عدم تقديم العون للقاضي يبطل الحكم

 

عدم تقديم العون للقاضي يبطل الحكم

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

لا يستطيع القاضي ان يستبين الحق إلا إذا تساوت اطراف الخصومة الجزائية في اجراءات التقاضي وتمكنت على قدم المساواة من تقديم الوجه دفاعها ومذكراتها وحججها واستدلالها بالنصوص والادلة، والمرافعة والمدافعة أمام القضاء تحتاج إلى خبرات ومهارات تخصصية يتقنها المحامون ، وفي حالات كثيرة يعجز المتهم المعسر عن الاستعانة بمحامي للترافع نيابة عنه أو اعداد الطعن نيابة عنه، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بان الحكم يكون باطلا  اذا لم يتم تقديم العون القضائي للمتهم المعسر وذلك بتكليف محامي معتمد  بإعداد عريضة الطعن بالنقض نيابة عن المتهم لاسيما إذا طلب المتهم ذلك ، فالحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20/12/2017م في الطعن رقم (59961) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان متهماً بجريمة قتل قضت المحكمة الابتدائية بإعدامه قصاصاً وأيدت الشعبة الجزائية ذلك وعندئذ طلب المتهم من الشعبة تقديم العون القضائي في اعداد عريضة طعن بالنقض لعدم قدرته على توكيل محامي للقيام بذلك، وبمناسبة العرض الوجوبي للقضية على المحكمة العليا باعتبار ان العقوبة هي الإعدام قضت الدائرة الجزائية بنقض الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (بعد المطالعة لمحتويات ملف القضية بما في ذلك الحكم الابتدائي والاستئنافي ومذكرة العرض الوجوبي فقد تبين للدائرة ان النيابة العامة قد قصرت في واجبها المتمثل في تقديم العون القضائي  للمحكوم عليه في مرحلة الطعن بالنقض امام هذه المحكمة خاصة مع اصرار المتهم وتمسكه بحقه في الطعن الثابت في المحاضر التي تم اجراؤها معه والتي رفض  التوقيع عليها بحجة تمسكه بحقه في الطعن بالنقض، فمن المعلوم ان حق تقديم العون القضائي لأي للمتهم أو المحكوم عليه المعسر حق دستوري كفلته المادة (9) إجراءات التي نصت على ان (حق الدفاع مكفول وللمتهم ان يتولى الدفاع بنفسه كما له الاستعانة بممثل للدفاع عنه في أي مرحلة من مراحل القضية الجزائية بما في ذلك مرحلة التحقيق وتوفر الدولة للمعسر والفقير مدافعاً عنه من المحامين المعتمدين ...الخ) الأمر الموجب لإعادة القضية إلى النيابة العامة للقيام بواجبها في منح المحكوم عليه العون القضائي اللازم لتقديم طعنه كما هو الحاصل في كثير من القضايا المرفوعة والتي الزمت فيها النيابة العامة نقابة المحامين بإعداد عرائض طعن عن المعسرين من المحكوم عليهم حتى وان كان غرض المحكوم عليه التطويل في المنازعة إلا أنه  بتمسك بحقه وهو حق قانوني) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : موقع حق الطعن بالنقض بين حقوق الدفاع :

حقوق الدفاع التي يتمتع بها المتهم كثيرة منها حقه في عدم التحقيق معه إلا بوجود محاميه وحقه في الاستعانة بمحام في اثناء إجراءات المحاكمة وحقه في التظلم والطعن في أية قرارات أو احكام تصدر عليه وغير ذلك، ومن خلال ذلك يظهر ان حق الطعن بالنقض حق من حقوق الدفاع، كما يلاحظ ان اغلب حقوق الدفاع ومن ضمنها الحق في الطعن بالنقض لا يستطيع المتهم مباشرتها الا عن طريق الاستعانة بمحام، وتقتضي طبيعة الطعن بالنقض ان يقوم بإعداده محام معتمد لدى المحكمة العليا لان قانون الإجراءات الجزائية قد اشترط ذلك في المادة (436) اجراءات،كما ان عريضة الطعن بالنقض تتضمن أسباباً قانونية تتعلق بمخالفة القانون او الخطأ في تطبيقه أو تأويله ...الخ، ولذلك فان المتهم يكون احوج ما يكون للعون القضائي في اعداد عريضة الطعن بالنقض.

الوجه الثاني : الحق في الطعن بالنقض مكفول في الدستور وقانون الإجراءات :

ورد ضمن أسباب الحكم محل تعليقنا الاشارة إلى النصوص الدستورية والقانونية التي تكفل حق الدفاع للمتهم وتوجب على الجهات المعنية احترام هذا الحق وتنفيذه، وقد سبق القول بان الحق في الطعن بالنقض يندرج من ضمن هذه الحقوق وان المتهم لايتمكن من هذا الحق الا بتكليف محامي معتمد بإعداد عريضة الطعن بالنقض نيابة عن المهم المعسر.

الوجه الثالث : الطعن بالنقض بين الحق والواجب :

حق الطعن بالنقض حق من ضمن الحقوق القضائية المكفولة في الدستور والقانون على النحو السابق بيانه، ولان الطعن بالنقض حق وليس واجباً فلا يجوز حمل المتهم على الطعن بالنقض، لان ذلك يتنافى مع مقتضى الحق، ولذلك فان هذا الحق عرضة للسقوط والتنازل مهما كانت العقوبة المحكوم بها على المتهم،فقد طالعت احكاماً كثيرة كان فيها المحكوم عليه بالإعدام يتنازل عن حقه في الطعن بالنقض ويصرح بذلك منهم الشخص الذي قتل اخاه والزوج الذي قتل زوجته، وطبعاً هذا التنازل عن الطعن بالنقض لا يخل بالعرض الوجوبي على المحكمة العليا اذا كانت العقوبة من عقوبات الحدود والقصاص.

الوجه الرابع : حق الطعن بالنقض والمساواة الإجرائية :

الحق في المساواة في الإجراءات قاعدة مستقرة في كل النظم الإجرائية بالعالم التي توجب ان يتمتع الخصوم بالحقوق الإجرائية ذاتها فمن غير المقبول وفقاً لهذه القاعدة ان لايتمكن خصم من استخدام الوسيلة الإجرائية المقررة له قانوناً كالحق في الطعن في حين يستطيع خصمه الاخر ان يستعمل الوسيلة، فقاعدة المساواة في الإجراءات ليست حقاً محضاً للخصوم بل انها مقصد من أهم مقاصد العدالة،فالقضاء لا يستطيع ان يتبين الحق من الباطل الا اذا تداعى امامه الخصوم وتمكنوا على قدم المساواة من استعمال حقوقهم الإجرائية.

الوجه الخامس : العون القضائي للمتهمين المعسرين يشمل اعداد عريضة الطعن بالنقض :

اسهب الحكم محل تعليقنا في أسبابه في بيان احقية المتهم المعسر في العون القضائي باعتباره حقاً دستورياً وقانونياً وان ذلك يشمل اعداد عريضة الطعن بالنقض حتى يتمكين المتهم المعسر من استعمال حقه الدستوري والقانوني مثله في ذلك مثل غيره من الخصوم، وصرح الحكم بانه اذا كان الحق في الطعن بالنقض بالنسبة للمتهم حقاً فان التزام الدولة بتقديم العون القضائي له يعد واجباً على الدولة حسبما هو ظاهر في النصين الدستوري والقانوني بشأن حق التقاضي وتقديم العون القضائي للمتهمين المعسرين.

الوجه السادس : العون القضائي التزام على الدولة تتولى تنفيذه نقابة المحامين وتوصيتنا :

اشار الحكم محل تعليقنا الى ان العون القضائي واجب يقع على عاتق الدولة التي تنظم إجراءات التقاضي وتكفل حُسن سيرها وتحقيقها للعدالة، فالدولة هي المسئولة والضامنة القيام بواجب العون القضائي للمعسرين حسبما هو مقرر في المادة (9) إجراءات التي ذكرها الحكم محل تعليقنا، وقد حدد قانون المحاماة في المادة (83) ان نقابة المحامين هي التي تتولى تنفيذ ارادة القضاة حينما يقرر تقديم العون القضائي كما بين النظام الأساسي لنقابة المحامين بين في المواد (من 131 إلى 135) بعض الإجراءات التنظيمية لتقديم العون القضائي للمتهمين في الجرائم الجسيمة المعسرين، غير ان هذا التنظيم لايكفي، ولذلك فإننا نوصي بضرورة ايجاد آلية تنسيقيةفيما بين مجلس القضاء الاعلى ونقابة المحامين، حتى يحقق العون القضائي للمتهمين الغايات المقصودة منه.

الوجه السابع : عدم تقديم العون القضائي للمتهم بجريمة جسيمة يبطل الحكم :

من خلال مطالعة أسباب الحكم محل تعليقنا ومنطوقه يظهر ان جزاء عدم تقديم العون القضائي للمتهم بجريمة جسيمة اذا كان معسر وطلب تقديم العون له يظهر بان جزاء الامتناع عن تقديم العون في هذه الحالة هو بطلان الحكم وهذا الجزاء مناسب لان تقديم العون واجب عند طلبه نظراً لأهمية اعداد عريضة الطعن بنظر محامي معتمد أمام المحكمة العليا وللاعتبارات السابق ذكرها فيما تقدم، والله اعلم.