الاجازة اللاحقة كالوكالة السابقة

 

الاجازة اللاحقة كالوكالة السابقة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من المسائل الشائعة ان يتجاوز الوكيل حدود وكالته العامة فيقوم بالتصرف بأموال الشخص الذي قام بتوكيله توكيلا عاما، ويتم هذا التصرف بموجب تلك الوكالة العامة مع أن الشرع والقانون يشترطا لبيع العين أو التنازل عنها أو التصالح بشأنها توكيلاً خاصاً لخطورة هذه التصرفات، وفي بعض الحالات يقوم الموكل باجازة التصرف السابق لوكيله فيصير التصرف الذي كان  موقوفاً نافذاً باجازة المالك او الموكل، ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9/2/2014م في الطعن رقم (53913) وتتلخص وقائع الدعوى التي تناولها هذا الحكم أن شخصين ابرما عقد شراكة  في فندق سياحي في احدى المدن اليمنية، وكان احد الشريكين مقيم خارج اليمن فقام بتحرير توكيل عام للشريك المقيم في اليمن بإدارة الفندق وتمثيل الشريك المقيم في الخارج في كل المسائل المتعلقة بالفندق، وبعد مدة قام الشريك الذي يدير الفندق ببيع نصف حصص الشريك المقيم في الخارج وقد تم بيع الحصص بموجب الوكالة العامة المشار اليها ،وبعد فترة ادعى الشريك الخارجي بأن الشريك الداخلي قام بالتصرف بجزء من حصصه في الفندق من غير وكالة خاصة منه وان التصرف لا يجوز بموجب الوكالة العامة، فرد الشريك الداخلي ان الشريك الخارجي قد اجاز تصرفه مراراً وانه لديه شهود على أن الشريك الخارجي قال بعد التصرف بجزء من حصصه قال : أنه لا يعترض على تصرف الشريك الداخلي ولو كان على قطع رقبته، وبناءً على ذلك فقد حكمت المحكمة الابتدائية بان الشريك الخارجي قد اجاز تصرف الشريك الداخلي، وقضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم الابتدائي وكذا أقرت المحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (اما ما يخص نعي الطاعن بان الحكم الاستئنافي قد جاء مخالفاً لنص المادة (943) مدني التي اشترطت ان يكون لفظ التصرف بتفويض خاص مع ان مستند الوكالة كان توكيلاً عاماً بشأن الادارة واستلام الايجارات والتصرف في الفندق بالتأجير ونحوه فان الشعبة قد ردت على ذلك إضافة إلى أنه قد جاء في حيثيات الحكم الابتدائي المؤيد من قبل الشعبة ان المدعي علم بتصرف وكيله وقيامه  بالتنازل عن نصف حصته في منفعة الفندق موضوع الشراكة ولم يعترض عليه في حينه بل أنه اجاز تصرف وكيله وافاد بان لديه وكيلاً في اليمن وانه موافق على ما صدر عن وكيله ولو كان على قطع رقبته كما افاد بذلك الشاهدان في شهادتهما المثبتة في الوثيقة المحررة بنظر القنصلية اليمنية في ....والتي تم تقديمها  أمام المحكمة في جلسة 20/12/2009م حيث استدلت المحكمة بنص المادة (909) مدني على أن (الاجازة اللاحقة لتصرف سابق في حكم الوكالة السابقة) كما ان الدائرة تجد أن هناك قرائن عدة تؤيد ما توصلت اليه محكمتا الموضوع بشأن موافقة حكمهما للقانون ومن ذلك الشهادة التي تحررت في القنصلية اليمنية من قبل الشاهدين المشار اليهما وكذلك عدم انكار الطاعن استلامه للمبلغ المدفوع مقابل التنازل عن نصف حصته) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : نطاق الوكالة العامة :

الوكالة العامة هي افصاح الأصيل الموكل عن توكيله لغيره في ابرام كافة التصرفات وتمثيله أمام كافة الجهات، وبموجب هذه الوكالة العامة يحق للوكيل نيابة عن موكله ان يبرم كافة التصرفات وان يمثله أمام كافة الجهات الا انه من المتفق عليه ان الوكالة العامة لا تجيز للوكيل ان يباشر التصرفات التي من شانها اسقاط حق او ملك الاصيل الموكل اونقله الى الغير او التنازل عنه او التصالح أو التحكيم بشأنه مع الغير أو بيعه أو طلب اليمين أو النكول عنها أو الاقرار لخصوم الموكل المالك، فحدود الوكالة العامة هو مباشرة الوكيل للتصرفات الادارية التي من شانها ادارة ورعاية حقوق ومصالح الاصيل الموكل، وفي بعض الوكالات العامة تتضمن عبارات مثل(يحق للوكيل بموجب هذه الوكالة بيع العين والصلح والتحكيم ...الخ)  والوكالة العامة  تثير جدلاً واسعاً في اليمن حيث يذهب اتجاه واسع إلى ان وجود هذه العبارات في سياق الوكالة العامة لا يغير في الامر شيئاً إذ لا تجيز هذه الوكالة للوكيل البيع أو التحكيم وإنما يجب ان يتم تحرير وثيقة وكالة خاصة مستقلة للبيع او الصلح او التنازل او غيره حتى يتم ارفاق اصلها مع عقد البيع او التنازل او غيره لان الحجية لاصول الوثائق إضافة إلى خطورة بعض التصرفات كالبيع والتنازل والصلح التي تستدعي العودة او الرجوع الى المالك الموكل للوقوف على ارادته حتى لو وجدت هذه التصرفات في الوكالة العامة فضلاً عن ان هناك مسائل وتفاصيل كثيرة بشأن هذه التصرفات تحتاج إلى ذكرها في التوكيل الخاص بكل تصرف من هذه التصرفات علاوة على انه في الغالب تكون قد انقضت فترة من تاريخ صدور الوكالة العامة تغيرت خلالها ارادة المالك الموكل  ، في حين يذهب اتجاه ثان الى انه يكفي ذكر هذه التصرفات في التوكيل العام وبموجبه يستطيع الوكيل البيع والتنازل وغيره بدون حاجة لتوكيل خاص طالما وقد ذكر المالك الموكل في الوكالة العامة بان قد وكل الوكيل بأجرائها.

الوجه الثاني : اجازة التصرف الذي باشره الوكيل بدون وكالة في الحكم محل تعليقنا: 

من خلال مطالعتنا للحكم محل تعليقنا نجد أنه قد اشار إلى ان الشريك الموجود بالخارج قد قام بتوكيل الشريك داخل اليمن بادارة الفندق وتأجيره وقبض ايجاراته والتصرف بالفندق بالتأجير ونحوه أي ان هذه الوكالة عامة فلم تتضمن هذه الوكالة التصرف بجزء من حصص الشريك الموكل إلا أن الوكيل قام ببيع جزء من حصص الشريك الخارجي بموجب الوكالة العامة ومع ذلك فان الحكم محل تعليقنا قد قضى بصحة تصرف الوكيل بجزء من حصة الاصيل الموكل، لان الاصيل قد اجاز تصرف الوكيل لاحقاً حيث قام مالك الحصص الموكل باستلام قيمة الحصص المبيعة كما ان شاهدين قد ذكرا : أن المدعي قد قال : امامهما : انه موافق  على التنازل الصادر عن وكيله باليمن ولو كان على قطع رقبته واستند الحكم محل تعليقنا إلى ذلك فاعتبر ما صدر من الاصيل بانه اجازة لاحقة للتصرف الصادر من الوكيل ببيع جزء من حصص الاصيل، عملاً بقاعدة (الاجازة اللاحقة للتصرف كالوكالة السابقة على التصرف) كما ان الحكم لم يشترط في الاجازة ان تكون مكتوبة او بصيغة او الفاظ معينة طالما وقد تم اثبات الاجازة الشفوية الصادرة من المالك للحصص حتى لو كانت الشهادة بمثابة افادة مكتوبة من السفارة اليمنية في الخارج بان المالك قد قال امامهم بان تصرفات وكيله باليمن ملزمة له ولو على قطع رقبته كما يستدل على الاجازة ببعض القرائن كالعلم بالتصرف وعدم الاعتراض عليه او قبض مقابل التصرف وغير ذلك ،وهذا يعني ان الاجازة الضمنية معتبرة فالحكم محل تعليقنا لم يشترط في الاجازة ان تكون كتابية او صريحة فيكفي ان تكون الاجازة ضمنية طالما انه بالامكان  اثباتها.

الوجه الثالث : الاجازة اللاحقة في القانون :

نصت المادة (909) مدني على أن (الاجازة اللاحقة لتصرف سابق في حكم الوكالة السابقة) وأساس هذه القاعدة هو الفقه الاسلامي، ومعنى هذه القاعدة ان الاجازة تصح وتستند الى وقت ابرام التصرف وليس من وقت صدورها، فاذا تصرف الانسان فيما يملكه غيره من غير  وكالة سواء  ببيع أو هبة او اعارة او اجارة او غير ذلك فان تصرفه موقوف لانه لا يجوز لاحد ان يتصرف في ملك غيره او بغير وكالة او اذن ،فيكون التصرف موقوفاً على اذن او اجازة المالك صاحب الحق، فعندئذ تكون الاجازة اللاحقة كالوكالة السابقة من حيث ترتيب اثارها الشرعية، فيكون التصرف صحيحاً مرتباً لاثاره من تاريخ القيام بالتصرف وهذا هو قول الزيدية والحنفية وبه اخذ القانون اليمني، وذهب الشافعية الى خلاف ذلك لان الاجازة تصدر متاخرة عن التصرف فلا يترتب اثرها الا من وقت صدورها، وقد اخذ القانون اليمني بهذه القاعدة لكثرة الاحتياج لها، لان المالك قد يرى ان التصرف الموقوف على اجازته فيه مصلحة راجحة له كما ان الاجازة اللاحقة توجد نوع من الاستقرار في المعاملات لاسيما عندما يكون المتصرف له حسن النية او لا يعلم الشروط اللازمة لإبرام بعض التصرفات او المعاملات المالية كالبيع والاجازة والاعارة وغير ذلك، والله اعلم.