إعمال تقرير جهاز المحاسبة أولى من تقرير المحاسب المختار

 إعمال تقرير جهاز المحاسبة أولى من تقرير المحاسب المختار

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين 

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة هو المحاسب القانوني للوحدات الادارية والاقتصادية للدولة والوحدات المعانة من الدولة، فهو الجهة المختصة قانوناً بمراجعة وتدقيق حسابات الجهات الحكومية والمعانة وكشف الجرائم والمخالفات المالية ، ومن هذا المنطلق فان تقارير الجهاز المتضمنة نتائج مراجعته وتدقيقه للحسابات الحكومية المختلفة والجهات التي تقدم لها الدولة العون تكون لهذه التقرير حجيتها الرسمية، وذلك يقتضي إعمالها عند تعارضها مع التقارير الاخرى الصادرة عن المحاسبين القانونيين المختارين من الخصوم أو المنتدبين من المحكمة، فقد قضى بذلك الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 1/4/2012م في الطعن رقم (43134)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم : أن نيابة الأموال العامة اتهمت ثلاثة موظفين بإختلاس مبالغ متحصلة من المشتركين في مشروع مياه،وقد توصلت محكمة الأموال العامة إلى الحكم بإدانة المتهمين وحبسهم والزامهم بإعادة المبالغ المختلسة،واستندت المحكمة الابتدائية إلى تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الذي يؤكد صحة الواقعة ونسبتها للمتهمين وتحديد قدر المبالغ المختلسة وادوار المتهمين...الخ ، وقد قام المتهمون باستئناف الحكم الابتدائي فالزمت  الشعبة الجزائية المجلس المحلي الذي يتبعه مشروع المياه والمتهمين باختيار محاسب عن كل طرف لإعادة مراجعة وثائق  المشروع وتحديد ادوار المتهمين وتحديد المبالغ المختلسة، واستناداً إلى التقرير المقدم من المحاسبين المختارين من المجلس المحلي والمتهمين قضت الشعبة ببراءة المتهمين، فقامت نيابة الأموال العامة بالطعن بالنقض في الحكم حيث قبلت الدائرة الجزائية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فقد تبين للدائرة ان ما جاء في طعن النيابة قد جاء في محله وذلك لما شاب حكم الشعبة من الخطأ في الاستناد حيث الغت الشعبة الدليل الثابت وهو تقرير الرقابة والمحاسبة الواضح والمفصل فلم تعمل به مع ثبوته وعملت بتقرير المحاسبين المختارين من المجلس المحلي ومن المستأنفين، فحتى على فرض صحة تقرير المحاسبين المختارين من المجلس المحلي والمستأنفين فانه يتضمن أيضاً ادانة للمتهمين وإن كانت المبالغ الواردة فيه اقل مماورد في تقرير الرقابة والمحاسبة، ومع ذلك فقد قضت الشعبة ببراءة المتهمين ولم تعمل بتقرير الرقابة والمحاسبة، ولان المحكمة قد وقعت في الخطأ في تطبيق القانون ولم تسبب لإلغاء الحكم الابتدائي بأسباب قانونية مقنعة، ولذلك واستناداً إلى المادة (443) إجراءات تجد أنه من اللازم  تدخلها لتصحيح الخطأ الذي وقعت فيه محكمة الاستئناف والحكم بنقض الحكم الاستئنافي وإقرار الحكم الابتدائي الصادر عن محكمة الأموال العامة الابتدائية لقيامه على اسباب سائغة تطمئن اليها هذه المحكمة) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية : 

الوجه الأول : حجية تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة : 

تستمد تقارير الجهاز المركزي حجيتها القانونية من قانون الإثبات الذي يقرر ان المحررات الرسمية هي تلك الصادرة عن الموظفين العمومين المختصين بموجب القانون وان تلك المحررات تكون لها حجيتها الثبوتية الكاملة وانه  لا يجوز الطعن فيها إلا بالطريق المقررة لذلك وهي دعوى التزوير، وبموجب المادة (7) من قانون إنشاء الجهاز المركزي للرقابة فانه يختص بمراجعة وتدقيق وفحص الحسابات والموازنات والتصرفات المالية لكافة وحدات الجهاز الاداري للدولة ووحدات القطاعين العام والمختلط بالإضافة إلى كافة الوحدات التي تقدم لها الدولة العون، وبموجب المادة (13) من قانون إنشاء الجهاز فان الجهاز ملزم بإعداد تقارير دورية تتضمن نتائج مراجعته وتدقيقه لحسابات الجهات الخاضعة لرقابته، وبناءً على ذلك فان تقارير الجهاز لها حجيتها الكاملة، مع أنه يحق للجهات المعنية والاشخاص المتضررين المطالبة بتعديل أية اخطاء مادية أو قصور قد يرد في تقارير الجهاز شريطة تقديم المستندات المؤيدة لذلك. 

الوجه الثاني : الموازنة بين تقرير الجهاز وتقارير المحاسبين المختارين من الخصوم أو المنتدبين من المحكمة : 

سبق القول ان تقارير الجهاز محررات رسمية يتم اعدادها بموجب القانون في حين يتم اعداد تقارير المحاسبين المختارين بموجب تكليف او ندب من المحكمة المختصة، ولذلك فان تقارير الجهاز اولى بالتطبيق والاعتماد عليها، فقد لاحظنا ان احكاماً قضائية كثيرة لا تسمح للمحاسبين المختارين ان يعيدوا مراجعة الحسابات الواردة في تقارير الجهاز حيث يكتفون بتكليف المحاسبين المختارين بدراسة اعتراضات الخصوم وملاحظاتهم على ما ورد في تقارير الجهاز شريطة ان يقدم الخصوم الادلة المقنعة التي تؤكد وجاهة اعتراضاتهم. 

الوجه الثالث : وجوب قيام محكمة الطعن بتسبيب الغاء الحكم المطعون فيه أو تعديله : 

اشار الحكم محل تعليقنا إلى أنه كان من الواجب على الشعبة الجزائية التسبيب القانوني الكافي المقنع لقضائها بالغاء الحكم الابتدائي، فقد اوجب القانون على محكمة الطعن عند الغائها أو نقضها أو تعديلها للحكم المطعون فيه أن تقرر ذلك باسباب قانونية وواقعية سائغة ومقنعة وكافية ، كما أن القضاء قد استقر في العالم على انه يجب على محكمة الطعن ان تسبب تسبيبا قانونيا مقنعا لقضائها بالغاء الحكم المطعون فيه وان يكون هذا التسبيبً قانونياً مقنعاً وكافياً حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، لان محكمة الطعن بإلغائها للحكم المطعون فيه لم تقوّض فقط منطوق ذلك الحكم بل هدمت الأسباب والأسس التي قام عليها الحكم المطعون فيه،فهذا الأمر يستلزم البيان القانوني الشافي للالغاء  وكذلك الحال اذا ما قضت محكمة الطعن بتعديل الحكم المطعون فيه  فعندئذ يجب عليها ان تذكر اسباب الغائها للفقرة الملغية من المنطوق بالإضافة الىً أنه يجب عليها أيضا ان تضع اسبابا جديدة للفقرة البديلة التي قضت بها معدلة بذلك الحكم الطعين(الاحكام والاوامرالجنائية،المستشارمعوض عبدالتواب،ص162)، والله اعلم. 



الاسعدي للطباعة ت: 772877717