الطعن في القرار بالتماس إعادة النظر

 

الطعن في القرار بالتماس إعادة النظر

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

اجاز القانون التماس اعادة النظر في الأحكام النهائية والباتة في حالات حددها القانون على سبيل الحصر، وقد اجاز القانون ذلك لمقاصد وغايات، وبما أن الاحكام النهائية هي التي لا يتم الطعن فيها فأن طلب التماس اعادة النظر يتم تقديمه إلى المحكمة المصدرة للحكم الملتمس فيه، وبموجب هذا الطلب تقوم المحكمة بالفصل في طلب الالتماس وعندئذ وفي حالات كثيرة يبادر اطراف الالتماس باستئناف الحكم أو الطعن فيه والتعامل مع المحكمة الابتدائية في طلب الالتماس كما لو أن الحكم الصادر في طلب الالتماس حكم عادي حيث يتم استئنافه في كل الاحوال ثم الطعن فيه بالنقض أمام المحكمة العليا وهذا أيضاً من ضمن أسباب إطالة إجراءات التقاضي مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31/5/2010م في الطعن المدني رقم (36038) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن ورثة تقدموا أمام المحكمة الابتدائية بطلب التماس إعادة النظر في حكم ابتدائي نهائي صادر من تلك المحكمة الابتدائية قبل أثنين وعشرين عاماً، وقد تضمن طلب الالتماس أسباب الالتماس وهي أن الحكم صدر بالغش من الملتمس ضده وأن الورثة الملتمسون قد عثروا على أوراق قاطعة في الموضوع كانت لدى الغير وأن الحكم الملتمس إعادة النظر فيه قد صدر على اشخاص لم يكونوا خصوماً في الدعوى ولم يمثلوا تمثيلاً صحيحاً، الا أن المحكمة الابتدائية قررت عدم قبول الالتماس شكلاً، وقد ورد في أسباب القرار الابتدائي أن الحكم الملتمس فيه قد صدر قبل اثنين وعشرين سنة تقريباً وأنه تم استئناف الحكم من قبل المحكوم عليهم في حينه غير أنهم لم يتابعوا إجراءات استئنافهم مما جعل الحكم الابتدائي نهائياً فلم يقدم المحكوم عليهم التماسهم  في الميعاد المقرر قانونا إلى المحكمة التي أصدرت الحكم فقد فات حقهم في الالتماس لان الالتماس له مدة محددة هي ثلاثون يوماً يتم احتسابها بحسب الحالات المنصوص عليها في المادة  ( 304) مرافعات فلم يقبل الورثة الملتمسون بالحكم الابتدائي فقاموا باستئنافه إلا أن الشعبة المدنية الاستئنافية لم تقبل استئنافهم، وقد ورد في أسباب الحكم الاستئنافي (أن القرار المطعون فيه لم يتناول الالتماس من حيث الموضوع وانما قضى بعدم قبول الالتماس شكلاً وهذا القرار لا يجوز الطعن فيه لان المادة (313) مرافعات نصت على أن (الحكم الصادر بعدم قبول الالتماس شكلاً أو بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً لا يجوز الطعن فيه بالالتماس ولا بأي طريق أخر أياً كانت المحكمة التي اصدرته...) فلم يقنع الورثة الملتمسون بالحكم الاستئنافي فقاموا بالطعن فيه بالنقض، إلا أن الدائرة المدنية حكمت بعدم جواز الطعن موضوعاً، وقد ورد في اسباب حكم المحكمة العليا ( لما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن المحكمة الاستئنافية قد أقامت قضاءها على أساس قانوني صحيح من القانون لما ذكرته في أسباب حكمها : وبما أن القرار المطعون فيه لم يتناول الالتماس من حيث الموضوع وإنما قضى بعدم قبول الالتماس شكلاً لان مثل هذه القرارات لا يجوز الطعن فيها وفقاً للمادة (313) مرافعات التي نصت على أن (الحكم الصادر بعدم قبول الالتماس شكلاً أو بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً لا يجوز الطعن فيه بالالتماس ولا بأي طريق أخر أياً كانت المحكمة التي اصدرته ولما كانت الاسباب السابقة تكفي لحمل الحكم عليها فأن ذلك يقتضي رفض الطعن موضوعاً) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم  حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : الغاية من تشريع التماس إعادة النظر :

التماس إعادة النظر في الأحكام النهائية طريق طعن استئنافي لا يجوز سلوكه إلا في الحالات التي حددها القانون على سبيل الحصر، وفي هذا المعنى نصت المادة (304) مرافعات على أن (التماس إعادة النظر في الأحكام طريق استئنافي للطعن فيها لا يجوز للخصوم اتباعه الا عند تحقق احدى الحالات الأتية : -1- اذا تبين للمحكوم عليه بعد صدور الحكم وقوع غش من خصمه كان من شأنه التأثير في الحكم -2- اذا حصل بعد الحكم اقرار بتزوير الأوراق التي بني عليها أو قضى بتزويرها -3- اذا كان الحكم قد بني على شهادة أو يمين قضي بعد صدوره بأن الشهادة زوراً وبأن اليمين كاذبة -4- اذا حصل الملتمس بعد صدور الحكم على أوراق قاطعة في الدعوى كانت لدى الغير دون علم الملتمس بها أو كان خصمه قد احتجزها أو حال دون تقديمها -5- اذا كان الحكم ـــ على شخص لم يكن خصماً في الدعوى -6- اذا صدر الحكم على شخص طبيعي أو اعتباري لم يكن ممثلاً تمثيلاً صحيحاً في الدعوى -7- اذا ظهر عند تنفيذ الحكم أنه قضى بشيء لم يطلبه الخصوم أو باكثر مما طلبوه -8- اذا ظهر عند تنفيذ الحكم تناقض بعض منطوق الحكم مع البعض الاخر) ومن خلال مطالعة النص السابق نجد أن حالات الالتماس عبارة عن ظهور ادلة أو حقائق يقينية بعد صدور الحكم تدل على أن الحكم الملتمس فيه قد أعتمد على أدلة ثبت عدم صحتها أو ظهور حقائق وأدلة لو كانت منظورة أمام القاضي قبل صدور الحكم لما قضى على النحو الوارد في منطوق الحكم،اوظهور تجاوز في الحكم من حيث اطرافه او فيما قضى به، وهذه الحالات لا تحدث الا نادراً وبصفة استثنائية، ولذلك كان التماس اعادة النظر طريق استثنائي لمعالجة هذه الحالات الاستثنائية، ولذلك فان غاية التماس إعادة النظر جعل الحكم موافقاً للحقيقة وعنوانا لها (التماس إعادة النظر، أستاذنا الاستاذ الدكتور نبيل إسماعيل عمر، ص82).


الوجه الثاني : جواز الطعن في الحكم بقبول الالتماس موضوعاً :

تقرر المادة (313) مرافعات جواز الطعن في الحكم بقبول الالتماس موضوعاً، فهذه المادة تنص على أنه (اما الحكم بقبول الالتماس موضوعاً وبتعديل الحكم محل الالتماس فيجوز الطعن فيه بالاستئناف أو النقض أن كان صادراً من محكمة ابتدائية أو استئنافية أما ان كان صادراً من المحكمة العليا فلا يجوز الطعن فيه مطلقاً) وجواز الطعن بالحكم الابتدائي أو الاستئنافي بقبول الالتماس له ما يبرره، لان الحكم في هذه الحالة حكم موضوعي ناقش مسألة موضوعية وفصل فيها لذلك فمن حق المحكوم عليه بالحكم الذي قبل الالتماس موضوعاً أن يطعن في هذا الحكم الذي احاله من محكوم له الى محكوم عليه لاسيما أنه لم يسبق لمحكمة الاستئناف أو للمحكمة العليا النظر في القضية لان الالتماس في هذه الحالة قد تم تقديمه أمام محكمة الموضوع أما اذا كان الحكم الذي قبل الالتماس قد صدر من المحكمة العليا فلا يجوز الطعن فيه عملاً بقاعدة (لا يجوز الالتماس بعد الالتماس) التي تستند إلى ضرورات استقرار المراكز القانونية ووجوب انهاء الخلاف وحسمه والوقوف به عند حد معين، فهذا الامر يقتضي وجوب منع توالي الطعون ،ومن تطبيقات ذلك عدم جواز الطعن بالحكم الصادر عن المحكمة العليا بقبول الالتماس (الوسيط، رمزي سيف، ص860).

الوجه الثالث : عدم جواز الطعن في رفض طلب التماس إعادة النظر :

قررت المادة (313) مرافعات في بدايتها عدم جواز الطعن في الحكم برفض طلب التماس اعادة النظر فقد نصت هذه المادة على أن (الحكم الصادر بعدم قبول الالتماس شكلاً أو بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً لا يجوز الطعن فيه بالالتماس ولا بأي طريق أخر أياً كانت المحكمة التي أصدرته) وعدم جواز الطعن في حكم رفض التماس إعادة النظر تستند إلى اعتبارات ضرورة استقرار المراكز القانونية فضلاً عن أن الملتمس قد قصر حينما قام بتقديم التماسه بعد فوات الميعاد، اما اذا كان الحكم برفض الالتماس موضوعاً فانه قد ثبت لدى المحكمة عدم صحة حالة الالتماس التي استند اليها طلب الالتماس فلا مجال بعدئذ للقول بالاستدراك (التعليق على قانون المرافعات، استاذنا المرحوم الاستاذ الدكتور أحمد أبو الوفاء، ص361)، والله اعلم.