قاعدة الأصل صحة الإجراءات

 

قاعدة الأصل صحة الإجراءات

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من القواعد التي تتكرر الإشارة اليها في الأحكام القضائية قاعدة (الأصل صحة الإجراءات) ولهذه القاعدة جذورها وأهميتها البالغة في الإثبات، ولذلك فقد اخترنا التعليق على احد الأحكام التي تناولت هذه القاعدة وهو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26/11/2017م في الطعن رقم (59383) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان الطاعن بالنقض ذكر في طعنه أمام المحكمة العليا ان بعض اعضاء الشعبة الجزائية لم يقوموا بالتوقيع على محضر الجلسة قبل الاخيرة كما ان الشعبة لم تقرر حجز القضية للحكم وأصدرت حكمها المطعون فيه من غير ان تحجز القضية للحكم، إلا أن الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (ومن حيث الموضوع فانه لما كان الطاعن قد نعى على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون بما قاله الطاعن : بان جميع اعضاء الشعبة لم يقوموا بالتوقيع على محضر الجلسة قبل الاخيرة وان الشعبة لم تقرر حجز القضية للحكم وذكر الطاعن ان لديه شهود كانوا حاضرين في تلك الجلسة، وحيث ان الدائرة لم تقف على ما ادعاه الطاعن من عدم توقيع جميع قضاة الشعبة على محضر الجلسة قبل الاخيرة، ولما كان الأصل صحة الإجراءات مالم يثبت خلاف ذلك فان النعي بهذا السبب لا يقوم على أساس قانوني صحيح) وسيكون تعلينا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : مفهوم قاعدة الأصل صحة الإجراءات ومصدرها :

أصل هذه القاعدة قاعدة فقهية  هي قاعدة (الأصل الصحة) وقد تفرعت هذه القاعدة من قاعدة اخرى فقهية جامعة هي قاعدة (الأصل في الأشياء الاباحة) ومعنى قاعدة(الأصل الصحة) ان ما تم من العقود والتصرفات والإجراءات والأحكام  قد تم صحيحاً مطابقاً لأحكام الشريعة وان على من يدعي عدم الصحة ان يقدم الأدلة والبراهين التي تثبت عدم صحة ما تم من إجراءات.

الوجه الثاني : اسانيد قاعدة الأصل صحة الإجراءات :

تستند هذه القاعدة إلى اسانيد عدة منها ان الأشخاص أو الموظفين أو القضاة الذين يباشرون الإجراءات تتوفر لديهم الخبرة والقدرة والاخلاص والأمانة للقيام بتلك الاجراءات على خير ما يرام، كما ان الدولة لا تسند الوظائف للأشخاص إلا اذا توفرت فيهم الشروط اللازمة التي تكفل مباشرتهم للإجراءات بأمانة واخلاص وحرص إضافة إلى ان الدولة تتولى مراقبة اعمال هولاء وتقييم اعمالها لضمان قيامهم بالإجراءات المطلوبة بحرص وأمانة ونزاهة علاوة على أن الدولة قد اوجدت القوانين واللوائح والنظم والأدلة المنظمة للإجراءات حتى تضمن صحة وسلامة الإجراءات، إضافة إلى ان قاعدة الأصل صحة الإجراءات تستند إلى اعتبار حماية الموظفين من مزاعم وادعاءات المتضررين من الإجراءات الصحيحة.

الوجه الثالث : تطبيقات قاعدة الأصل الصحة :

هناك تطبيقات عدة لهذه القاعدة منها  في مجال المرافعات قاعدة (الأصل صحة الأحكام) التي تعنى ان الأصل صحة الحكم القضائي وأنه قد صدر موافقاً للشرع والقانون وان على الطاعن في الحكم ان يثبت عدم صحة الحكم، كذلك وردت في القانون المدني قاعدة (الأصل في العقود والشروط الصحة) التي تعني ان العقد أو التصرف قد تم إبرامه أو اجراؤه موافقاً للشرع والقانون وبإرادة ورضاء المتعاقدين أو المتصرف وإن على المدعي عدم صحتها إثبات ذلك، حيث نصت المادة (13) مدني على أن (الأصل في العقود والشروط الصحة حتى يثبت بطلانها) وهناك تطبيقات عدة لهذه القاعدة لا يتسع المجال لذكرها في هذا التعليق الموجز.

الوجه الرابع : دور قاعدة الأصل الصحة في الإثبات :

لا تعني هذه القاعدة بأي حال من الأحوال ان الإجراءات التي تمت قد تمت صحيحة حتماً حيث أن دور هذه  القاعدة هو تقرير هذا الأصل أي ان القاعدة  تفترض افتراضا ان الإجراءات قد تمت صحيحة ولكن هذا الأصل قابل لإثبات العكس أي عدم الصحة، حيث يستطيع المدعي اثبات خلاف قاعدة الأصل الصحة بأن يثبت ان الإجراءات لم تكن صحيحة وإنها باطلة ومخالفة للشرع والقانون والنظام، فدور قاعدة الأصل الصحة هو افتراض صحة الإجراءات وعدم الزام من قام بالإجراءات أو المتمسك بها الزامه بإثبات صحتها، لان صحتها مفترضة وان على من يدعي خلاف ذلك ان يثبت عدم صحتها بطرق الإثبات والشروط المقررة قانوناً، فنقل عبء الإثبات إلى المدعي بخلاف الأصل صحة الإجراءات له سنده في الشرع والقانون لان المدعي بخلاف الأصل في مركز المدعي الذي يجب عليه ان يثبت ما يدعيه، حيث يجب عليه ان يحدد بالضبط الإجراء المخالف وان يبين موضعه في الحكم أو المحضر كالصفحة وان يبين وجه المخالفة أو عدم الصحة وان يبين النصوص القانونية التي خالفها الإجراء وان يقدم الأدلة على ان الإجراءات قد تمت بطريقة مخالفة للنصوص، والله اعلم.



الأسعدي للطباعة ت : 772877717