ان يذكر مقدارها عندما يكون
ذلك محل نزاع بين الطرفين، والخلاصة انه ينبغي ان تتضمن وثيقة التحكيم موضوع
التحكيم الذي يجب أن يتضمن بدوره كافة البيانات اللازمة التي تميزه عن غيره وتجعله
معلوماً علماً نافياً للجهالة، أي أن يكون موضوع التحكيم معلوما ومميزا عن غيره
عند اطراف التحكيم وهيئة التحكيم وللأشخاص المعنيين والجهات المعنية فلا يكفي ان
يكون معلوماً علماً نافياً للجهالة بالنسبة للمحكمين والمحتكمين فقط.
الوجه الثاني : أهمية
وضوح بيانات موضوع التحكيم أو الشيء محل النزاع بين اطراف التحكيم :
بيان موضوع التحكيم
او الشيء المتنازع عليه بين اطراف التحكيم وتمييزه عن غيره له اهمية بالغة تظهر من جوانب مختلفة، فهو من ناحية يجعل مهمة
هيئة التحكيم مفهومة ومعلومة ومحددة مما يسهل عملية الفصل في النزاع كما ان ذلك
يسهل على المحتكمين إجراءات الخصومة التحكيمية حتى لا يتشعب النزاع بينهم ويخرج عن
نطاقه المحدد في وثيقة التحكيم، كما ان ذلك يحدد المحكمة المختصة عندما يقرر المحكمون الاستعانة بها في بعض المسائل التي
اجاز القانون فيها لهيئة التحكيم الاستعانة بالمحكمة، وكذا في تحديد محكمة
الاستئناف المختصة بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم، كما ان تحديد موضوع التحكيم له
أهمية في تحديد ما اذا كان من الجائز التحكيم في الموضوع أو ذاك، فهناك مواضيع
يمنع القانون التحكيم فيها حسبما ورد في المادة (5) تحكيم، كما تتعذر الرقابة
القضائية على حكم التحكيم اذا كان موضوع التحكيم غير محدد أو معلوم علماً نافياً
للجهالة فمثلا لاتستطيع محكمة الاستئناف التحقق مما إذا كان المحكم قد تجاوز
اختصاصه المحدد في وثيقة التحكيم.
الوجه الثالث : وجه
الجهالة في عبارة (حل جميع الخلافات بين الطرفين) :
ذكر الحكم محل
تعليقنا ان عبارة (حل جميع الخلافات بين الطرفين) مجهولة لانها لم تحدد مكان
النزاع أو نوعه أو وقته، لان الخلافات بين الطرفين قد تكون كثيرة فهناك خلافات
ماضية خلافات حاضرة والخلافات الحاضرة
مختلفة ومتنوعة، فمثلاً الخلاف على الأراضي يتعدد بتعدد الاراضي كما ان الخلافات
تتعدد بتعدد معاملات الطرفين فاذا كانت هناك خلافات عدة بين الطرفين المحتكمين
فكان ينبغي ذكرها وذكر مكانها ونوعها بدلاً من ذكرها مجملة (حل جميع
الخلافات)، والله اعلم.
الاسعدي للطباعة ت : 772877717