البناء في حمى المسجد
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
المسجد
بيت الله الذي تقصده جموع المصلين خمس مرات في اليوم للصلاة ولسماع المواعظ والدروس وغير ذلك، ولذلك
ينبغي أن تكون مداخل المسجد واسعة تتيح للمصلين الدخول إلى المسجد والانصراف منه
بيسر وسهولة كما ان يكون للمسجد حمى يتيح للضوء والهواء النفاذ الى داخل المسجد،
وذلك يقتضي عدم البناء على حواف مدخل المسجد او جدرانه باعتبار ذلك حمى تابعاً
للمسجد،كما انه المناسب في سياق التعليق
ان فائدتين بشان الوقف وهما الاساس الشرعي والقانوني لمقابل ماذونية الاوقاف ورسم
التصرف في ارض الوقف التي يقوم عليها بناء
المستاجر ،ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة
العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9/4/2010م في الطعن الشخصي رقم (36954) لسنة
1430هـ وتتلخص القضية التي تناولها هذا الحكم أن مدير الأوقاف بالمديرية قام برفع
دعوى أمام المحكمة الابتدائية مفادها:أن المدعى عليه اعتدى على حمى المسجد قبل
فترة حيث قام ببناء ثلاثةدكاكين الى جدار
المسجد من الجهة الشرقية وبالقرب من مدخل المسجد وسد منافس المسجد وترتب على ذلك
تضييق مدخل المسجد وحجب الهواء والضوء عن المسجد ،وطلب المدعي إزالة الدكاكين وفتح
باب المسجد حسب عادته السابقة وتسليم إيجارات الدكاكين السابقة وقد ادخلت المحكمة
المشتري لاحد الدكاكين، وقد سارت محكمة أول درجة في إجراءات نظر القضية حتى توصلت إلى الحكم (بإزالة الثلاثة الدكاكين
موضع الدعوى القائمة إلى جدار المسجد ومنافسه ومنافذه وإعادة الحال إلى ما كان
عليه قبل البناء وفقاً لما أوضحناه في أسباب الحكم وعلى مكتب الأوقاف تعويض المدعى
عليه الثاني (المدخل) مبلغ سبعمائة الف ريال عن دكانه باعتباره حسن النية ويتحمل
المدعى عليهما مصاريف التقاضي) وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي (فقد تبين
للمحكمة من الأوراق أن المدعى عليه الثاني المدخل قد اشترى الدكان من المدعى عليه
الأول بحسن نية وليس له يد في عملية البناء والاعتداء على حمى المسجد أما المدعى
عليه الأول فالأدلة تؤكد أنه معتدي بالبناء في منافس المسجد ومنافذه ومداخله مع
علمه بأن ذلك المكان حمى للمسجد وتابع له ومن كان سببه منه فهو هدر) فلم يقبل
المدعى عليهما بالحكم الابتدائي فقاما باستئنافه فقبلت الشعبة الاستئنافية طعنيهما
وقضت (ببطلان الحكم الابتدائي وبطلان ما سبقه من دعوى وإعادة المراكز القانونية
للأطراف إلى ماكانت عليه قبل رفع الدعوى ،وللمتضرر رفع دعوى التعويض ممن الحق به
الضرر أمام المحكمة المختصة بالطرق والإجراءات الواجب اتباعها قانوناً) وقد ورد
ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (فقد اغفل الحكم الابتدائي قول المدعي مدير الأوقاف
الوارد في محضر جلسة محكمة أول درجة حيث
قال : بان الأرض التي تم بناء الدكاكين عليها ليست ملكاً للأوقاف فهي من الشارع
الرئيسي ،فهذا القول يخلع عن المدعي حق رفع الدعوى فيترتب على هذا القول رفض الدعوى
لعدم الصفة وفقاً للمادة (76) مرافعات لأن الارض المعتدى عليها بحسب قول المدعي
جزء من الشارع الرئيسي ولذلك فالمدعي ممثل قانوني للأوقاف وليس لهيئة الأراضي
والتخطيط العمراني الأمر الذي يترتب عليه رفض الدعوى) فلم يقبل مدير الأوقاف
بالمديرية بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة الشخصية رفضت
الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فقد تبين
للدائرة أن الاسباب التي أوردها الطاعن في طعنه ماهي الا مجادلة بالباطل ولا تستند
إلى أي مسوغ قانوني وفقاً لأحكام المادة (292) مرافعات لان محكمة الاستئناف قد
اعتمدت في حكمها على ما ورد على لسان المدعي مدير الأوقاف في محضر جلسة المحكمة
الابتدائية حيث قال أن الارض محل الدكاكين ليست وقفا ولا ملكا للاوقاف وانما هي
شارع رئيسي محاذي للمسجد ،فهذا القول حجة على المدعي، ومن ثم فان ما ذهبت اليه
الشعبة الاستئنافية في قضائها بإلغاء الحكم الابتدائي صحيح وموافق من حيث النتيجة
لأحكام الشرع والقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه
الأتية :
الوجه الأول : حمى المسجد تابع للمسجد ومن ثم تابع للوقف :
المسجد بيت الله حيث
ينبغي أن تكون له خصوصيته وحماه الذي يليق به من حيث منافذه ونوافذه وجدرانه التي
تمكن الضوء والهواء من الدخول الى المسجد وحتى يتمكن المصلون من الدخول الى المسجد
واداء الشعائر، ولذلك يقرر الفقهاء أن جدران المسجد الخارجية من المسجد فلا يجوز
الامتخاط عليها أو تعليق الثياب أو الفرش
عليها أو نصب جدران المنازل أو الدكاكين عليها حتى تكون ابنية المساجد متفردة عن بيوت البشر (شرح
الازهار 3/25) فحمى المسجد يعد تابعاً للمسجد لاحتياجه اليه كما أن في ذلك تعظيم
للمسجد عملاً بقوله تعالى { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ
أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } [سورة النور(36)] كما ان تضييق
المدخل المؤدي للمسجد فيه تعدي على المدخل الذي يعد في حكم الشارع الخاص بالمسجد،
وبناءً على اعتبار حمى المسجد ومنافسه ملحقة بالمسجد فقد قضى الحكم الابتدائي بان
بناء الدكاكين الى جدار المسجد وتضييق المدخل المؤدي الى المسجد وحجب الضوء
والهواء عن المسجد يعد اعتداء على حرمة المسجد يجب إزالته ومن وجهة نظرنا فان ذلك
القضاء صحيح موافق لأحكام الشرع والقانون.
الوجه الثاني : حدود انتفاع المسجد برصيف أو حافة الشارع الرئيسي :
يقرر قانون البناء
وقانون المرور وقانون هيئة الأراضي والقانون المدني أن الشوارع الرئيسية وارصفتها
أو حوافها الملاصقة للمنازل والمساجد وغيرها ملكية عامة حيث يتم تخصيص الشارع لسير المركبات وتخصيص الرصيف لسير المشاة ،فهذا
هو أصل التخصيص القانوني للشارع الرئيسي ورصيفه ،ولكن القانون اجاز للبيوت والمساجد
وغيرها المطلة على الشارع الرئيس أن تفتح لها ابواباً أو منافذ او مناور مطلة على
الرصيف والشارع الرئيسي وكذا نصب الميازيب التي تصب الى الشارع الرئيسي، وبناءً
على ذلك فإن للمساجد المطلة على الشارع الرئيسي نوع من حق الاختصاص بالانتفاع عن
طريق فتح الأبواب والنوافذ الى الشارع الرئيسي للدخول والخروج ودخول الضوء والهواء
إلى المسجد ،وبناءً على ذلك فان قيام شخص بالبناء في الشارع الرئيسي أو في جزء من
الشارع الرئيسي ملاصق للمساجد او البيوت اوغيرها فان ذلك يكون اعتداءً على الملك
العام للدولة في الشارع والرصيف العام كما أن ذلك يعد اعتداء على الحق الخاص في
الانتفاع بالشارع الرئيسي المتمثل في فتح الأبواب والنوافذ والمطلات والمناوير إلى
الشارع العام ،فيجوز لصاحب الحق الخاص أن يرفع دعواه، وهذا ما استند اليه الحكم
الابتدائي في قبول دعوى مدير الوقف.
الوجه الثالث : مقابل مأذونية الاوقاف :
يقرر القانون المدني
مقابل المأذونية في المادة (777) التي نصت على أن (لمتولي الوقف في تأجير الأرض
للبناء عليها استيفاء المأذونية بما لا يزيد على ربع قيمة الأرض) وبموجب هذا النص
لا يتم تحصيل مقابل المأذونية الا في حالة
تأجير أرض الوقف للبناء عليها من قبل المستأجر ومن خلال ذلك تظهر علة مقابل
المأذونية وحكمته حيث أن بناء المستأجر على أرض الوقف يحد من خيارات الأوقاف ومن
فرصها الكثيرة في استثمار الأرض وتأجيرها في اغراض كثيرة، لان بناء المستأجر على
الأرض يعني اختصاص المستأجر وحده دون غيره بالانتفاع في الأرض لمدة قد تزيد على
مائة سنة حيث تكون ارض الوقف خلال هذه المدة محبوسة لمنفعة المستأجر فتفوت على
الأوقاف مصالح وخيارات وفرص كثيرة خلال هذه الفترة الطويلة، ولذلك فان مقابل
المأذونية بمثابة جبر وتعويض للوقف، وهذه فائدة نذكرها بمناسبة تعليقنا على الحكم.
الوجه الرابع : رسم التصرف في أرض الوقف :
تقرر المادة (20) من
لائحة تأجير الوقف رسما نسبيا لايزيد عن
خمسة في المائة من قيمةالتصرف في أرض
الوقف ، حيث نصت هذه المادة على أنه (اذا بنى المستأجر بعد الأذن له بذلك وفق
أحكام هذه اللائحة جاز له أن يتصرف في البناء بالبيع قائماً مستحق البناء لمن يدفع
اجرة مثل الأرض لجهة الوقف ولا يتم التصرف الا اذا التزم المتصرف له لجهة الوقف
المختصة بدفع الاجرة على ان تحدد ضمن عقد الاستئجار وفق أحكام هذه اللائحة،
وللوزير اصدار القرارات اللازمة لضبط وتنظيم إجراءات التصرف وقيده والرسوم
المستحقة عليه بما لا يزيد عن 5% من قيمة التصرف) ومن خلال استقراء هذا النص في
ضوء أحكام قانون الوقف والقانون المدني نجد أن التصرف المشار اليه في المادة
السابقة يتكون من تصرفين مستقلين منفصلين عن بعضهما من حيث موضوعهما واطرافهما:
التصرف الأول: وهو البيع الصادر من مالك البناء القائم على أرض الوقف وهذا التصرف
تنطبق عليه أحكام البيع المنصوص عليها في القانون المدني من حيث اركانه وشروطه
واحكامه، وأقصى ما قرر النص على البائع للبناء في هذه الحالة ان يقوم بإخطار
الأوقاف لاستيفاء إجراءاتها فيما يتعلق بإجراءات نقل الاجارة منه الى المشتري للبناء القائم على ارض الوقف، اما التصرف
الثاني فهو عقد الاجارة الذي يتم ابرامه فيما بين الأوقاف والمشتري للبناء
القائم على ارض الوقف، ومحل التصرف الثاني
فيما بين الأوقاف والمستأجر الجديد هو الأرض وليس البناء القائم عليها، وعلى هذا
الاساس فان المقصود بالنسبة المشار اليها وهي 5% من قيمة التصرف هو قيمة الأرض
الوقف وليس قيمة البناء القائم عليها،لان الرسم في القانون يكون مقابل خدمة تقدمها
الجهة ، فالرسم في النص السابق حسبما هو ظاهر يكون مقابل الخدمة التي تقدمها
الاوقاف لابرام عقد الاجارة مع المستاجر الجديد واستكمال الاجراءات اللازمة في هذا
الشان، والله اعلم.