إدعاء القدرة على استخراج الكنوز

 

إدعاء القدرة على استخراج الكنوز

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

في المجتمع اليمني تتداخل مفاهيم كثيرة مع جرائم النصب والاحتيال مثل الشعوذة وادعاء القدرة على استخراج كنوز أو ماء أو ايجاد الحب بين القلوب أو التفريق بينهما أو جلب بعض الناس الى شيء أو مكان ما أو تنفيرهم منه أو القدرة على علاج الامراض المستعصية وغير ذلك، وغالبا ما تكون هذه الادعاءات صور من  الاحتيال والنصب، ولشيوع هذه الظاهرة في اليمن فانه من المهم الوقوف على كيفية تعامل الاحكام القضائية مع هذه المسائل اضافة الى ان هناك عيب في صياغة المادة (310)عقوبات بشان جرائم الاحتيال حبث توحي بان هناك احتيال حق واحتيال باطل ، ومن هذا المنطلق اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21/9/2010م في الطعن الجزائي رقم (40157) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان النيابة العامة احالت المتهم الى المحكمة بتهمة:انه توصل بغير حق الى فائدة مادية لنفسه هي عبارة عن بدلتين ذهب خليجي وسلس ذهب وثلاثة خواتم ذهبية وجنيهين ذهبيين مملوكة للمجني عليه بطرق احتيالية (نصب) وذلك بان أوهم المجني عليه بأنه يوجد كنز امام منزل المجني عليه وان المتهم قادر على اخراجه وسوف يقوم بإخراجه لحساب المجني عليه وطلبت النيابةمن المحكمة في قرار الاتهام معاقبة المتهم بعقوبة جريمة الاحتيال وهي اللعقوبة المقررة في المادة (310) عقوبات، وبعد ان سارت المحكمة في اجراءات نظر القضية خلصت الى الحكم بإدانة المتهم بالتهمة المنسوبة اليه الواردة في قرار الاتهام وحبس المتهم مدة ستة أشهر من تاريخ القبض عليه والزامه بإعادة الذهب الذي اخذه من المجني عليه، وقد ورد في اسباب الحكم الابتدائي ان التهمة ثابتة قبل المتهم من خلال اقواله في التحقيقات والاستدلالات كما يؤكد ذلك محضر الصلح الذي كان قد تم بين الطرفين امام أمن المديرية، فلم يقبل المتهم بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه، فقبلت الشعبة الجزائية الاستئناف حيث قضت ببراءة المتهم وانقضاء الدعوى المدنية بالتصالح ، وقد ورد في اسباب الحكم الاستئنافي (اما بالنسبة للدعوى الجزائية فانه لم ترد ادلة تثبت الجريمة المنسوبة للمتهم، اما الدعوى المدنية فقد انقضت بالتصالح فيما بين الطرفين لان الصلح عقد يرفع الخلاف، فلم يقبل المجني عليه بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا انه قام بتقديم الطعن بعد فوات الميعاد حيث قررت الدائرة الجزائية عدم قبول الطعن شكلاً، وقد ورد في اسباب حكم المحكمة العليا ( أن الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد صدر في حضور الطاعن ومحاميه ولم يقرر الطعن بالنقض وبعد مضي (95) يوماً من تاريخ النطق بالحكم قام الطاعن بإيداع مذكرة اسباب الطعن، ولما كانت مواعيد الطعن بالنقض محددة بأربعين يوماً من يوم النطق بالحكم عملاً بالمادة (437) إجراءات وحيث ان الطاعن لم يقرر الطعن خلال المدة المحددة في القانون فان الطعن يكون غير مقبول شكلاً) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم  حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : وسائل إدعاء القدرة على استخراج الكنوز :

يدعي بعض الاشخاص القدرة على استخراج الكنوز أو الوثائق أو الاشياء المفقودة حيث يذكر بعضهم ان وسيلتهم في ذلك هم الجن (الرصدة) الذين يرصدون اويحرسون الكنوز وبعضهم يدعي ان يتوسل الى استخراج الكنوز عن طريق (الزوهري) وهو مصطلح يطلق على ابناء الجن الذين يستبدلونه بابن من ابناء الانس عند ولادته حيث ينشاء ويترعرع بين والديه من الانس على انه من الانس في حين انه من ابناء الجن وعلامته ان عينيه مستديرتان لمعتان وفي اطرافهما اثار جروح، وهناك من الاشخاص من يدعون قدرتهم على استخراج الكنوز والمفقودات عن طريق (الزئبق الاحمر) وهناك من يدعون ان لديهم قدرات فوق الحسية (باراسكلوجيا) حيث يدعون ان قدراتهم الخارقة أو فوق الحسية تمكنهم من الوصول والاستدلال الى اماكن الكنوز والمفقودات، وهناك من يدعي ان لديه (قدرات أو خوارق العادة) التي تمكنه من ذلك، وهناك اخرون يدعون ان لديهم علم لدني (أي علم من لدى الله سبحانه وتعالى) قال تعالى { فوجدا عبداً من عبادنا ءاتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً } وقوله تعالى { وقال الذي عنده علم من الكتاب أنا ءاتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك }.

الوجه الثاني : استحالة إثبات وسائل القدرة على استخراج الكنوز تجعل ذلك احتيالاً:

وسائل القدرة على استخراج الكنوز والمفقودات وسائل كما سبق بيانه وسائل خفية يستحيل إثبات حقيقتها امام النيابة أو المحكمة ولذلك فإنها تكون من طرق الاحتيال والنصب وفقاً للمادة (310) عقوبات التي تنص على ان (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة من توصل بغير حق الى الحصول على فائدة مادية لنفسه أو لغيره وذلك بالاستعانة بطرق احتيالية (نصب) أو اتخذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة) ومفاد هذا النص ان من يتوسل بالوسائل السابقة ويدعي انه يستطيع بواسطتها استخراج الكنوز يكون قد اتخذ صفة غير صحيحة وفقاً لما ورد في نهاية المادة (310) السابق ذكرها وهي طريقة الاحتيال في هذه الحالة، فاذا اراد ان ينفي عن نفسه هذه التهمة فيجب عليه ان يثبت ان الصفة التي اتخذها صحيحة، فعليه إثباتها امام القضاء وتبعاً لذلك يقع هؤلاء جميعاً تحت طائلة المسئولية عن جرائم الاحتيال لان الاحكام القضائية تقام على الظاهر والله يتولى السرائر؛ فطالما ان هؤلاء لا يستطيع إثبات صحة صفاتهم في القدرة على استخراج الكنوز والمفقودات فتعد افعالهم من طرق الاحتيال المعاقب عليها قانوناً بمقتضى المادة (310) عقوبات، ومن الطريف في قضية مشهورة كانت منظورةامام محكمة غرب أمانة العاصمة 2002م تقريباً طلب مني القاضي الرأي الفني في ادعاء احد المتهمين الذي قدمته النيابة للمحاكمة بتهمة النصب حيث ادعى امام القاضي الجزائي ان لديه كرامات من الله سبحانه وتعالى تمكنه من اكتشاف الاشياء المفقودة وكان قد المجني عليه الى انه سيدله  الى الوثائق المفقودة على ابيه(البصائر والفصول) حيث افدت القاضي حينها : بان الكرامات في الشريعة الاسلامية حق ومحل اتفاق في الفقه الاسلامي عملاً بقوله تعالى { الله يجتبي اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب } وقوله تعالى { فأجتباه ربه فجعله من الصالحين } وقوله تعالى { وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث } إلا ان الكرامات في الشريعة الاسلامية لا تباع ولا تشترى لانها هبة الله وكرامة منه لعبده فمن تكسب بها فقد خالف مقصود الشارع، ولذلك ينبغي على المتهم إثبات كرامته امام القاضيحتى يحكم بمقتضاها.

مربع نص: الأسعدي للطباعة عن بعد / ت 772877717

الوجه الثالث : ادعاء القدرة على استخراج الكنوز والمفقودات من غير اخذ اجر:

من خلال المطالعة لنص المادة (310) عقوبات السابق ذكرها والحكم محل تعليقنا نجد ان الحكم الابتدائي كان قد ادان المتهم بجريمة الاحتيال لأنه ادعى قدرته على استخراج الكنز للمجني عليه وبواسطة هذه الوسيلة حصل على كميات من الذهب من المجني عليه، وبناءً على ذلك فان جريمة الاحتيال لا تقع الا اذا حصل المدعي بالقدرة  على مقابل بواسطة ادعائه، اما اذا ادعى هذه القدرة دون ان يحصل على مال او فائدة فلا تقع جريمة الاحتيال، وتبعاً لذلك فلا يسأل هؤلاء جزائياً وفقاً للقانون اما في الشريعة الاسلامية فان من يستعين بالجن آثم، علماً بانه يطلق على من لا يطلب مالاً على استخراج الكنوز (هواة البحث عن الكنوز) وهم موجودون في دول العالم المختلفة وقضاياهم كثيرة منظورة امام القضاء لاسيما في اسبانيا والمغرب والعراق.

الوجه الرابع : الاحتيال بحق في القانون اليمني وتوصيتنا :

من خلال مطالعة المادة (310) عقوبات يمني السابق ذكرها نجد انها قد قررت في بدايتها على معاقبة من توصل بغير حق الى الحصول على فائدة، في حين ان هذه العبارة لم يرد ذكرها في أي نص مماثل في القوانين العربية الاخرى فمثلاً المادة (326) عقوبات مصري  نصت على انه (يعاقب بالحبس كل من توصل الى الاستيلاء على نقود) فلم يرد في النص المصري حق او بغير حق كما هو الحال في القانون اليمني حيث توحي هذه الجملة ان هناك احتيال بحق واحتيال بدون حق ؛ فهذه العبارة سبب من اسباب تداخل النصب والاحتيال مع الفهلوة والشطارة والرجالة التي تعصف بالمحتمع اليمني، ولذلك فإننا نوصي : بحذف العبارة المشار اليها؛ والله اعلم.