الممثل القانوني للوقف امام القضاء

 

الممثل القانوني للوقف امام القضاء                 

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

 

من المقرر في قانون الوقف ان الولاية العامة على الاوقاف منعقدة لوزارة الاوقاف ولذلك فهي الممثل والنائب القانوني عن الوقف, وهذا التمثيل القانوني ينطلق من ان الاوقاف لها الشخصية الاعتبارية والذمة المالية والموازنة المستقلة ,فالأوقاف في الفقه الاسلامي وباتفاق الفقهاء هي اول تأصيل شرعي لفكرة الشخصية الاعتبارية في الفقه الاسلامية حيث كان يتم التعامل مع الوقف منذ فجر الاسلام  على اساس ان  له شخصية اعتبارية وذمة مالية مستقلة عن بيت مال المسلمين ,وانطلاقا من الشخصية الاعتبارية الشرعية والقانونية التي تتمتع بها وزارة الاوقاف فأنها تقوم بإسناد الوظائف الفرعية في المحافظات والمديريات بل وحتى داخل ديوان الوزارة لتنظيم الاوقاف والاشراف عليها حيث تسند الوزارة هذه الوظائف والاختصاصات الفرعية والمحلية الى موظفين يكونوا بمثابة نواب عن صاحبة الصلاحية الاصلية وهي وزارة الاوقاف, ولان الوقف له طبيعته الخاصة لأنه مال الله الذي لا يباع ولا يشترى فان النيابة لهؤلاء ليست طليقة مثل النيابات الاخرى حيث ترد على النيابة في الوقف قيود وضوابط تحول دون العبث والتبديد لأموال الوقف, وللأسف فان هذا التأصيل الشرعي والقانوني للشخصية الاعتبارية للوقف غائب عن اذهان الكثيرين لا نقول ذلك جزافا بل من خلال الاطلاع على قضايا واقعية عملية يتكرر حدوثها وتفرز اشكالات تحتاج الى توصيات ومقترحات ,ومن هذا المنطلق وعلى هذا الاساس فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7\1\2011م في الطعن المدني رقم(41975)سنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها الحكم ان مزارعين اختلفا  بشأن ملكية الرهق وجزء من المال الصالب المملوك للوقف حيث قام احدهما برفع دعوى امام المحكمة الابتدائية ادعى فيها انه قام ببيع مساحة من الارض الى المدعى عليه الا ان المشترى المدعى عليه لم يدفع الثمن ووضع على الارض الحطب ؛ فأجاب المدعى عليه بالإنكار؛ وحين علم مدير الاوقاف في المديرية بالدعوى قام بالتدخل في القضية نيابة عن الاوقاف العامة مدعياً ان الارض المتنازع عليها وقف, وقد خلصت المحكمة الابتدائية الى الحكم (بصحة بصيرة المدعي وصحة الوقفية وذلك لعدم تعارضها مع البصيرة المشار اليها وبطلان الرقم المسمى (الناقض)وقد ورد ضمن اسباب الحكم الابتدائي  (وحيث ان المدعي ابرز بصيرة الشراء للأرض وقد اعترف المدعى عليه بوقوع البيع من جده الا انه علل ذلك بقوله ان جده باع ما لا يملك لان الارض ملك الوقف, اما مبرزات الوقف والتي تضمنت صورة وقفية فعند المقارنة بين البصيرة المبرزة من المدعي وبين صورة الوقفية اتضح ان البصيرة حكت شراء المدعي من البائع اليهم شعبة كذا, فيما ذكرت صورة الوقفية ان الوقف زهبة شعبة كذا أي انه لا يوجد تعارض بين البصيرة وصورة الوقفية لان الزهبة يحدها من جهة غرب الشعبة  أي ان الوقف اوقف الزهبة ولم يوقف الشعبة  اما بخصوص الرقم المسمى بالناقض الذي ابرزه المدعى عليه فيلاحظ بالعين المجردة ان البياض والمداد جديد لا يمكن ان يتعدى عمره عشرين سنة) فلم يقبل المدعي بالحكم الابتدائي حيث قام بالطعن فيه امام محكمة الاستئناف وكذا قامت وزارة الاوقاف باستئناف الحكم وقد ورد في استئناف وزارة الاوقاف: ان الشعبة كاملة بما في ذلك  مراهقها وقف وان أي تصرف او بيع لا حجة له فقبلت محكمة الاستئناف عريضة استئناف  وزارة الاوقاف ورفضت استئناف المدعي حيث حكمة محكمة الاستئناف بإلغاء الفقرة الواردة في منطق الحكم الابتدائي وقضت محكمة الاستئناف بان الشعبة كاملة وقف, وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (اما بالنسبة للوقفية فقد ظهر قيام مدير الاوقاف مع امين سر المحكمة بمطابقة صورة الوقفية بأصلها المحفوظ لدى وزارة الاوقاف بناء على قرار المحكمة وقد تمرد المدعي عن الحضور عند المطابقة كما ظهر للشعبة ان ما تضمنته الوقفية والبصيرة التي يتمسك بها المدعي هو نفس محل النزاع وانه عبارة عن مساقي ماء منحدرة يصب ماؤها فليست ارضا زراعية وهذا ما لا خلاف عليه وانما الخلاف حول مسودة الوقف هل اصلها موجود لدى الاوقاف ام لا؛ وحول المحرر المسمى بالناقض هل كاتبه  هو كاتب البصيرة التي يتمسك بها المدعي (المستأنف) وحيث ظهر ان مسودة الوقف المشار اليها موجودة في وزارة الاوقاف وتمت مطابقة الصورة على اصلها وحيث ظهر ان كاتب الناقض هو ما كتب البصيرة  وظهر من خلال التصريف بخطة انه عدل ثقة وانه قد تضمن في مرقوم الناقض انه قد تم استرجاع الثمن من المبيع المنتكل لشعبة كذا, اضافة الى ان المنتكل لم يكن ملك للبائع لأنه وقف لسقيف كذا, الامر الذي يستوجب معه قبول الاستئناف المقدم من وزارة الاوقاف) فلم يقبل المدعي المستأنف بالحكم  الاستئنافي فقام بالطعن فيه امام المحكمة العليا وذكر في طعنه ان مدير الاوقاف بالمديرية لا صفة له وانه ليس لديه  وكالة  من وزارة الاوقاف للترافع وان الحكم الاستئنافي قد اعتمد على صورة الوقفية وصور المستندات لا حجية لها , الا ان المحكمة العليا رفضت الطعن واقرت الحكم  الاستئنافي ,وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا ( وحيث ان الثابت في الاوراق ان مدير الاوقاف في المديرية تدخل في القضية لصالح الوقف وهو مخول  قانونا بتمثيل الوقف في المديرية ووكل لاحقا محامي وامام محكمة الاستئناف مثل الاوقاف المحامي بموجب وكالة من الوزارة اما ماذكره الطاعن بشان  ان محكمة الاستناف لم تلزم الوزارة بإحضار اصل المسودة واتمام المطابقة في الوزارة وليس في المحكمة فذلك لا يبطل الحكم) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية : 

الوجه الاول : التمثيل لقانوني للوقف امام القضاء :

وفقا لقانون الوقف ولائحة وزارة الاوقاف نجد ان الولاية على الوقف مقررة لوزارة الاوقاف حيث ان القانون واللائحة قد اناط بها الادارة والاشراف  والرقابة والمحافظة على اموال الوقف ويندرج ضمن هذه  الاختصاصات تمثيلها اما القضاء للمطالبة بأموال الوقف وحقوقه والدفاع عنها في مواجهة المعتدين والغاصبين ,ولاشك ان الممثل القانوني للوزارة امام الغير بما في ذلك القضاء هو وزير الاوقاف ونائبه او من يفوضانه للقيام ببعض الاعمال المحددة في التفويض وبموجب ذلك فان قيام الوزير ونائبه بتعيين مدراء الاوقاف في المحافظات والمديريات بمثابة تفويض لهؤلاء بالمحافظة والدفاع عن اموال الوقف وتنميتها في نطاق المحافظات والمديريات التي تم تعينهم بها ,ولذلك لا يحتاج مدير الاوقاف في المديرية الى توكيل من الوزير للتدخل في الدعوى الكيدية التي تهدف الى الاستيلاء على مال  الوقف ومباشرة إجراءات التقاضي نيابة عن الوقف ,الا ان اموال الوقف لها اهميتها وخصوصيتها التي تقتضي دراسة الدعاوي وإجراءات التقاضي وجمع الأدلة التي تكون غالبا محفوظة لدى وزارة الاوقاف لذلك ينبغي على مدراء الاوقاف  مخاطبة الوزارة بأية قضايا او دعاوي يكون الوقف طرفا فيها حتى تتولى الوزارة دراسة هذه القضايا والدعاوى واقتراح المعالجات والتدابير المناسبة في ضوء ما يتوفر لديها من وثائق ومستندات وبيانات  وحتى لا يتخذ من يمثل الوقف امام القضاء اية إجراءات او يدلي بأية معلومات يترتب عليها صدور احكام في غير صالح الوقف وكذا حتى لا يتم التواطؤ فيما بين من يمثل الوقف وبين غريم الوقف .

الوجه الثاني : مراهق الوقف والصالب اكثر عرضة للاعتداء :

من خلال المطالعة للأحكام القضائية نجد ان مراهق الوقف والصالب من الوقف هو الاكثر عرضة للاعتداء عليه ,ويرجع ذلك لأسباب عدة منها صعوبة اثبات تبعية  الرهق الى الوقف كما ان مساحة الرهق تكون  غير محددة كما ان الرهق لايدر عائدات او غلال ولذلك فلا يرد ذكره في بعض وثائق الوقت كالقطفة او بيان حاصلات الوقف, وكذلك الحال بالنسبة للصالب من ارض الوقف وان كانت نسبة الاعتداءات عليه اقل من الرهق, ولذلك نجد ان ارض الوقف التي تناولها الحكم محل تعليقنا عبارة عن شعبة صالبة  ومساقيها والمراهق التابعة لها والتي يسيل ماؤها الى الشعبة الصالبة.

الوجه الثالث : التقاضي الكيدي للاستيلاء على اموال الوقف :

من خلال المطالعة للأحكام القضائية التي يكون محلها اموال الوقف نجد ان كثيرا من  الخصوم يتواطؤون للاستيلاء على اموال الوقف حيث يختلقوا النزاعات والدعاوي في محاولة منهم للحصول على احكام قضائية تصوغ لهم   الاستيلاء على اموال الوقف, والحكم محل تعليقنا خير شاهد على ذلك فلولا تدخل مدير الاوقاف ونباهة محكمة الاستئناف لتم الاستيلاء على (الشعبة) مال الوقف.

الوجه الرابع : نقض البيع لمال الوقف :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه قد تكرر الحديث فيه على المحرر الناقض, فهذا المحرر هو الذي حرره كاتب البصيرة التي تضمنت بيع الوقف الى المدعي ؛ فبعد تحرير  وثيقة البيع بمدة ربما ان الكاتب الذي وصفه الحكم الاستئنافي بانه  ثقة عدل اكتشف ان الارض المبيعة التي كتب بصيرة شراءها هي وقف فقام باستدعاء البائع والمشتري وتحرير وثيقة النقض للبيع وهي المحرر الناقض ومعنى النقض  فسخ البيع لان من اركان عقد البيع ان يكون البائع مالكا لما يبيعه وقد تخلف  هذا الركن في بيع ارض الوقف ؛ وبما ان ملكية البايع لما يبيع ركن  من اركان عقد البيع فان بيع الوقف يكون منعدما وليس باطلا أي انه لاوجود له من الناحية الشرعية والقانونية فهو والعدم سواء؛ ولذلك فان الغرض من  هذا المحرر الناقض هو  اثبات حالة انعدام بيع الوقف فحتى لو لم يتم تحرير ذلك المحرر فان البيع لارض الوقف يكون منعدما لا يترتب عليه أي اثر مثله مثل البيع الصادر من غير المالك.

الوجه الخامس : مطابقة الصور على اصول مستندات الوقف :

 من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان محكمة الاستئناف قررت ان تتم مطابقة صورة الوقفية على اصلها المحفوظ بوزارة الاوقاف وذلك عن طريق انتقال امين سر المحكمة وخصم الاوقاف ومحامي الاوقاف الى الوزارة لإجراء عملية المطابقة؛ فلم تستجب المحكمة لطلب خصم الاوقاف بإحضار اصل الوقفية الى المحكمة ,لان فطنة الشعبة الاستئنافية ادركت خطورة اخراج اصول ومحررات الاوقاف من خزائنها وخطورة نقلها وتداولها بين الايدي فقررت الشعبة الاستئنافية الانتقال الى الوزارة لمطابقة  تلك الوثائق في الاماكن التي تحفظ فيها لما للأوقاف ولوثائقها من خصوصية، والله اعلم.