الضمانة التجارية على العامل تختص بنظرها المحكمة التجارية
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من
القواعد المستقرة في اليمن أن من متطلبات حصول العامل على العمل هو حصوله على
ضمانة تجارية، فهذه الضمانة من مسوغات تعيينه في العمل، وتثير الضمانة التجارية
على العامل إشكالات كثيرة، ومن ذلك المحكمة المختصة بنظر هذه الضمانة حسبما اشار
الحكم محل تعليقنا، وهو الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في
جلستها المنعقدة بتاريخ 12/2/2018م في الطعن رقم (59249) وتتلخص وقائع القضية التي
تناولها هذا الحكم ان عجزا حدث في امين صندوق احدى الشركات وقد تم اكتشاف هذا العجز عند جرد الصندوق وعند
ذلك لم يستطع امين الصندوق سداد العجز في
المبالغ التي نقصت في عهدته فقامت الشركة برفع دعوى أمام المحكمة التجارية على
كفيل امين الصندوق(الضامن) حيث طلبت الشركة من المحكمة الزام الكفيل بسداد مبلغ
العجز المتبقي بذمة امين الصندوق، فقدم الكفيل دفعاً بعدم اختصاص المحكمة التجارية
بنظر القضية ،لان العجز ليس ناتجاً عن عمل ونشاط تجاري، فقضت المحكمة الابتدائية
التجارية بقبول الدفع وعدم اختصاصها بنظر القضية وانعقاد الاختصاص للجنة التحكيمية
للفصل في دعاوى امين الصندوق وطلباته ضد الشركة وعاوي الشركة ضد امين الصندوق، وقد
عللت المحكمة الابتدائية حكمها بان (العلاقة القائمة فيما بين امين الصندوق
والشركة علاقة عمل اما العلاقة فيما بين الكفيل والشركة فهي تعني ضم ذمة الكفيل
إلى ذمة المكفول عليه وهو امين الصندوق
حسبما نصت المادة (1026) مدني ،وحيث ان التزام الكفيل لا يأتي الا منظماً
إلى التزام سابق هو التزام امين الصندوق وهو المدين الأصلي، فعقد الكفالة عقد تبعي
لعقد العمل لانه يتبع الالتزام الأصلي وجوداً وعدما)ً فقامت الشركة باستئناف الحكم
الابتدائي إلا ان الشعبة رفضت الاستئناف وأيدت الحكم الابتدائي ،فلم تقنع الشركة
بالحكم الاستئنافي فقامت بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي حيث قبلت الدائرة
الطعن وقضت بنقض الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا
(وبالرجوع إلى أوراق القضية فقد وجدت الدائرة ان اسم الكفالة - كفالة تجارية – وتم توثيق هذه الكفالة لدى
المحكمة التجارية وتمت المصادقة عليها من قبل الغرفة التجارية وقام المختصون
بالانتقال إلى المحل التجاري للضامن للتأكد من صفته كتاجر وقدرته المالية على
الوفاء بالكفالة مما يقطع بان صفة الضامن للتاجر معوّل عليها عند انشاء الضمانة
وتحريرها كما انه قد ورد في متن الضمانة التزام الكفيل بسداد ما يتسبب به المكفول
عليه من عجز أو نقصان أو ضياع العهدة المسلمة اليه خلال عمله،ولذلك لايجوز اهدار
عقد الوكالة الذي ابرمه الكفيل والمكفول له لأن ذلك يخالف مبدأ سلطان الارادة
للمتعاقدين، كما ان عقد الكفالة قد نشأ بين تاجرين وعقود التجار تجارية وان كان
العمل الذي يقوم به المكفول عليه ليس عملاً تجارياً إضافة إلى أن عقد الكفالة سابق
على إبرام عقد العمل إضافة الى انه ليس محل الكفالة العمل الذي يقوم به العامل من
جهد ذهني أو عضلي أو كليهما او الالتزامات التي يقررها القانون على العامل المكفول
عليه لمصلحة صاحب العمل فتلك الالتزامات لا تكون محلاً للكفالة المالية، ولذلك فان
الكفالة في هذه الحالة يتم ابرامها على أساس الالتزام بتسليم قيمة العهد المسلمة إلى
العامل أو ما قد يتسبب به من عجز أو نقصان أو ضياع، ولذلك فان المحكمة التجارية
تكون مختصة بنظر دعوى الكفالة) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في
الوجوه الأتية :
الوجه الأول : تكييف الضمانة التجارية على العامل :
الضمانة
التجارية او الكفالة حسبما سماها القانون هي ضم ذمة الى ذمة في المطالبة بتنفيذ
التزام، وتنعقد بإيجاب وقبول من الكفيل والمكفول له حسبما ورد في نص المادة (230)
تجاري، وبناءً على ذلك فإن الضمانة التجارية عقد فيما بين الكفيل والمكفول له أي
بين صاحب العمل الذي سيعمل لديه العامل وبين التاجر الضامن أو الكفيل، ولا يغير من
تكييف الكفالة كعقد كون تحريرها وصياغتها تتم بصيغة الاقرار على الورق الرسمي
للشركة أو المؤسسة أو المحل التجاري الكفيل مثل صيغة (اقر باني قد ضمنت لشركة ....
/أقر باني اكفل واضمن لشركة ....) لان الكفالة تكون بمثابة قبول للإيجاب الصادر من
الشركة أو المؤسسة التي تطلب من العامل الراغب في العمل لديها احضار كفالة أو
ضمانة تجارية من ضامن مقتدر.
الوجه الثاني : نوع الالتزام الذي يترتب على الكفالة أو الضمانة التجارية :
في
الوجه الأول ذكرنا ان الكفالة عقد فيما بين صاحب العمل الذي سوف يعمل لديه العامل
وبين التاجر الكفيل الذي تصدر منه الكفالة، وبناءً على ذلك فان الالتزام المترتب
على الضامن أو الكفيل قبل صاحب العمل هو التزام عقدي مستقل عن التزامات العامل قبل
صاحب العمل التي يرتبها عقد اخر وهو عقد العمل الذي يتم إبرامه فيما بين العامل
وصاحب العمل، وهذا يعني ان التزام الكفيل في مواجهة صاحب العمل التزام مستقل كما
ان العلاقة التي تنشاء فيما بين صاحب العمل والتاجر الكفيل علاقة عقدية مستقلة،
وهذا يعني جواز رجوع صاحب العمل مباشرة على الكفيل من غير حاجة إلى الرجوع على
العامل نفسه، وهذا الأمر مفهوم من تعريف الكفالة أو الضمانة بانها ضم ذمة إلى ذمة،
فمقتضى ذلك انه يجوز لصاحب العمل الرجوع على الكفيل منفرداً أو الرجوع على العامل
منفرداً أو الرجوع على العامل والكفيل
متضامنين حسبما هو مقرر قانوناً.
الوجه الثالث : نطاق الضمانة أو الكفالة التجارية على العامل :
من
خلال الوقوف على صيغة الضمانة التجارية نجد انها تتضمن ان الكفيل يضمن أي عجز أو
ضياع أو نقصان أية أموال يعهد بها إلى العامل في اثناء عمله أو أية خسائر قد يتسبب
بها لصاحب العمل بسبب سوء تصرفه كما أن
بعض الضمانات ترد فيها عبارات ان الضامن يضمن اية سرقات أو اختلاسات أو تبديد
لأموال صاحب العمل، وبما ان أساس الالتزام بالكفالة هو عقد الكفالة فيما بين صاحب
العمل والتاجر الضامن فان نطاق الكفالة يحدده عقد الكفالة، إلا أن هناك جدل قانوني
وفقهي واسع في اليمن وغيرها بشأن شرعية الكفالة عن اشياء قد تقع من العامل في
المستقبل لما في ذلك من غرر فاحش، لان الكفالة أصلاً تكون على حقوق معلومة علماً
نافياً للجهالة عند إبرام عقد الكفالة.
الوجه الرابع : مدى اختصاص المحكمة التجارية بنظر دعوى تنفيذ الضمانة التجارية :
كان
جوهر الخلاف واساسه في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا هو مدى اختصاص
المحكمة التجارية بنظر دعوى الكفالة التجارية، وقد قضى حكم المحكمة العليا باختصاص
المحكمة التجارية بنظر دعوى الكفالة التجارية لان القانون التجاري قد نظمها ضمن
أحكامه ولذلك فهي عقد تجاري يتم إبرامه فيما
بين تاجرين الأول صاحب العمل والثاني الضامن التجاري.
الوجه الخامس : مدى جواز رفع دعوى الضمانة التجارية استقلالاً :
كان
من ضمن الجدل الذي اشار اليه الحكم محل تعليقنا هو مدى جواز رفع دعوى الضمانة
التجاريةعلى الكفيل استقلالاً عن الدعوى على العامل أو دعوى العامل على صاحب العمل
حيث ذهب الحكمان الابتدائي والاستئنافي إلى عدم جواز رفع دعوى الضمانة
التجاربة استقلالاً عن دعوى العامل، لان
الدعويين متلازمتين بموجب عقد الكفالة الذي يعني ضم ذمة الضامن إلى ذمة العامل، في
حين ذهب بحق حكم المحكمة العليا إلى جواز قيام صاحب العمل برفع دعواه استقلالا ضد
الضامن التجاري ً أمام المحكمة التجارية، ومما يجدر ذكره ان الحكم على العامل في
القضايا الجنائية تعني الحكم على الضامن، ولذلك فان الضامن يتدخل
في الدعوى المدنية التبعية للدعوى الجزائية المرفوعة على العامل لتوقي اي
حكم على العامل حتى لايكون الكفيل مسئولا عن تنفيذه، والله اعلم.