دستورية اشتراط توقيع المحامي على الطعن بالنقض
أ.د/
عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ
بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
حق
التقاضي مكفول في الدستور ولكن هذا الحق مثل غيره من الحقوق يجب ان ينظمه القانون
من حيث استعماله وإجراءاته ضوابط وشروطه، حتى يستعمل الشخص حقه من غير تناقض أو
تصادم مع حقوق غيره من افراد المجتمع. لان
الحق مقرر للفرد ضمن منظومة حقوق افراد المجتمع كافة. فوظيفة القوانين تنظيم
استعمال الاشخاص لحقوقهم ومن ضمنها الحق في التقاضي،فالدستور يقرر الحقوق
والقوانين تنظم الحقوق من الناحية الموضوعية والناحية الاجرائية.فهناك قوانين
موضوعية تنظم الحقوق الموضوعية للافراد مثل القانون المدني والقانون التجاري
وقانون العقوبات وبالمقابل هناك قوانين إجرائية تنظم إجراءات وطرق وكيفية اقتضاء
الحقوق عن طريق التقاضي.
وهذا الحق الاجرائي يتولى تنظيمه قانون المرافعات وقانون الاجراءات الجزائية،
فهذان القانونان ينظما اجراءات ووسائل اقتضاء الحقوق عن طريق القضاء بما في ذلك
الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، ومن ضمن هذا التنظيم اشتراط التوقيع على الطعن
بالنقض من قبل محامي مرخص له بالترافع أمام المحكمة العليا، وكان هناك من يدعي عدم
دستورية المادة ( 436) من قانون الاجراءات
الجزائية التي تضمنت هذا الاشتراط لمخالفة
ذلك للدستور ولذلك قام شخصان برفع دعويين ادعا فيهما عدم دستورية المادة (436)
إجراءات وذلك أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، في الدعوى رقم (36708)
والدعوى رقم (36709) وقد قضت الدائرة الدستورية برفض الدعويين بعدم دستورية المادة
(436) من قانون الإجراءات الجزائية، وقد ورد ضمن اسباب حكم الدائرة الدستورية
(بمطالعة الدائرة الدستورية لملف الدعوى بعدم دستورية نص المادة (436) من قانون
الإجراءات الجزائية ونصها (يجب على الطاعن ان يودع كتاب المحكمة التي قرر فيها
الطعن مذكرة بالاسباب التي بني عليها وصوراً لها بعدد المطعون ضدهم في خلال
الميعاد المقرر للطعن واذا كان الطعن مقدماً من النيابة العامة تعين ان يوقع
اسبابه النائب العام أو رئيس نيابة النقض واذا كان مرفوعاً من غيرهم وجب ان يوقع
الاسباب محام معتمد أمام المحكمة العليا) وكانت الدعوى المقدمة بعدم دستورية هذا
النص تتضمن بأن اشتراط النص في هذه المادة : واذا كان مرفوعاً من غيرهم وجب أن
يوقع الاسباب محام معتمد أمام المحكمة العليا، ان هذا النص اهدر حق الدفاع للأصيل
في ان يقوم بنفسه كأصيل في رفع طعنه
التوقيع عليه بنفسه حيث جعلته ملزماً بتقديم محام عنه وذلك يخالف المادة
(49) من الدستور التي تنص على ان (حق الدفاع اصالة أو وكالة مكفول في جميع مراحل
التحقيق والدعوى وأمام جميع المحاكم وفقاً لاحكام القانون وتكفل الدولة العون
القضائي لغير القادرين وفقاً للقانون ) ووجه مخالفته أن النص المطعون بعدم دستوريته
قصر تقديم الطعن أمام المحكمة العليا على توقيع محام معتمد أمام المحكمة
العليا على اسباب الطعن فهذه مخالفة للدستور واهدار لحق الدفاع. وحيث انه ورد في
المرافعة المقدمة من ممثلي وزارة الشئون القانونية ان القانون لم يهدر حق الدفاع
من الطاعن كأصيل لان حق الدفاع مكفول له بالاصالة فقد نصت مواد قانون الإجراءات
على هذا الحق وان اشتراط توقيع المحامي لايكون الافي حالة أن يباشر دفاعه بواسطة
وكيل فعندئذ لابد أن يوقع على الأسباب محام مقبول أمام المحكمة العليا فهذا يعتبر
من التنظيم لحق الدفاع التي اشار اليه الدستور بأن يكون الدفاع وفقاً للقانون،
وبمناقشة الدائرة لما ورد في الدعويين من أوجه ادعاء بمخالفة النص الطعين للدستور
وعلى ضوء ما ورد في إجابة ممثلي وزارة الشؤون القانونية من دفع بشأن عدم صفة نيابة
النقض وما ورد في إجابة نيابة النقض نجد أن الصفة في اقامة الدعوى الدستورية
متوفرة حيث ان الصفة هي حق ممارسة ممن يتمتع بالحقوق التي نص عليها الدستور فأن مخالفة النص القانوني للحق توفر الصفة في
اقامة الدعوى مما يلزم معه رفض الدفع، اما
ما ورد بشأن مخالفة النص للدستور فنجد أن ما ذهب اليه المدعيان من أوجه المخالفة
للنص القانوني محل الطعن بعدم الدستورية غير سديد إذ أن النص جاء في الأصل لحماية
مصلحة الطاعن، إذ أن الطعن امام المحكمة العليا يحتاج في اعداد الطعن امامها الى
اسس قانونية تكشف الخلل القانوني في الحكم المطعون فيه بالنقض مما يلزم ان يوقع
على اسباب الطعن من له الدراية والخبرة في هذا المجال .فهذا الشرط من قبيل الحماية
والتنظيم للدفاع لا الحرمان منه كما ان الدستور قد نص على ان يكون الدفاع وفقاً
للقانون وتنظيم القانون للدفاع فيما لا يخل بحق الدفاع أو مصادرته امر احال
الدستور تنظيمه للقانون بل ان الدستور نص : على ان الدولة تقدم العون القضائي لغير
القادرين وفقاً للقانون. وحيث ان نص المادة (436) من قانون الإجراءات الجزائية محل
الطعن جاءت موافقة لنص المادة (49) من الدستور ولا تشوبها أية مخالفة دستورية فلا
وجود لأوجه المخالفة المذكورة في الدعويين، وتاسيساً على ما سبق أصدرت الدائرة
الدستورية بالمحكمة العليا بالاغلبية برفض الدعويين المقدمة من ... والمقدمة من
... بعدم دستورية المادة (436) من قانون الإجراءات) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم
حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية :
الوجه الأول : الطبيعة القانونية للطعن بالنقض:
عند الدراسة للمادة
(435) إجراءات نجد أن اسباب الطعن بالنقض أسباب قانونية بحتة حيث نصت هذه المادة
على أنه (لا يجوز الطعن بالنقض الا للأسباب الأتية : -1- اذا كان الحكم المطعون
فيه معتمداً على مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقه -2- اذا وقع بطلان في الحكم -3-
اذا وقع بطلان في الإجراءات اثر في الحكم) فاسباب الطعن بالنقض اسباب قانونية
تحتاج إلى خبرة قانونية دقيقة لا تتوفر
الا لدى محامي متمرس له خبرة طويلة
ودراية ومعرفة بالجوانب القانونية والجوانب الاجرائية المبطلة للاحكام أو المؤثرة
في الاحكام التي حددها القانون الاجرائي والتي افترض القانون هذه الخبرة والمعرفة
لدى المحامي المقبول للترافع أمام المحكمة العليا، وعلى هذا الاساس فان اعداد
مذكرة اسباب الطعن تحتاج إلى خبرة ومهارة عالية لا تتوفر الا لدى من أمضى فترة
طويلة في المحاماة حتى تدرج إلى درجة الترافع أمام المحكمة العليا.
الوجه الثاني : طبيعة عمل المحكمة العليا (محكمة النقض) :
من المتفق عليه أن
المحكمة العليا محكمة قانون تهتم بالرقابة على سلامة تطبيق القانون .فهي تراقب مدى
التزام احكام الموضوع بالنصوص القانونية للتأكد من عدم مخالفة الأحكام الصادرة من
محاكم الموضوع للقانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله وكذا التأكد من سلامة إجراءات
التقاضي والحكم المنصوص عليها في القانون الاجرائي لان القانون هو الذي يحدد هذه
الإجراءات ويرتب الجزاء على مخالفتها، ولذلك فان مصلحة الخصم الاصيل تقتضي ان يتولى اعداد مذكرة اسباب الطعن بالنقض
امام المحكمة العليا محام خبير يبين للمحكمة العليا أوجه مخالفة حكم محكمة الموضوع
للقانون أو الخطأ في تطبيقه أو الإجراءات التي تمت بالمخالفة للقانون.
الوجه الثالث : حق التقاضي بين الاطلاق والتقيد :
من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد ان اساس وجوهر القضية هو حق التقاضي وهل هو مطلق أم مقيد ولذلك فان من المناسب العرض الموجز لطبيعة هذا الحق الذي كفله الدستور حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا. لان هذا الحق مثل غيره من الحقوق لا بد من قانون ينظم وسائل وإجراءات وكيفية استعمال هذا الحق حتى لا يتصادم مع حقوق الاخرين من افراد المجتمع التي يكفلها أيضاً الدستور ولذلك فقد قررت المادة (49) من الدستور أن حق التقاضي مكفول وفقاً للقانون أي بحسب الإجراءات والاساليب التي يحددها القانون، وبالفعل فقد حدد قانون الإجراءات الجزائية كيفية تقديم الطعن بالنقض والخبير القانوني الذي يعده ويقوم بالتوقيع عليه للتأكد من صدوره منه وحتى تعلم المحكمة العليا ان الذي اعده خبير ومحام مختص وهو المحامي المترافع أمام المحكمة العليا، وهذا التنظيم لا يتنافى مع الحق بل انه يسهل التمكين في الحق بل انه مقرر لمصلحة صاحب الحق. فهذا التنظيم لا يعطل الحق أو يمنعه وانما ينظمه ويرشده، علماً بان القانون اليمني قد تساهل كثيراً في تنظيم حق الادعاء والتقاضي لان القوانين العربية تشترط ان يتم التوقيع على صحيفة الدعوى من محامي لضمان سلامة اعداد صحيفة الدعوى وان الذي اعدها محام اما في اليمن فلم يشترط القانون ذلك الا بالنسبة للتوقيع على عريضة الطعن بالنقض الجزائي حيث اشترطت ان يتم التوقيع عليه من قبل محامي مقبول أمام المحكمة العليا، والله اعلم.