سراية الاصابة بعد الحكم بالارش والتعويض

سراية الاصابة بعد الحكم بالارش والتعويض

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

يتم الحكم القضائي بالأرش والتعويض عن الاصابة وتكاليف العلاج بعد  شفاء وثبات الاصابة واستقرارها، فيتحصن الحكم القضائي بمضي المدة المقررة للطعن ، إلا  أنه في حالات كثيرة تستجد بعد الحكم اصابات واضرار ناتجة عن الاصابة السابقة،  فلاريب ان هذه المسالة تستوجب الاشارة إلى كيفية التعامل معها، ولأهمية هذه المسألة فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر من الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/4/2011م في الطعن الجزائي رقم (40481) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن النيابة العامة اتهمت أحد الاشخاص بالشروع في قتل إبن عمه حيث اطلق النار فاصاب اسفل بطن المجني عليه، وطلبت النيابة من المحكمة معاقبة المتهم وفقاً للمادتين (16 و 236) عقوبات، وقد تقدم المجني عليه بدعواه المدنية التبعية، وقد خلصت المحكمة الابتدائية إلى الحكم في على المتهم (بالاكتفاء بالمدة التي قضاها في الحبس والزام المتهم بتعويض المجني عليه عما اصابه  من اضرار مادية ومعنوية وما خسره في العلاج وذلك مبلغ ثلاثمائة الف ريال والزام المتهم بدفع ارش الجائفة وقدره مائتان وثلاثة وثلاثون الف ريال) فلم يقبل المجني عليه بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه، وبعد إجراءات المحاكمة توصلت الشعبة الجزائية إلى تأييد الحكم الابتدائي في كل فقرات منطوقه  باستثناء الارش حيث قضت الشعبة (بتعديله من أرش الجائفة إلى أرش العجز الجنسي وذلك دية كاملة لذهاب منفعة العضو التناسلي وعدم القدرة على الانتصاب بموجب التقرير الطبي وقد جاء في اسباب الحكم الاستئنافي (أنه في اثناء نظر الشعبة قررت احالة المجني عليه  إلى اللجنة الطبية بالمستشفى الحكومي لفحصه وموافاة المحكمة بتقرير عن حالته ،وبعد عدة جلسات قدم المجني عليه تقريرا طبياً من المستشفى الخاص الذي تم اسعافه اليه ومعالجته وإجراءات العمليات  الجراحية فيه بعد الواقعة، وقد ورد في ذلك التقرير ان المجني عليه يعاني من ضعف جنسي وعدم قدرة على انتصاب ذكره، وبرجوع الشعبة إلى أوراق القضية فقد وجدت أن الارش الذي قضى به الحكم الابتدائي كان أرش جائفة ،لذلك فان الأمر يستلزم من الشعبة الحكم للمجني عليه بالأرش الشرعي للعجز الجنسي بالإضافة إلى المبالغ المحكوم له بها في الحكم الابتدائي وهي تكاليف العلاج والتعويض والمخاسير) فلم يقبل المتهم بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض، وقد قبلت الدائرة الجزائية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (أن الاستئناف قد تم قبوله مع أنه تم تقديمه بعد مضي أكثر من خمسة أشهر من تاريخ صدور الحكم الابتدائي بالمخالفة للقانون، في الوقت الذي كان فيه الحكم الابتدائي قد تحصن ويعتبر نهائياً) وسيكون تعليقنا على الحكم بحسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : إشكالية الحكم بالأرش وسراية الجراح بعد الحكم :

يصدر التقرير الطبي في تاريخ معين يحدد نوع الاصابة كما هي في تاريخ الفحص الطبي للمجني عليه وفي ضوء ذلك التقرير يقوم القاضي المختص أو غيره بتقدير ارش الجناية بحسب ما ورد في التقرير الطبي ويتم الحكم بالأرش بموجب ذلك، وفي حالات كثيرة تتضاعف الجراح وتتفاقم وتسري إلى جراحات اخرى مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، فان الحكم الابتدائي قضى بأرش الجائفة وقد كان المجني عليه قانعاً بالارش المحكوم به إلا أنه بعد الحكم تضاعفت الاصابة وتفاقمت حتى ترتب عليها جراح أو اصابة اخرى وهي ذهاب منفعة العضو التناسلي للمجني عليه وأرشها هو الدية كاملة، في حين كان أرش الجائفة هو ثلث الدية فقط ،ولذلك فقد قام المجني عليه باستئناف الحكم الابتدائي بعد مضي المدة المقررة قانونا للاستئناف ً، ومن المقرر شرعاً أنه لا يتم تحديد الأرش الا بعد شفاء الاصابة من الجراح وضبطها حتى يكون الجرح والارش منضبطان (التشريع الجنائي الاسلامي، أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين ص132) إلا أن بعض الاصابات تسري بعد شفاء الجراح الاصلية مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثاني : عدالة الحكم بالأرش وميعاد الطعن بالحكم :

الأحكام القضائية تبنى على الظاهر ومن ذلك الحكم بالأرش ،فالقاضي يحكم بالأرش حسبما يتم تحديده وتقديره وقت الحكم، ولذلك فان الحكم بالأرش في هذه الحالة عادل وموافق للواقع والحقيقة، ولكن بعد مضي المدة المقررة قانونا للطعن بالحكمً قد تظهر حقائق  ومعطيات جديدة أو بمعنى أخر تظهر اضرار واصابات جديدة ناجمة ومترتبة ومرتبطة بالجنايات والاصابات الاصلية التي سبق الحكم بها واستقر الحكم ، فعندئذ يثور جدل عن حكم سراية الاصابات القديمة إلى الاصابات والاضرار الجديدة بعد مضي مدة الطعن بالحكم، فلا شك أن هذه الاصابات والاضرار الجديدة الناجمة بعد صدور الحكم النهائي أو البات لم يتم الحكم بها،لانها  وان كانت ناجمة عن الاصابة السابقة الا وقائع جديدة حصلت بعد الحكم بالاصابة الاصلية السابقة.

الوجه الثالث : جواز رفع المصاب لدعوى جديدة للمطالبة بالأرش والتكاليف والتعويضات عن الاصابات التي تجددت بعد الحكم النهائي أو البات :

الاصابات والاضرار التي تظهر في المصاب بعد الحكم البات أو النهائي نتيجة الاصابة السابقة لم يتم الحكم والفصل في هذه الوقائع الجديدة  بموجب الحكم السابق النهائي أو البات اذ أن هذه الوقائع جدت بعد مضي بعد الطعن أو استنفاد طرق الطعن، ولذلك فان لها حكمها حسبما يقرر الفقهاء بقولهم : مااستجد بعد الحكمّ فله حكمه (البحر الزخار للأمام المرتضى 3/161) ولذلك فانه يجوز للمصاب أن يرفع دعوى جديدة ابتدأ للمطالبة بالأرش عن الاصابة الجديدة التي سرت اليها الاصابة القديمة وكذا للمطالبة بتكاليف العلاج والتعويضات وغير ذلك، وعليه وجوباً في هذه الحالة أن يقدم التقارير الطبية الموثوق بها التي تدل على أن الاصابات الجديدة وارشها وعلاجها ناجم عن الاصابة القديمة المحكوم بها في الحكم السابق، والله اعلم.