تحقق المحكمة من المضبوطات

 تحقق المحكمة من المضبوطات 

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين 

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

التحقيق النهائي من اختصاص محكمة الموضوع، فيجب على المحكمة ذاتها عند انكار المتهم أو عندما تكون بيانات المضبوطات متضاربة أو عندما تكون بعض اجراءات الضبط غامضة عندئذ يجب على محكمة الموضوع التحقق من ماهية المضبوطات ونوعها ومقدارها ومكان تحريزها باعتبار المضبوطات أدلة معتبرة للإدانة أو البراءة، وهذه المسألة تناولها الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24/4/2012م في الطعن رقم (43314) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان متهمين جلبا إلى داخل اليمن كمية كبيرة من الحشيش  (2طن) وقد تم ضبط الكمية من قبل جهات الأمن المختصةبموجب محاضر رسمية الا ان جهات الضبط قد حررت مذكراتي متبادلة بينها بشان هذا الموضوع تضمنت بيانات متناقضة عن الكمية المضبوطة ومكان ضبطها وتحريزها، وقد تمت إجراءات المحاكمة دون ان تقف محكمتا الموضوع على الكميات المضبوطة والتحقق من الكمية ونوعها والجهة التي تم تحريز المضبوطات لديها، وقد قضت المحكمة الابتدائية بإدانة المتهمين وحبسهما (25 سنة) وأيدت ذلك الحكم الشعبة الجزائية ،فقام المتهمان بالطعن بالنقض في الحكم، حيث قبلت الدائرة الجزائية الطعن ونقضت الحكم، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد نعى الطاعنان على الحكم المطعون فيه بطلان إجراءات القبض عليهما وحبسهما لانعدام الجريمة فيما يتعلق بالمخدرات حيث لم يقدم ضدهما أي دليل أمام المحكمة يدل على وجود مضبوطات أو نسبة جريمة  المخدرات اليهما من شراء او جلب او استعمال أو تصرف في المواد المخدرة فلم يقدم إلى مجلس قضاء المحكمة أي دليل على وجود حشيش أو مضبوطات أو تقرير خبير أو المعمل الجنائي يوضح نوع الحشيش لعدم ضبطها أو وجودها، وبتأمل هذه المحكمة لأوراق القضية وما جاء في حكميها يتضح ان ما اثاره الطاعنان على الحكم المطعون فيه وقبله الحكم الابتدائي له ما يبرره، فالبين من الأوراق المتبادلة بين جهات الضبط ان هناك مذكرات متبادلة بين مدير أمن ... ووكيل وزارة... يتضح منها ان المادة المخدرة المقدرة بطنين اثنين شوهدت على مركب قرب ساحل ... أي في المياه الاقليمية اليمنية كما يتضح من المذكرات تحديد مكان تواجد كمية المخدرات ولكن الدائرة لم تجد في ملف القضية ولا في الحكمين الابتدائي والاستئنافي ما يفيد عن مصير تلك الكمية هل ضبطت ام لم تضبط فان تم ضبطها فأين مصيرها؟ ونحن في هذه المحكمة  تتبعنا أوراق القضية فلم نجد مايثبت عرض المضبوطات على المحكمة وذلك يخالف ما نصت عليه المادة (359) إجراءات بانه للمحكمة أثناء نظر الدعوى أن تعرض على المهم الأشياء المضبوطة المتعلقة بالجريمة والتي تؤدي إلى ثبوتها وتسأله عن مدى صلته بها) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية : 

الوجه الأول : لوقوف المحكمة على المضبوطات بين الجواز والواجب : 

استند الحكم محل تعليقنا إلى المادة (359) إجراءات التي نصت على انه (للمحكمة اثناء نظرهاً للدعوى ان تعرض على المتهم الاشياء المضبوطة المتعلقة بالجريمة والتي تؤدي الى ثبوتها وتسأله عن مدى صلته بها ولها ذلك أيضاً بالنسبة للشهود أو من له علاقة بالدعوى عند الاقتضاء) ومن خلال صيغة هذا النص يظهر أن وقوف المحكمة على المضبوطات وتحققها من هذه المضبوطات أمر جوازي وليس وجوبيا وان ذلك يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع لكن ذلك لا يعني ان السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع مطلقة إذ يجب عليها أن تتحقق من المضبوطات ونسبتها إلى المتهم إذا انكر نسبة هذه المضبوطات اليه او نازع في مقدارها أو صفتها، ففي القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان وقوف المحكمة على المضبوطات وتحققها منها  واجباً لان المتهمين كانا  قد انكرا المضبوطات جملة وتفصيلاً وانكرا صلتهما بها كما ان محاضر الاستدلالات والمذكرات الصادرة عن جهات الضبط كان الغموض يحيط بها من كل ناحية، فلذلك كان من الواجب على محكمة الموضوع الوقوف على المضبوطات ومعرفة ماهيتها هل هي مخدرات وما نوعها وما مقدارها وهل تم ضبطها وأين تم ضبطها وما صلة المتهمين بها ...الخ، فمعرفة محكمة الموضوع بهذه التفاصيل يتوقف عليه الحكم في القضية. 

الوجه الثاني : وقوف المحكمة على المضبوطات والتحقيق النهائي الذي تجريه محكمة الموضوع : 

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نلاحظ انه قد اثار اسئلة كثيرة بشأن المخدرات المضبوطة من حيث ضبطها وتاريخ ضبطها ونوع هذه الكمية ومقدارها ...الخ، وذكر الحكم محل تعليقنا انه كان يجب على محكمة الموضوع التحقيق في هذه المسائل الغامضة للوقوف على الحقيقة حتى يكون حكمها عنواناً للحقيقة، ولذلك اناط القانون بمحكمة الموضوع سلطة التحقيق النهائي حيث يجب على المحكمة إجراء التحقيق النهائي الذي يختلف عن التحقيق الابتدائي الذي تجريه النيابة العامة باعتبارها سلطة تحقيق وإتهام إلا أنه من الملاحظ في حالات كثيرة ان محكمة الموضوع تركن إلى التحقيق الابتدائي الذي تجريه النيابة باعتبارها سلطة التحقيق المختصة وباعتبارها من اجهزة السلطة القضائية ولانها خصم شريف ولان محاضرها رسمية لها حجيتها الثبوتية، غير انه من الواجب على المحكمة ان تباشر سلطتها في التحقيق النهائي وتقيم حكمها عليه عندما ينكر المتهم أقواله او يحيط الغموض والشك في بعض جوانب التحقيق او تحتاج بعض المسائل الخلافية إلى الوقوف على حقيقة المضبوطات أو في بعض المسائل الجوهرية التي يترتب على بحثها والتحقيق فيها تغيير وجه الرأي في القضية، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد نقض الحكم الاستئنافي المؤيد للحكم الابتدائي الذي اعتمد على التحقيق الابتدائي القاصر الذي لم يكشف حقيقة المخدرات ومقدارها ومدى ضبطها وتحريزها والجهة التي قامت بضبطها، اما اذا كان المتهم مقر بأقواله المثبتة في محاضر التحقيق ومقر بالمضبوطات وكان التحقيق قد استوفى كافة التفاصيل اللازمة للمضبوطات فلا يجب عندئذ ان تقوم المحكمة بإعادة عرض المضبوطات على المتهم ومواجهته بها أو اجراء التحقيق النهائي بشأنها لان ذلك يكون من قبيل الهدر الاجرائي، ومع ذلك فانه يجب على المحكمة ان توضح هذا الأمر في اسباب حكمها عند مناقشتها لأدلة الإدانة، والله اعلم


 
الاسعدي للطباعة ت: 772877717