الضرر يزال في العقارات

 

الضرر يزال في العقارات

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

 

من الاشكاليات العملية الواقعية ان كثيرا من الاشخاص في اليمن يظنون انهم احرار في افعالهم وتصرفاتهم طالما وهي تقع ضمن املاكهم وداخلها وطالما انهم قد التزموا بالمسافات القانونية, فمن الشائع ان يعمد بعض الاشخاص الى بناء حمام او غرفة تفتيش او خزان ارضي للمياه او خزان ملاصق لا بنية غيرهم او زراعة اشجار تمتد فروعها او جذورها الى املاك غيرهم, ومع ان قاعدة (الضرر يزال) من القواعد المستقرة في الفقه الاسلامي ومع ان هذه القاعدة منصوص عليها في القانون المدني الا ان هذه القاعدة قليلة التطبيق في الواقع العملي لقلة الوعي بها لان غالبية الناس لا يستحضرون هذه القاعدة عندما تتقاطع مع مصالحهم, لانهم يظنون ان هذه القاعدة عامة ومجردة لا تنطبق على افعال وتصرفات الاشخاص في املاكهم, ولذلك فقد سعى القضاء اليمني الى تطبيق هذه القاعدة (الضرر يزال) وبيان مجال ونطاق تطبيقها وانها تنطبق على الافعال والتصرفات المضرة حتى ولو كانت ضمن املاك الاشخاص الذين صدرت منهم تلك التصرفات, ومن الاحكام التي اظهرت هذا التطبيق الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2/1/2012م في الطعن المدني رقم (44324) لسنة 1433هـ وتتلخص وقائع القضية ان احد الاشخاص اقام بناء ملاصق للسمسرة المملوك لجاره وجعل حمام المنزل ملاصق للسمسرة وفي اثناء شروع الجار ببناء الحمام الملاصق للسمسرة حاول الجار مالك السمسرة منع جاره من بناء الحمام الملاصق لسمسرته الا ان الباني لم يمتنع لذلك قام صاحب السمسرة برفع دعواه امام المحكمة الابتدائية التي حكمت بإزالة بناء الحمام الملاصق لجدار السمسرة الغربي لثبوت حصول الضرر على ملك المدعي في حالة تمام واقامة ذلك البناء والزام المدعي عليه بدفع اتعاب المحاماة – وبعد صدور الحكم بادر المحكوم عليه باستئناف الحكم الابتدائي امام محكمة الاستئناف التي قضت بإلغاء الحكم الابتدائي والزام المستأنف بالتوقف على الجدار القائم دون زيادة او نقصان واعادة القضية الى محكمة اول درجة, فقام صاحب السمسرة بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي امام المحكمة العليا التي قضت بنقض الحكم الاستئنافي وخلاصة اسباب هذا الحكم (انه تبين للدائرة ان الطاعن بالنقض ينعي على الحكم المطعون فيه انه تجاهل الضرر الحاصل مع بناء حمام ملاصق لبناء الغير حيث حرر المطعون ضده التزاما امام المحكمة الابتدائية بعدم البناء الملاصق للسمسرة وان يترك حمى السمسرة في حالة البناء وذلك الالتزام هو اقرار من المطعون ضده بعدم وجود أي حق له في اقامة البناء الى عرض السمسرة غير ان الحكم الاستئنافي التفت عن ذلك, مخالفة بذلك القانون المدني الذي حدد حمى البيوت والمنازل ....الى اخر الطعن, والدائرة تجد ان الحكم المطعون فيه قد تجاهل ما يترتب على البناء الملاصق من ضرر لاسيما مع ضالة المساحة للمحل الذي يريد المطعون ضده البناء فيه اضافة الى ان ذلك يخالف القانون الذي يحدد حمى البيوت والابنية خاصة ان القانون المدني قد نص على ان (للجار ان يطلب ازالة المضار المحدثة الخ المادة (1162) وذلك هو ما تقضي به الشريعة الاسلامية الغراء – اما ما عللت به محكمة الاستئناف حكمها المطعون فيه من عدم ملاحظة أي ضرر من اقامة الجدار في محل النزاع الى الخ.... – فالدائرة تجد انه ليس لذلك وجه لأنه تعليل مخالف للواقع و للشريعة الاسلامية اضافة الى مخالفته ايضا للظاهر و طبيعة الحال) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الاوجه الاتية :

الوجه الأول : معنى قاعدة (الضرر يزال) :

هذه القاعدة تفرعت من قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) واصل هذه القاعدة الاصلية حديث النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) وترجع غالبية تطبيقات الفقه الاسلامي الى هذه القاعدة الاصلية حسبما هو مقرر في علم القواعد الفقهية, اما القاعدة المتفرعة منها وهي قاعدة (الضرر يزال) فتعني انه حيث وقع الضرر فانه يتوجب ازالته, لان الشريعة الاسلامية تمنع الضرر وتحرمه, فالواجب اولا على محدث الضرر نفسه ان يزيل الضرر الذي احدثه حتى لا يكون اثما مستحقا للعذاب حتى ولو لم يطلب منه ازالة الضرر كما يتوجب على جيران واقارب المحدث للضرر ان ينهونه عن المنكر وازالة الضرر وان لم يقم الجيران والاقارب بذلك فانهم آثمون لتعطيلهم واجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر, كما ان واجب الازالة يقع على عاتق القضاء اذا ما طلب منه ذلك مثلما قضى الحكم محل تعليقنا, وتقرر الشريعة الاسلامية ازالة الضرر بمقتضى قاعدة (الضرر يزال) لان الضرر مهلك للأنفس والاموال كما انه يورث الشحناء والبغضاء بين الجيران على خلاف مقاصد الشريعة من توفير الاحترام والود بين الجيران اضافة الوصول والحصول على اموال الغير جبرا عنهم وبغير طلب من انفسهم وذلك محرم بقوله صلى الله عليه وسلم (لا يحل مال أمرئ مسلم الا بطيب من نفسه)

الوجه  الثاني : موقف القانون اليمني من قاعدة (الضرر يزال) :

باعتبار القانون المدني هو الشريعة العامة والقانون الاساسي للقوانين فقد قرر قاعدة (الضرر يزال) وذلك في المادة (4) التي نصت على ان (الضرر يجب ان يزال ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح عند التعارض) وقد تم التأكيد على قاعدة (الضرر يزال) في المادة (1162) مدني التي نصت على ان (للجار ان يطلب ازالة المضار المحدثة اذا تجاوزت الحد المألوف مع مراعاة الاعراف وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة للآخر والغرض الذي خصصت له ولا يحول الترخيص الصادر من الجهات المختصة دون طلب ازالة الاضرار)

الوجه الثالث : ضوابط الضرر الذي يزال في العقارات :

من خلال دراسة معنى قاعدة الضرر الذي يزال وتنظيمها في القانون المدني يمكن الاشارة الى اهم ضوابط ومحددات الضرر الذي يزال فيما يتعلق بالعقارات وذلك على النحو الاتي :

1-     الاستمرار : فيشترط في الضرر الذي يزال في مجال العقارات ان يكون مستمرا او لمدة طويلة او متكرر الوقوع لمرات عدة, فهناك اضرار تقع لمرة واحدة كحفر الارض واستعمال المعدات الثقيلة في الحفر ونقل المخلفات فلا شك ان في ذلك اضرار بالجيران الا انه لا يحق للجار المطالبة بمنع الضرر وازالة في هذه الحالة لان الحفر واعمال البناء مؤقته ولكن يحق للحفر واعمال البناء مؤقته ولكن يحق للجار في هذه الحالة مطالبة جاره في هذه الحالة باتخاذ التدابير اللازمة لتقليل الاضرار المؤقتة ومنع تأثيرها المستقبلي, وتطبيقا لهذا الضابط فان بناء حمام او غرفة تفتيش او هواية مجاري ملاصقة للجار يكون ضررها مستمر ودائم حيث تنبعث منها الرائحة الكريهة والجراثيم المضرة التي تلحق الضرر الدائم والمستمر بالجار الملاصق لها ولذلك قضى الحكم محل تعليقنا بإزالة الحمام الملاصق لبناء الغير, كذلك يتحقق الضرر الدائم والمستمر في قيام الجار بحفر خزان ارضي للمياه ملاصق لملك الغير حيث يتضرر منه عقار الغير نتيجة تسرب الرطوبة ومثل زراعة الاشجار بمحاذاة جدار ملك الغير التي يتضرر الجار من جذورها التي تؤثر على الجدران او المزروعات في ارض الغير وكذلك يتضرر الجار من قيام جاره بممارسة مهنته في سكنه الملاصق لجاره مثل استخدام المنزل ورشة تستعمل فيها الآلات المزعجة بصفه مستمرة او تحويل قسم من المنزل الى مكتب للعمل ليلا يرتاده عملائه ليلا ويترتب على ذلك ازعاج جيرانه الملاصقين, وكذلك الحال اذا قام الجار بفتح نوافذ او مطلات دون ان يترك المسافة القانونية فكل هذه الاضرار يستمر ضررها وذلك يجيز للجار المتضرر ان يطلب ازالتها في أي وقت لان ضررها مستمر .

2-     ان تكون الاضرار غير مألوفة : فالأضرار المألوفة لا تزال مع انها تلحق الضرر بالجار الملاصق لأنه يتعذر الاحتراز منها فلا يخلو منها أي دار او جار  مثل رائحة الطبخ وصوت العصارة وصوت المكنسة وصياح الاطفال وغيرها من الاصوات المعتادة وفي الاوقات المعتادة اما اذا كانت هذه الاصوات تنبعث في الاوقات المعتادة للنوم وبصفة دائمة فان ذلك ضرر غير مألوف او غير معتاد ينبغي ازالته .

3-     العرف كضابط للضرر : العرف ضابط من ضوابط اضرار الجوار فهو الذي يحدد الاجهزة المنزلية التي تستعمل في المنازل والابنية عادة كما انه يحدد استعمالات المنازل والابنية عادة, كما ان العرف يحدد اوقات النوم والاشياء التي يجوز حيازتها او فعلها في المنازل والابنية .

4-     طبيعة العقارات : فطبيعة العقارات ضابط من ضوابط تحديد الضرر, فالعقارات السكنية المخصصة للمبيت والسكن يتحقق الضرر منها عن طريق تعطيل او انقاص منفعتها عن طريق ملاصقتها بورش تعمل طوال الليل والنهار او مطاعم او غيرها او تشغيل معامل تتضمن الآلات مزعجة او خزن مواد خطرة فيها .

5-     المسافات بين البنايات والعقارات : فهذا ايضا ضابط من ضوابط تحديد الضرر الموجب للإزالة فاذا لم تتوفر أي مسافة بين عقار وعقار او بناء وبناء حيث لم يترك الجار اية مسافة فضاء بينه وبين جاره فعندئذ تتسع دائرة الضرر فلا يحق له يجعل حمامه ملاصقا لجدار غيره ولا يجوز له ان يفتح نافذة الى فضاء جاره كما لا يجوز ان يزرع شجرة ....الخ, اما اذا ترك مسافة فضاء بينه وبين ملك غيره فعندئذ يتسع نطاق حريته في استقبال ملكه من غير قيد .

الوجه الرابع : الترخيص بإقامة البناء او النشاط المضر لا يمنع ازالة الضرر :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان صاحب البناء قد حصل على ترخيص بالبناء المشتمل على الحمام الملاصق لبناء غيره ومع ذلك قضى الحكم بإزالة ذلك الضرر وانه يتوجب على صاحب البناء ان يترك مسافة فيما بين الحمام الذي يعتزم بنائه وبين السمسرة المملوكة لجاره, كما ان الترخيص بإقامة ورشه او نادي لهو (اتاري) يعمل طول الليل بين ابنية سكنية لا يحول دون مطالبة الجيران بإزالته, لان الترخيص تمنحه السلطة العامة لمقتضيات وشروط عامة تهم السلطة العامة, فلا يعني هذا الترخيص مصادرة حق المتضررين في المطالبة بإزالة الضرر, وقد صرحت المادة (1162) مدني ان منح الترخيص بالبناء او بمباشرة النشاط المضر لا يحول دون مطالبة المضرور بإزالة الضرر، والله اعلم.