اختصاص محكمة الاستئناف بدعاوى الاستملاك

 

اختصاص محكمة الاستئناف بدعاوى الاستملاك

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الأصل أن محكمة الاستئناف محكمة طعن تتولى الفصل في الطعون في الأحكام الابتدائية بطريق الاستئناف، فهذا هو الاختصاص الأصلي للمحكمة الاستئنافية ولكن في بعض الحالات لا تكون محكمة الاستئناف محكمة طعن ولا محكمة درجة ثانية حيث اجاز القانون في بعض الحالات رفع بعض المسائل الموضوعية أو تقديمها أمام محكمة الاستئناف كي تفصل فيها بداية، ومن هذه الحالات الدعاوى الناشئة عن استملاك الدولة لأراضي المواطنين للمنفعة العامة ، والظاهر أن هذا الموضوع غامض حيث تحدث اخطاء كثيرة عند الاستملاك للمنفعة العامة مما يقتضي التوعية بشأن هذا الموضوع، ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20/12/2009م في الطعن المدني رقم (35316) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن احدى الجامعات الحكومية ارادت بناء قاعات دراسية على مساحة من الارض يملكها ورثة على الشيوع فلجأت الجامعة حيث تم تقدير التعويض المستحق للورثة مقابل قيمة الأرض التي شرعت الجامعة بالبناء عليها عن طريق الاستملاك الرضائي وبواسطة اللجنة المختصة بتقدير التعويضات وبالفعل تم تسليم التعويض وقام الورثة باستلام المبلغ الذي تم تقديره بواسطة المحكمة الابتدائية الا بعض الورثة تقدموا لاحقا بدعوى أمام المحكمة الابتدائية  حيث يقع مقر رئاسة الجامعة فطلبوا من المحكمة الزام رئاسة الجامعة بدفع ما يخصهم من التعويض ثمن الأرض فقامت الجامعة بالدفع بعد سماع الدعوى لسبق ما يكذبها محضاً لان المدعين قد استلموا المبالغ التي تخصهم فقامت المحكمة الابتدائية بإحالة القضية إلى محكمة الاستئناف في المحافظة التي تقع فيها الأرض التي قامت الجامعة بالبناء عليها لان قانون الاستملاك للمنفعة العامة قد قرر في المادة (25) على ان محكمة الاستئناف التي يقع العقار ضمن دائرة اختصاصها المكاني هي المختصة بالنظر في كافة الدعاوى الناشئة عن الاستملاك للمنفعة العامة، وبعد احالة القضية الى محكمة الاستئناف المختصة حكمت هذه المحكمة بعدم اختصاصها بنظر هذه القضية  لعدم وجود طعن أمامها، فقام المدعون المطالبون بما يخصهم من مبلغ التعويض بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي فقبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي. وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا ( أما في الموضوع فان ما نعى به الطاعن على الحكم الاستئنافي المطعون فيه من اوجه البطلان لخطأ الحكم في تطبيق القانون وانكاره للقاعدة القانونية الواردة في المادة (25) من قانون الاستملاك للمنفعة العامة التي تنص على أن : تختص محكمة الاستئناف التي يوجد العقار في دائرة اختصاصها بنظر كافة الطلبات والدعاوى الناشئة عن الاستملاك للمنفعة العامة الذي استند اليه حكم الاحالة من المحكمة الابتدائية حيث مقر رئاسة الجامعة حيث أن النص هذا يقرر صراحة اختصاص محكمة الاستئناف مصدرة الحكم المطعون فيه بنظر النزاع ، ولذلك فان الدائرة تجد أن ما اثاره الطاعن في هذا الشأن له أساس صحيح في القانون وأوراق القضية، فمع ثبوت اختصاص محكمة الاستئناف فلم تفصل في دعوى الطاعن وفقاً للقانون بل قررت توقيف الاجراءات لعدم وجود طعن أمامها وقررت ايداع الملف في ارشيفها، فقد جاء هذا القرار المطعون فيه مخالفاً للقانون، فكان على محكمة الاستئناف الفصل في القضية وفقاً للمادة (25)من قانون الاستملاك للمنفعة العامة التي نصت على أن : تختص محكمة الاستئناف التي يوجد العقار في دائرة اختصاصها بنظر كافة الطلبات والدعاوى الناشئة عن الاستملاك للمنفعة العامة، ولما كانت محكمة الاستئناف لم تفصل في الدعوى فان ذلك يخالف القانون الذي الزمها بالفصل في الدعوى المرفوعة اليها وفقاً للقانون طالما وهي ناشئة عن الاستملاك، الامر الذي يتعين معه قبول الطعن موضوعاً واعادة ملف القضية الى محكمة الاستئناف للفصل فيها وفقاً للقانون وبإجراءات مستعجلة لطول بقاء القضية لديها دون فصل فيها) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية الاستملاك للمنفعة العامة :

تقرر الشريعة الاسلامية والدستور أن الملكية الخاصة محترمة فلا يجوز مصادرتها الا لمنفعة عامة وبتعويض عادل، ومن هذا المنطلق اجاز قانون الاستملاك للمنفعة العامة في المادة (1) منه اجاز للوزارات والهيئات والمصالح والمؤسسات العامة عند الضرورة أن تتملك للمنفعة العامة وبتعويض عادل للعقارات المملوكة للمواطنين مقابل تعويضهم تعويضا عادلا، ويستند الاستملاك للمنفعة العامة على أساس أن المصلحة العامة أولى من المصلحة الخاصة، ويتم الاستملاك عن طريق لجنة تابعةلمحكمة الاستئناف تتولى تقدير ثمن العقارات التي يتم استملاكها، ويعين هذه اللجنة رئيس محكمة الاستئناف وتتكون اللجنة من قاض ومهندس وممثل من الجهة المتملكة ومالك العقار حسبما ورد في المادة (18) من قانون الاستملاك، ويتم الاستملاك بالطريق الرضائي فيما بين الجهة المستملكة والمواطن المالك كما يتم الاستملاك بالطريق الاداري اذا كانت الجهة المالكة والمستملكة من الجهات الحكومية،كما يتم الاستملاك بالطريق القضائي بواسطة محكمة الاستئناف ، وبعد إجراءات الاستملاك تتحول العقارات إلى املاك عامة بمقتضى المادة (6) من قانون أراضي الدولة التي تنص في الفقرة (ح) أنه يعد من أراضي الدولة (الأراضي والعقارات التي تشتريها الدولة أو تستملكها للمنفعة العامة) ويقرر قانون الاستملاك في المادة  (5) أنه لا يجوز استملاك أراضي وعقارات الأوقاف والوصايا والترب الا بحكم قضائي، والأصل أن الاستملاك للمنفعة العامة يكون رضائياً بين الجهة الحكومية طالبة الاستملاك وبين مالك العقار المطلوب استملاكه كما يكون الاستملاك الاداري بين جهتين اداريتين حكوميتين فاذا حدث الخلاف بينهما فيتولى رئيس الوزراء الفصل في الخلاف، والخلاصة أنه لا يتم الرجوع إلى محكمة الاستئناف للاستملاك القضائي بنظرها الا بالنسبة للاستملاك فيما بين جهة حكومية والمواطن مالك العقار اذا تعذر الاستملاك الرضائي بينهما.

الوجه الثاني : ماهية الطلبات والدعاوى الناشئة عن الاستملاك للمنفعة:

تثير عملية الاستملاك للمنفعة العامة وإجراءاته سواء تم بالطريق الرضائي او القضائي طلبات ودعاوى كثيرة منها دعاوى الاستحقاق عندما يدعي غير الحائز للعقار ملكيته للعقار المطلوب استملاكه وكذا الخلاف بشأن مساحة العقار وملكيته وتقدير الثمن بحسب الزمان والمكان وكذا الطلبات مثل طلب عزل أو رد أحد اعضاء لجنة التقدير أو امتناع الجهة المستملكة عن دفع الثمن أو التعويض في وقته وغير ذلك من الدعاوى والطلبات.

الوجه الثالث : السند القانوني لاختصاص محكمة الاستئناف بنظر دعاوى وطلبات الاستملاك للمنفعة العامة :

هذا الاختصاص أصيل قرره القانون الذي حصر الاختصاص بنظر كافة الطلبات والدعاوى الناشئة عن الاستملاك للمنفعة العامة لمحكمة الاستئناف ، فقد نصت المادة (25) من قانون الاستملاك على أن (تختص محكمة الاستئناف التي يوجد العقار في دائرة اختصاصها بنظر كافة الطلبات والدعاوى الناشئة عن الاستملاك للمنفعة العامة ولا يمنع الطعن أمام المحكمة العليا من تنفيذ ما قررته المحكمة الاستئنافية وفقاً لقانون المرافعات) وهذا النص صريح في اختصاص محكمة الاستئناف بكافة الدعاوى المشار اليها وتبعاً لذلك لا تختص بنظر دعاوي الاستملاك محكمة الاستئناف التي  يقع في موطنها رئاسة الجامعة اذا لم يكن العقار المستملك ضمن نطاق هذه المحكمة، كما أنه لايحق للمحكمة الابتدائية الاشراف على إجراءات الاستملاك أو الفصل في الدعاوي الناشئة عن الاستملاك.

الوجه الرابع : الطابع الخاص لاختصاص محكمة الاستئناف بالإشراف على إجراءات الاستملاك القضائي للمنفعة العامة والفصل بداية في الدعاوي الناشئة عن ذلك :

ذكرنا فيما سبق أن محكمة الاستئناف تقوم بتشكيل لجنة تقدير ثمن العقارات المطلوب استملاكها وهذا يعني أن محكمة الاستئناف معنية ومختصة بنظر كافة الطلبات والدعاوى الناشئة عن إجراءات الاستملاك التي تباشرها اللجنة المشكلة من محكمة الاستئناف والتي قرر القانون انشاء هذه اللجنة في محكمة الاستئناف وان التي تشكلها هي محكمة الاستئناف، ولذلك فان محكمة الاستئناف هي الاقدر والأولى بنظر تلك الدعاوى والطلبات التي تنشأ عن الاستملاك، إضافة إلى أن الطابع الضروري والطارئ والعاجل للاستملاك الذي  لايتم اللجوء اليه إلا للضرورة حسبما قرر القانون هذا الطابع يحتم اتمام إجراءات الاستملاك خلال وقت سريع ،ولذلك قرر القانون أن أي طعون أو دعاوى لا يترتب عليها تعطيل  إجراءات الاستملاك لان حق الطاعن والمدعي محفوظ عن طريق انتقال حقه من العقار إلى الثمن أو التعويض عن الاستملاك.

الوجه الخامس : توصية الى هيئة الاراضي :

سبق القول ان العقارات التي يتم استملاكها بموجب القانون تتحول الى املاك عامة وفقا لقانون الاستملاك وقانون اراضي الدولة الا ان هيئة الاراضي غير ممثلة في اجراءات الاستملاك او في لجنة تقدير التعويض مع ان هذا الامر من صميم مهام واختصاص هيئة  الاراضي، علما بانه تحدث عند تقدير التعويضات تجاوزات ومجازفات خطيرة لاسيما في حالة الاستملاك بالطريق الرضائي!!!!! وهذا الامر معلوم للكافة، والله اعلم.



الأسعدي للطباعة ت : 772877717