عدم بيان المحكم سبب امتناعه عن التوقيع على الحكم
أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من
الإشكاليات التي تظهر عند تعدد
المحكمين امتناع احد المحكمين أو بعضهم عن التوقيع على حكم التحكيم وفي الوقت ذاته
امتناعهم عن تقديم مذكرة تتضمن أسباب امتناعهم عن التوقيع، ومن خلال الممارسة
العامة يظهر ان هذه الإشكالية يتكرر حدوثها في حالات كثيرة، ولذلك اخترنا التعليق
على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
17/12/2012م في الطعن رقم (47335) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن
شريكين في مشروع مياه اختلفا بشأن عائدات المشروع
والاضرار التي لحقت بالأرض التي اقيم عليها ذلك المشروع ثم قام
الشريكان بتحكيم أربعة أشخاص للفصل في
الخلاف بينهما، فسار المحكمون في إجراءات التحكيم حتى توصلوا إلى الحكم بالزام
الشريك الاخر بتعويض صاحب الأرض بمبلغ يقارب مليون ريال بالإضافة إلى تسليمه مبلغ
ثلاثة مليون ونصف ريال ما يخص صاحب الارض من عائدات المشروع فقام المحكمون الثلاثة
بالتوقيع على الحكم في حين امتنع المحكم الرابع عن التوقيع ورفض أيضاً تحرير مذكرة
تتضمن أسباب امتناعه عن التوقيع على الحكم ، فلم يقبل الشريك المحكوم عليه بدفع
المبالغ المشار اليها لم يقبل بحكم التحكيم فقام بتقديم دعوى بطلان حكم التحكيم
أمام محكمة الاستئناف،فقبلت الشعبة المدنية دعوى البطلان واقرت بطلان حكم التحكيم،
وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (أن حكم التحكيم قد خالف القانون في اجراءاته
ثم أن حكم التحكيم صدر بأغلبية المحكمين فلم يقم المحكم الرابع بالتوقيع على الحكم
ولم يقم بكتابة مذكرة تتضمن أسباب امتناعه عن التوقيع على حكم التحكيم) فقام
المحكوم له بحكم التحكيم بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي فرفضت الدائرة المدنية
الطعن واقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث أن
مقتضى المادة (2) تحكيم أن التحكيم عبارة عن نظام قانوني وقضاء خاص يقوم على مبدأ
سلطان الارادة فيستند الحكم الصادر في خصومة التحكيم على رضاء ومحض ارادة
المحتكمين سلفاً باختيارهم كتابة شخص اخر أو اكثر للحكم بينهم دون القضاء العام
والمحكمة المختصة للنظر والفصل فيما ثار أو يثور بينهم من خلافات أو منازعات ،وحيث
تنص المادة (48) تحكيم على أن (تصدر لجنة التحكيم حكمها كتابة ويوقعه المحكمون
جميعهم ماعدا في حالات صدور الحكم بالأغلبية فانه يجوز للمحكم الذي لم يوافق على
الحكم عدم التوقيع مع ذكر الأسباب ويجب ان يصدر الحكم مسبباً والا اعتبر باطلا
ولاغيا إلا اذا اتفق الطرفان على خلاف ذلك...الخ) ولذلك فان مؤدي هذا النص أنه يحق
للخصوم عند تحريرهم لوثيقة التحكيم التي
يتفقوا فيها على اختيار أكثر من محكم يجوز لهم الاتفاق على انه عند امتناع احد
المحكمين او الاقلية عن التوقيع على الحكم فلا يلزم ان يحرر الممتنع سبب امتناعه
على ان يتم ذكر ذلك في الوثيقة، وفي حالة عدم اتفاق الخصوم على ذلك فانه يحق
للمحكمين ان يثبتوا في مدونة الحكم امتناع احد المحكمين او الاقلية عن التوقيع
وسبب امتناعهم اذا المحكم الممتنع عن تحرير ذلك، لان الأصل ان يصدر الحكم بالاجماع
كتابة ويتم التوقيع عليه من جميع المحكمين اذا كانوا متفقين على ما ورد في الحكم
فان اختلفوا حال المداولة ففي هذه الحالة لا بد من صدور الحكم بأغلبية المحكمين
والمعارضين الأخرين من الاقلية الذين لم يوافقوا على رأي الاغلبية ولو كان واحداً
فيكون على الاقلية اما التوقيع مع الاغلبية ولهم بيان سبب رفض النتيجة والحكم الذي
انتهى إليه حكم الاغلبية أو الامتناع عن التوقيع شريطة بيان الاقلية سبب الامتناع
والرفض للتوقيع فان رفض الممتنع ذلك ينبغي على الاكثرية ان بذكروا في الحكم ذاته
امتناع المحكم عن التوقيع ورفضه تحرير سبب الامتناع على ان يتم ذكر ذلك في ورقة الحكم والا اعتبر حكم التحكيم ناقصاً يتعين ابطاله
لعدم بيان مسألة جوهرية فيه، وفي القضية التي تنظرها الدائرة فقد وجدت الدائرة ان
حكم التحكيم خلا من توقيع احد المحكمين الاربعة وكذا عدم بيان سبب امتناعه ورفضه
التوقيع على حكم الاغلبية مما لا يغني معه أو يشفع لصحة صدور حكم التحكيم بذاته،
إذ الاصل في حالة سكوت وعدم اتفاق الخصوم
على بيان كيفية صدور حكم التحكيم بوثيقة أو شرط التحكيم سواء بالإجماع أم
الاغلبية، طبقاً لمفهوم النص أن يصدر الحكم بالإجماع إلا أذا اتفق الخصوم على ذلك
بوثيقة التحكيم أو شرطه طبقاً للمادة (48) تحكيم، ولذلك فان الدائرة تحكم برفض
الطعن) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : جوهرية بيان سبب امتناع المحكم عن التوقيع على الحكم :
صرح الحكم محل
تعليقنا بأن اغفال حكم التحكيم عن بيان سبب امتناع المحكم عن التوقيع أو رفضه
كتابته مذكرة تتضمن بيان سبب امتناعه عن التوقيع صرح الحكم محل تعليقنا بأن هذه
المسألة جوهرية يترتب على اغفالها بطلان حكم التحكيم، وترجع جوهرية هذه المسألة
إلى أن الاصل في الحكم مطلقاً أن يصدر بإجماع هيئة الحكم فصدوره بالأغلبية ورد على
سبيل الاستثناء المقيد ببيان سبب امتناع المحكم أو الاقلية عن التوقيع فاذا تخلف
هذا البيان فلم يتحقق شرط الاستثناء، كما ان بيان سبب امتناع المحكم عن التوقيع
يبين ان المحكم الممتنع قد استمع المرافعة وشارك في المداولة لأنه فقط قد خالف
بقية المحكمين في منطوق الحكم وتبعاً لذلك فان هذا البيان يدل على مشاركة العضو
الممتنع في كافة مراحل التداعي وتبعا لذلك فأن هيئة التحكيم قد باشرت كافة
إجراءاتها وهي مكتملة الهيئة.
الوجه الثاني : محتوى بيان سبب امتناع المحكم عن التوقيع :
لم تشترط المادة (48) تحكيم صيغة معينة لهذا
البيان، ولكن هذا البيان ينبغي أن يحدد بوضوح السبب الحقيقي الذي جعل المحكم يمتنع
عن التوقيع على الحكم، وفي الواقع يكفي المحكم الممتنع أن يذكر أنه قد خالف بقية
المحكمين في وجهة نظرهم ازاء بعض المسائل المتعلقة بتقدير الادلة أو منطوق الحكم
أو مقدار الشيء أو المبلغ المحكوم به، كما لا يشترط النص السابق ان تكون المذكرة
المتضمنة بيان السبب مكتوبة بخط القاضي الممتنع
فيجوز ان تكون مطبوعة طالما وهي مذيلة بتوقيع العضو الممتنع كما لم يشترط
النص السابق وقت معين لإيداع المذكرة المتضمنة بيان سبب التوقيع فيجوز تقديمها أو
ايداعها في أي وقت فيجوز ايداعها بعد ايداع نسخة حكم التحكيم لدى محكمة الاستئناف
بل ان هذا يحدث في اليمن كثيراً فبعض المحكمين يرفضون إيداع المذكرة المتضمنة بيان
سبب امتناعهم عن التوقيع على الحكم حتى تقوم محكمة الاستئناف بتكليفهم بإيداعه
المذكرة أو الحضور إلى المحكمة لسماع سبب شفويا.
الوجه الثالث : جواز قيام اغلبية المحكمين بإثبات سبب امتناع المحكم عن التوقيع على الحكم :
اشار الحكم محل
تعليقنا إلى أنه يجوز للمحكمين الموقعين على الحكم أن يذكروا في مدونة الحكم ذاته
أن احد المحكمين أو الاقلية منهم امتنعوا عن التوقيع على الحكم وسبب امتناعهم عن
ذلك حيث ترد في ذيل حكم التحكيم وقبل توقيعات المحكمين عبارة (وبعد المداولة فقد
امتنع عضو هيئة التحكيم فلان أو فلان عن التوقيع على الحكم بسبب كذا وكذا) فاذا ذكرت الاغلبية ذلك في متن الحكم فلا يكون
حكمها عرضة للبطلان بسبب عدم البيان.
الوجه الرابع : جواز اتفاق الخصوم أو المحتكمين على عدم اشتراط بيان الاقلية لسبب الامتناع :
اشار الحكم محل
تعليقنا بأنه يجوز للخصوم المحتكمين أن يتفقوا في وثيقة التحكيم على أنهم يقبلوا
بحكم التحكيم من غير حاجة إلى بيان الاقلية عن سبب امتناعها عن التوقيع، فذلك
بمثابة اتفاق أو عقد رضائي بين الخصوم ينبغي على المحكمين وغيرهم تنفيذ ارادة
الخصوم المحتكمين، لان التحكيم قضاء خاص يقوم ويعتمد على ارادة الخصوم فيجوز لهم
الاتفاق على خلاف ما ورد في قانون التحكيم الذي اشترط قيام المحكم الممتنع عن
التوقيع ببيان سبب عدم توقيعه.
الوجه الخامس : بيان سبب الامتناع عن التوقيع وما اذا كان من النظام العام :
اشار الحكم محل
تعليقنا ان بيان سبب الامتناع مسألة جوهرية يترتب على اغفالها بطلان الحكم طالما
ووثيقة التحكيم لم يرد فيها اعفاء المحكم الممتنع عن التوقيع من بيان سبب عدم
توقيعه، ومعنى هذا أنه يجوز للأفراد الاتفاق على خلاف على ما ورد في قانون
التحكيم، فذلك يدل على ان هذه المسألة ليست من النظام العام والا لما جاز للأفراد
الاتفاق على ما يخالفها، الله اعلم.