إرسال المخدرات مع مسافر

 

إرسال المخدرات مع مسافر

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

 

الشهامة وحب الخير سمة من سمات اهل اليمن, ولذلك تجدهم يسارعون الى فعل الخيرات, ولكن هناك من يستغل هذه الخصلة الحميدة لدى اليمنيين, ففي حالات كثيرة يقوم ارباب الشر والفسوق وتجار المخدرات بإرسال طرود واشياء تتضمن مخدرات او مواد ممنوعة وغير ذلك مع بعض المسافرين من دون ان يعلموا ان تلك المواد المرسلة معهم هي مخدرات او مواد ممنوعة, ولذلك تجد في كل مطارات العالم من يطلب منك ان تفعل خير وتحمل معك طردا او علاجات او حقيبة ...الخ دون ان تعلم محتواها , وفي حالات اخرى يكون الناقل للمواد الممنوعة مجرما ضمن عصابة تتولى استيراد وتصدير المخدرات والممنوعات  ولكنه حينما يتم ضبطه بالجرم المشهود في أي منفذ من منافذ الدخول الى البلد يدعى انه كان ضحية وانه لا يعلم ماهية الاشياء المرسلة معه وانه مجرد رسول وناقل وان ناقل الفسق ليس بفاسق ؛ وعندئذ يكون القصد الجنائي هو الفيصل بين الحالين فلكل حال حكم, ولغرض التوعية وبيان المسائل ذات العلاقة بهذا الموضوع فقد وجدنا انه من المناسب التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23/2/2011م في الطعن الجزائي رقم (39957) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان عصابة تتولى تهريب عقارات مخدرة تتكون من اجنبي يقيم في دولته خارج اليمن ومعه مواطن يمني يقيم في تلك الدولة وثالث يمني يقيم في اليمن كانت هذه العصابة تعمل في مجال تهريب العقاقير الطبية المخدرة الى اليمن من تلك الدولة بذريعة استعمالها في الاغراض الطبية حيث قامت هذه العصابة بارسال كيسين من تلك العقاقير مع احد المسافرين اليمنيين من تلك الدولة الى اليمن, وعند وصول المسافر الى احد منافذ الدخول الى اليمن قام المختصون بتفتيش امتعته بحسب النظام المتبع فوجدوا الكيسين موضوعين بصورة عادية بين امتعة المسافر وعند فتح الكيسين وجدوا بداخلهما عقاقير طبية مخدرة وعند التحقيق مع المسافر الكبير في السن كان يحلف الايمان المغلظة انه لا يعرف انها مخدرات ولكنه يعرف الشخص الذي ارسلها والشخص المطلوب تسليمها اليه والشخص الذي سوف يساعده في المطار فتم القبض على المسافر وايداعه الحبس ثم سارت الاجراءات في النيابة والمحكمة لمحاكمة عصابة المخدرات على اساس ان المسافر من اعضاء هذه العصابة وعلى اساس ان اثنين من اعضاء العصابة فارين وهما الاجنبي واليمني المقيمان خارج اليمن والمسافر مع المرسل له المخدرات محاكمة حضورية لانه تم القبض عليهما وتقديمهما للمحاكمة, حيث حكمت المحكمة الابتدائية بإدانة المسافر بجريمة نقل مادة العقار المخدر لغرض الاتجار به وحبسه مدة خمسة وعشرين سنة من تاريخ القبض عليه وبراءة المتهمين الثلاثة الاخرين, وقد ورد ضمن اسباب الحكم الابتدائي (تبين توفر الادلة على قيام المتهم الثالث (المسافر) بنقل عقار مخدر الى ارض الوطن وتم ضبطه بحوزته في المطار عند وصوله بين اغراضه الشخصية واعترف المتهم امام المحكمة واثناء التحقيقات بنقل تلك الكمية كما تم العثور على ذلك العقار داخل حقيبته عند تفتيشها في المطار ويعد ذلك العقار من المواد المخدرة الواردة في الجدول الذي تضمنه قانون مكافحة الاستعمال والاتجار غير المشروع للمخدرات كما ان الكمية التي تم العثور عليها تدل على نية الاتجار بها ولا يجديه نفعا الادعاء بان شخصا سلمه تلك المواد على انها علاج لإيصالها الى اليمن فالقرائن والشهادات تدل على توفر القصد الجنائي لدى المتهم, اما بقية المتهمين فلم تجد المحكمة ادلة سليمة موثوقة لإدانتهم لتناقض الادلة الموجودة) فقام المتهم المحكوم عليه باستئناف الحكم الابتدائي وكذلك النيابة العامة فقبلت محكمة الاستئناف الطعن وقضت ببراءة المتهم المستأنف واعادة القضية الى النيابة لمتابعة المتهمين الفارين والتحقيق معهم لمعرفة الحقيقة, وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (فالتهمة المنسوبة للمتهم الثالث (المسافر) نقل المواد المخدرة من خارج البلاد وتسليمها للمتهم الرابع, فالتهمة المنسوبة للمتهم الثالث هي جريمة الاتجار رغم تخلف القصد الجنائي لدى المذكور وعدم قيام الدليل الصحيح على ذلك بل ان ما ورد من براهين وقرائن تدل على انتفاء القصد الجنائي بحق المتهم المذكور وقد اكتفت المحكمة الابتدائية بقرينة الحيازة الظاهرة وهي وجود المواد المخدرة بين امتعة المتهم مع ان هذه القرينة بسيطة وقابلة لإثبات عكسها كما ان المحكمة الابتدائية قد اعتمدت على شهادة الشاهد الذي احضره المتهم الرابع فلم تكن تلك الشهادة سليمة بل متناقضة اما اعتراف المتهم فلم يكن دليلا على المتهم لانه صرح بانه لا يعرف ماهية المواد المرسلة معه وانها مخدرات وانه قبل نقلها معه على اساس انها علاج ....الخ) فقامت النيابة العامة بالطعن بالنقض بالحكم امام المحكمة العليا التي قبلت الطعن ونقضت الحكم, وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (ان الدائرة تجد ان المناعي الواردة في الطعن لها محل من القبول حيث ان النيابة العامة قد قدمت المتهمين الاول والثاني كفارين من وجه العدالة بموجب المادة (285) اجراءات وما بعدها فكان يتوجب على المحكمة الاستئنافية الفصل في استئناف النيابة كما شاب  الحكم عيب في التسبيب حينما قرر الغاء الفقرتين الاولى والثانية من الحكم  الابتدائي بإدانة ومعاقبة المتهم (المسافر)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية :

الوجه الاول : ماهية القصد الجنائي في جريمة نقل عقار مخدر الى اليمن :

القصد الجنائي عامة هو علم الجاني بعناصر الجريمة مع اتجاه ارادته الى تحقيقها او قبولها او هو اتجاه ارادة الجاني نحو ارتكاب الجريمة مع العلم بتوافر اركانها القانونية؛ وفي هذا المعنى نصت المادة (8) عقوبات على انه (لا يسأل شخص عن جريمة الا اذا ارتكبها قصدا (عمدا) او بإهمال) كما نصت المادة (9) عقوبات على انه (يتوفر القصد اذا ارتكب الجاني الفعل بإرادته وعلمه وبنية احداث النتيجة المعاقب عليها ولا عبرة في توفر القصد بالدافع الى ارتكاب الجريمة او الغرض منها الا اذا نص القانون على خلاف ذلك ويتحقق القصد كذلك اذا توقع الجاني نتيجة اجرامية لفعله فأقدم عليه قابلا حدوث هذه النتيجة) والعلم بعناصر الجريمة هو عبارة عن حالة ذهنية او قدر من الوعي يسبق تحقق الارادة, فهذه الحالة الذهنية تجعل الجاني قادرا على ادراك الامور على نحو صحيح مطابق للوقائع, فالعلم بهذا المعنى يرسم  للإرادة اتجاهها ويعين حدودها بتحقيق الواقعة الاجرامية؛ فلا يتحقق القصد الجنائي الا اذا كان الجاني يعلم بالعناصر الاساسية لقيام الجريمة, فاذا كان جاهلا بذلك فلا يتحقق القصد الجنائي, فيجب ان يكون الجاني على علم بموضوع الحق المعتدى عليه وخطورة الفعل على المصلحة المحمية وكذا العلم ببعض صفات الجاني والمجني عليه بالإضافة الى توقع النتيجة, وبتطبيق مفهوم القصد الجنائي السابق ذكره على جريمة نقل عقار مخدر الى اليمن ينبغي ان يكون الجاني عالما بان المادة التي ينقلها مادة مخدرة او ممنوعة او لا يجوز ادخالها الى اليمن الا بترخيص .

الوجه الثاني : اثبات القصد الجنائي او نفيه في جريمة نقل او جلب عقار مخدر الى اليمن :

من المقرر شرعا وقانونا ان عب الاثبات في هذه الحالة يقع على عاتق الجالب او الناقل للمخدر الى اليمن فيجب عليه اثبات انه لا يعلم بان المادة  التي جلبها الى اليمن مادة مخدرة, فالعلم بماهية المادة الخدرة مفترض  في هذه الحالة  فعلى من يدعي خلاف ذلك ان يقدم الادلة التي تثبت انه لم يكن يعلم بان المادة المسلمة له مخدرة وانها ليست مملوكة له, ولذلك نجد ان قانون مكافحة المخدرات اليمني قد اشترط عند نقل العقاقير الطبية المخدرة المرخص باستيرادها للاغراض العلاجية ان تكون محفوظة في طرود محكمة الاغلاق وان يتم تدوين بيانات الشحنة على غلاف الطرد وتتضمن هذه البيانات كمية المادة المحفوظة داخل الطرد  ومقاديرها ووزنها والجهة المرسلة لها والغرض من الارسال ورقم الترخيص بتصديرها من بلد المنشأ والتراخيص باستيرادها حتى تسهل عملية الاثبات, اما اذا تم الجلب او الارسال للمخدرات خارج هذا النطاق فان العلم بماهية المادة المخدرة مفترض في ناقل المخدر فعليه وحده ان يثبت انه لم يكن يعلم بذلك فعليه ان يثبت خلاف ذلك بوسائل الاثبات المختلفة كإقرار المرسل اذا كان مقبوضا عليه بانه سلم المسافر المواد مغلفة دون ان يعلم المسافر ماهيتها وقد يتم استخلاص عدم علم المسافر  من  خلال شهادات الشهود او المحررات كالرسالة المرفقة بالطرد او القرائن, فمثلا في الحكم الابتدائي نجد انه تمسك بعلم المسافر المفترض بالمخدر من مجرد وجود العقار المخدر بين امتعته ؛ ولذلك فقد ادان الحكم الابتدائي المسافر بالتهمة وقرر عليه العقوبة لان المسافر عجز عن اثبات خلاف العلم المفترض فلم يقدم ادلة مقنعة لمحكمة اول درجة تنفي العلم المفترض, اما الحكم الاستئنافي فقد استنتج من قرائن الحال ان المسافر لم يكن يعلم بماهية المادة المخدرة ومن هذه القرائن وجود المسافر خارج اليمن للعلاج وبساطته وقلة خبرته وكبر سنه وكون اعضاء العصابة اقارب وهو غريب عنهم واكتفاء محكمة اول درجة بالحكم بادانة  المسافر وحده وبراءة المتهمين الاخرين حتى من غير ان تستمع لأقوالهم فربما كان في ذلك دليل على براءة المسافر.

الوجه الثالث : توصية الى مصلحة الجوازات والهجرة :

من خلال مطالعاتنا وعملنا نجد ان اعداد كبيرة من المسافرين اليمنيين يكونوا ضحايا لعصابات المخدرات والمواد الممنوعة في البلدان المختلفة حيث يتم استغلال طيبة اليمني التي تصل في احيان كثيرة الى السذاجة فتقوم العصابات المنظمة بإرسال طرود تحتوي على مواد ممنوعة عن طريق اليمنيين المسافرين الى الدول المختلفة, فقد وقفت شخصيا على قضايا كثيرة لهؤلاء السذج القابعين في سجون الدول المختلفة منها المانيا وسويسرا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا وغيرها لا سيما وعقوبات ادخال المواد الممنوعة لا تتساهل فيها الدول, ومن هذا المنطلق اوصى مصلحة  الجوازات والهجرة طالما وهي المعنية باستقبال المسافرين ومغادرتهم بمن فيهم اليمنيين ان تضع لاصقا او كرت يتضمن تحذير المسافرين اليمنيين من نقل طرود مجهولة او نقل مواد لأشخاص مجهولين او قيام مسئول المصلحة باستعمال اذاعة المنفذ بتحذير المسافرين اليمنيين من ذلك, وقد وجدت في مطارات دول عدة ان الجهات المختصة تبلغ مواطنيها المسافرين بالمحظورات والمحاذير ذات العلاقة بالسفر حتى انها تضع قائمة بالأمور المحظورة او الممنوعة في البلدان التي يقصدونها فقد سئلت احد المسافرين الاجانب الى بروناي عن الكرت او البطاقة التي يطالعها فأفادني بانها تتضمن توصيات مصلحة الهجرة في بلاده عن الاشياء التي ينبغي عليه مراعاتها عند سفره ووصوله الى سلطنة بروناي حتى انه ذكر لي بان من تلك التحذيرات  بان لا يضع يده على كتف أي مواطن في تلك السلطنة لانه من الامور المحظورة في عرف تلك السلطنة ان يضع الشخص يده على كتف غيره؛ والله اعلم.