شرط اختصاص القضاء الأجنبي في عقد العمل
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
يلتحق بعض العمال
اليمنيين في فروع البنوك والمؤسسات والشركات الاجنبية العاملة في اليمن، وتتضمن
بعض عقود عمل هؤلاء شىرطا ينص على اختصاص المحاكم في الدول التي تتبعها هذه
الشركات بنظر اية منازعات قد تحدث بين العامل اليمني والشركة الاجنبية التي يعمل
لديها اليمني في اليمن وان يتم تطبيق أحكام قانون تلك الدولة بدلاً عن تطبيق قانون
العمل اليمني، وقد كشف الحكم محل تعليقنا عن موقف القضاء اليمني من هذه المسألة
المهمة، فالحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا
في جلستها المنعقدة بتاريخ 10/2/2013م في الطعن رقم (47099) وتتلخص وقائع القضية
التي تناولها هذا الحكم ان اللجنة التحكيمية العمالية قررت عدم اختصاص القضاء
اليمني بنظر الدعوى العمالية المرفوعة من العامل الذي شغل مدير فرع الشركة
الاجنبية في اليمن لان عقد العمل المبرم فيما بين الطرفين قد تضمن انه عند حدوث أي
خلاف بشأن تنفيذ العقد وتفسيره يكون الاختصاص بنظر الخلاف للمحاكم الاجنبية في
الدولة التي يقع فيها المركز الرئيسي للشركة الاجنبية، فقام العامل اليمني
باستئناف قرار اللجنة التحكيمية حيث قبلت الشعبة الاستئناف وقضت بإلغاء الحكم
الابتدائي لان الاختصاص بنظر الدعوى ينعقد للقضاء اليمني، وجاء في اسباب الحكم
الاستئنافي (ان الحكم الابتدائي خالف المادة (96) مرافعات التي نصت على اختصاص
المحاكم اليمنية بنظر النزاعات المتعلقة بأجور العمل والالتزامات التي نفذت في
اليمن وتركت الخيار للمدعى ان يختار الاختصاص المكاني وإنما ورد في عقد العمل
المبرم فيما بين الطرفين يخالف المادة (32) عمل التي تنص على انه لا يجوز إبرام أي
عقد عمل فردي يتضمن شروطا مخلة بالضمانات المقررة للعامل في قانون العمل، فقامت
الشركة الاجنبية بالطعن بالنقض في الحكم فقبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت الحكم
الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (وهذه الدائرة بعد الرجوع إلى
مشتملات ملف القضية وجدت ان نعي الطاعنة في الحكم المطعون فيه بانه قد خالف
القانون في محله، فالشرط الوارد في عقد العمل باختصاص المحاكم في الدولة التي
يتبعها فرع الشركة في اليمن لا يخالف الدستور او القانون اليمني، لان الطرفين قد
اتفقا على إختيار المحكمة التي تنظر النزاع الذي قد يحدث بينهما، فهذا الأمر جائز
حسبما ورد في المادة (101) مرافعات التي تجيز اتفاق الخصوم مقدماً على إختصاص
محكمة معينة، فالمطعون ضده لم يتم اجباره على اختيار القضاء الاجنبي بل قد رضي
بذلك مقدماً حيث تنازل عن حقه في التقاضي امام القضاء الوطني، ثم ان الاختصاص
المكاني لا يتعلق بالنظام العام فيجوز الاتفاق على خلافه، وفوق ذلك فان الطاعن شخص
اعتباري يقع مركز ادارته ومقره الرئيسي في
عاصمة دولته، وزيادة في البيان فقد نظم القانون المدني في الفصل الثاني تنازع
القوانين من حيث المكان وذلك في المادة (29) التي حددت الآثار المترتبة على العقد
التي تضمنت عبارة (مالم يتفق المتعاقدان على قانون آخر أو تبين من ظروف الحال
أنهما قصدا تطبيق قانون آخر). وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في
الأوجه الأتية :
الوجه الأول : الإذعان وصيغة عقد العمل الذي تعده الشركة الاجنبية :
تقوم الشركات
الاجنبية خاصة العربية منها بإعداد صيغة عقد العمل مطبوعة يتم إعدادها من قبل
المستشارين والخبراء والإدارات القانونية التابعة لهذه الشركات حيث تراعي صيغة عقد
العمل هذه مصالح وحقوق هذه الشركات فقط دون إعتبار لحقوق ومصالح الطرف الآخر وهو
العامل، وتقوم هذه الشركات بإعداد صيغة عقد العمل بعد دراسات للمخاطر والاعباء
المترتبة على هذه الشركات من العقد،
وتستغل هذه الشركات ظروف ندرة فرص العمل في بعض كاليمن حيث تدرج هذه الشركات في عقود العمل ما تشاء من البنود
التي تحفظ مصالحها وحقوقها فقط وهي تدرك تماماً ان العامل لا يسعه الا التوقيع على
العقد فكل اهتمامه يتجه إلى الحصول على الوظيفة او العمل، فعقد العمل في هذه
الحالة يكون من عقود الإذعان لان الشركات الأجنبية في هذه الحالة تقدم العقدً إلى
العامل اليمني جاهزا للتوقيع عليه من قبل العامل، فهو لا يملك المفاوضة بشأن
البنود الواردة في العقد او تعديلها، وقد كان عقد العمل المشار اليه في الحكم محل
تعليقنا عقد إذعان بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات.
الوجه الثاني : الآثار والأضرار المترتبة على انعقاد الاختصاص بالمنازعات العمالية لمحاكم وقوانيين الدول الاجنبية:
تترتب على انعقاد
الاختصاص للمحاكم الاجنبية في الدول التي تتبعها الشركة لمقاضاتها امام المحاكم في
دولتها حيث ان غالبية الدول التي تضع هذا الشرط تمنع اصلا رعايا الدول الفقيرة من
دخول اراضيها وعلى افتراض ان الدول تسمح بذلك فانه يتعذر سفر العامل لاسباب مالية،
فكل العمال في الدول الفقيرة لا تتوفر لديهم الإمكانيات المالية للسفر فضلاً عن
دفع تكاليف المحامين والخبراء الباهضة في تلك الدول، ولذلك فان العامل يفضل ترك
حقه لدى الشركة الاجنبية.
الوجه الثالث : إنعقاد الاختصاص للمحاكم الاجنبية والنظام العام :
كان جانباً من النزاع
في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا يدور بشأن النصوص الدستورية والقانونية
التي تقرر اختصاص القضاء اليمني بالمنازعات التي تحدث في الإقليم اليمني لان ما
ورد في عقد العمل محل الخلاف ليس شرط تحكيم وإنما هو نزع إختصاص القضاء اليمني
وإسناده إلى القضاء الاجنبي بخلاف شرط التحكيم، إضافة إلى ان قانون العمل ينص في
المادة (32) على ان نصوص قانون العمل من
النظام العام الذي لا يجوز الاتفاق على خلافه أو إبرام اتفاقات من شأنها الإخلال
او الانتقاص من حقوق ومصالح العامل المقررة في قانون العمل، في حين ذهب الحكم محل
تعليقنا إلى وجوب إحترام إرادة المتعاقدين خاصة وان العامل لا ينازع في صحة العقد
أو يدعي إجباره على إبرام العقد، علماً بأنكثيرا من عقود الوكالات التجارية
للشركات الأجنبية في اليمن تتضمن بنداً مشابهاً ينص على أنه في حالة حدوث أي خلاف
بشأن تنفيذ أو تفسير العقد ينعقد الاختصاص لمحاكم الدولة التي تتبعها الشركة
الأجنبية، ومع ذلك فان قضاء المحكمة العليا في اليمن قد استقر على الحكم بإختصاص
القضاء اليمني في منازعات الوكالات التجارية بإعتبار إن اختصاص القضاء اليمني من
النظام العام الذي لا يجوز الاتفاق على خلافه، والله اعلم.