بطلان عقد الزواج لعدم رضاء المرأة

 بطلان عقد الزواج لعدم رضاء المرأة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين 

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من الأمور الشائعة في اليمن ان ينفرد ولي المرأة بإبرام عقد زواج المرأة من دون الرجوع اليها لأخذ موافقتها، وبسبب التقاليد المحافظة السائدة في المجتمع اليمني فأنه من النادر جداً ان تلجاء المرأة إلى القضاء لإبطال عقد زواجها الذي تم بدون رضاها وموافقتها وذلك قبل زفافها والدخول بها، ومن هذه الحالات النادرة القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، وهو الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25/11/2018م في الطعن رقم (60084) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان المرأة تقدمت امام المحكمة الابتدائية بدعوى إبطال عقد زواجها من المدعى عليه، لان والدها ابرم عقد زواج بدون موافقتها ورضاها، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم  بتقرير بطلان عقد الزواج لانعدام الرضاء واستند الحكم إلى المادتين (10 و 23) أحوال شخصية ،فقام المدعى عليه باستئناف الحكم إلا أن الشعبة الشخصية قضت بتأييد الحكم الابتدائي لان القانون قد نص على ان عقد الزواج الذي لا يتوفر فيه الرضاء لا إعتبار له، فقام المستأنف بالطعن بالنقض غير ان الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في اسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة ما ورد في عريضة الطعن ،ومن خلال ذلك فقد وجدت الدائرة ان الحكم الاستئنافي المؤيد للحكم الابتدائي قد وافق القانون من حيث نتيجته بحسب الاسباب والاسانيد التي استند اليها الحكم المطعون فيه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية : 

الوجه الأول : السند القانوني للحكم محل تعليقنا وتوصيتنا : 

قضى الحكم محل تعليقنا بتقرير بطلان عقد زواج المدعية، وسند الحكم في ذلك المادتان (10 و 23) أحوال شخصية ،حيث نصت المادة (10) على ان (كل عقد بني على إكراه الزوج أو الزوجة لا اعتبار له) ومع ان صيغة هذه المادة غير مستقيمة خاصة عبارة (لا اعتبار له) فما هو المقصود بهذه العبارة ؟ هل معناها انعدام العقد أم بطلانه أم ماذا ؟ والصحيح من وجهة نظرنا ان المقصود هو بطلان العقد لان الرضاء ليس ركنا من اركان العقد في قانون الأحوال الشخصية، والانعدام في الفقه الإسلامي متعلق بإنعدام ماهية الشيء الذي لا يقوم الشى بدونه، فالعقد ينعدم اذا تخلف ركن من اركانه،  كما ان عقد الزواج في هذه الحالة لا يكون منعدماً بالمفهوم القانوني الذي يجعل الانعدام متعلقا غالباً بالولاية، فعقد الزواج بدون رضاء المراة قد صدر من الولي الشرعي الاقرب للمرأة ولذلك كان الحكم صائباً حينما اختار التقرير بطلان عقد الزواج بدلاً عن انعدامه، وفي هذا الشان فإننا نوصي بإعادة النظر في صياغة عبارة(لا إعتبار له) الواردة في المادة( 10)أحاول شخصية السابق ذكرها، كذلك استند الحكم محل تعليقنا إلى المادة (23) أحوال شخصية التي نصت على انه (يشترط رضاء المرأة ورضاء البكر سكوتها ورضاء الثيب نطقها) فهذا النص يقرر ان رضاء المرأة شرط وليس ركنا في العقد، وبناءً على ذلك فاذا تخلف الشرط بطل عقد الزواج ولم ينعدم لان الرضاء شرط وليس ركنا. 

الوجه الثاني : بطلان العقد وليس فسخ العقد : 

قضى الحكم محل تعليقنا ببطلان عقد الزواج لتخلف شرط الرضاء ولم يحكم بفسخ الزواج، لان عقد الزواج في هذه الحالة قد نشاء مختلاً حيث تخلف فيه شرط من شروطه وهو الرضا، في حين ان الفسخ عند كثير من الفقهاء لا يقع إلا على عقد نشاء صحيحاً اكتملت اركانه وشروطه، اما البطلان فيقع على العقد  المختل الذي اختلت شروطه كشرط الرضا، وهذه ثمرة التفرقة بين فسخ عقد الزواج وبطلان عقد الزواج، وهذه تفرقة دقيقة تظهر القيمة العلمية والقضائية للحكم محل تعليقنا. 

الوجه الثالث : إشكالية التحقق من رضاء المرأة بالزواج : 

الحياء شعبة من الايمان سواء عند الرجال والنساء، وهو فضيلة وفطرة في المرأة المسلمة، ولذلك كان رضاء البكر سكوتها ورضاء الثيب نطقها اي تصريحها بموافقتها، حيث يتم التحقق من رضاء عن طريق قيام الأمين بالاطلاع على وثيقة هوية المرأة ومقابلتها وسؤالها عن موافقتها فان كانت بكراً فسكتت فذلك موافقة منها وان كانت ثيباً فاللازم ان تصرح بموافقتها وفي الحالتين تقوم المرأة بوضع بصمتها على وثيقة عقد الزواج بما يفيد موافقتها ورضاها، هذا الأمر سهل من الناحية النظرية اما من الناحية العملية فهناك إشكاليات في هذا الشأن منها رفض ولي المرأة بروزها ومقابلتها للأمين الشرعي ومشاهدته لوجهها ومطابقته بصورتها الموجودة في البطاقة الشخصية، ،ولذلك ففي حالات كثيرة يقوم ولي المرأة بأخذ وثيقة عقد الزواج وادخالها إلى عند المرأة واخذ بصمتها بدون حضور الأمين، ولذلك تثور نزاعات كثيرة بشأن موافقة ورضا المرأة بالزواج مثلما حدث في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، والله اعلم. 



الأسعدي للطباعة ت : 772877717