بحث الظروف التي صدر فيها الشيك

 

بحث الظروف التي صدر فيها الشيك

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

لاريب ان الشيك في اليمن يتم سحبه وإصداره في حالات كثيرة خلافاً لوظيفته القانونية بإعتباره اداة وفاء مثله في ذلك النقود، ففي بعض الحالات يتم إستعماله كضمان وقد سبق لنا ان قمنا بالتعليق على حكم سابق بهذا المعنى، كما ان الشيك يستعمل في بعض الحالات كسند دين لإثبات انشغال ذمة المدين بالمبلغ المدون في الشيك  حيث يتفق الساحب والمستفيد على ان يقوم الساحب بسحب شيك بمبلغ الدين بدون ان يتضمن الشيك تاريخ إستحقاق محدد وغالبا مايكون هذا الاتفاق في حالات يريد فيها الدائن اخفاء سبب الدين ، فإذا مات الساحب بعد ذلك ومضت مدة من تاريخ سحب الشيك   فان الأمر يستوجب على محكمة الموضوع دراسة الظروف التي صدر فيها الشيك لمعرفة فترة السحب ومعرفة خلفية العلاقة بين الساحب والمستفيد وما اذا كان الشيك قد تم سحبه بعد المخالصة بين الطرفين، هذه المسألة تناولها الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26/2/2015م في الطعن رقم (56470) وتتلخص وقائع الدعوى التي تناولها هذا الحكم ان موظفاً عاماً لدى احدى الجهات الحكومية كان يقوم بمتابعة مستخلصات ومستحقات احد المقاولين الذين ينفذون بعض المشاريع الخدمية لحساب الجهة الحكومية التي يعمل بها الموظف ، وكان هذا الموظف يتقاضى عمولة من المقاول نظير متابعته، وبعد موت المقاول ابرز الموظف شيكين بمبلغ معين قام بسحبهما المقاول لحساب الموظف من دون تاريخ ، وقد تقدم الموظف بدعوى أمام المحكمة التجارية مطالباً ورثة المقاول بسداد قيمة الشيكين بإعتبار ذلك ديناً في ذمة مؤرثهما، وقد رد الورثة بان الشيكين مجهولي التاريخ وان هناك صلح قد وقع بين مورثهما والموظف وان ذلك الصلح قاطع وحاسم للحسابات فيما بين مورثهما والموظف وانه بعد هذا الصلح لم يعد لأي طرف أي  حق أو دعوى قبل الطرف الآخر وقد تم هذا الصلح بنظر احد المشائخ ،ولذلك فان الشيكين لا يعلم تاريخهما هل هو قبل الصلح وتصفية الحساب فيما بين الطرفين أم بعده، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم للموظف بقيمة الشيكين بإعتبار الشيك اداة وفاء بمجرد الاطلاع عليه، كما ايدت الحكم الابتدائي الشعبة الاستئنافية ،فقام الورثة بالطعن أمام المحكمة العليا التي قبلت الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (على أنه بالرجوع إلى كعوب دفتر الشيكات المرفق بملف القضية نجد ان كعوب الشيكين برقمين متسلسلين بدون تاريخ لأمر المطعون ضده ويظهر عليهما تاريخ في اعلى الكعب بالخط نفسه الواضح في الشيكين وهذا التاريخ يرجع إلى الفترة السابقة للصلح فيما بين المقاول والمطعون ضده الذي قطع العلاقة بينهما وقطع الحسابات وانهى المعاملات ومع ذلك فقد احتفظ المطعون ضده بالشيكين لسنوات طويلة فماذا يفسر ذلك التراخي وبقاء الشيكين دون استيفاء، فقد ورد في محرر الصلح بين الطرفين الزام المطعون ضده بتسليم ما بيده من الأوراق وأكدت محكمة أول درجة في حيثيات حكمها الغاء جميع الشيكات الموجودة لدى المدعي المطعون ضده حالياً مسحوبة من مؤرث المدعى عليهم، وحيث ان الطاعنين يعيبون على الحكم الاستئنافي أنه قد أهمل طلباتهم في بحث هذه المسألة، لذلك فالبين ان الشعبة التجارية اضربت عن بحث وتحقيق دفاع الطاعنين ومناقشته بصورة شاملة فكان من الواجب اعطاء القضية قدراً من الاهتمام والتأمل لظروف القضية وملابساتها ووقت صدور الشيكين  والغرض من ذلك حسب والتاكد مما كان صدور الشيكات  بعد الخلاف الذي  تم حسمه بالصلح اما التمسك بالأصل ان الشيك مستحق الوفاء لمجرد الاطلاع دون تعرض لدفاع الطاعنين وتحقيقه في مثل هذا الحال من الخلاف فقد لا يوصل إلى نتيجة  الأمر الذي يتعين معه نقض حكم الشعبة التجارية) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الوجوه الاتية :

الوجه الأول : عدم كتابة تاريخ الشيك :

يقوم بعض الأشخاص بإصدار شيكات بدون تاريخ ويتم سحب الشيكات على هذا النحو لوجود ثقة مطلقة أو علاقة متينة بين الساحب للشيك والمستفيد منه، ويدور في اليمن جدل واسع بشأن الوضعية القانونية لهذا الشيك حيث يذهب اتجاه إلى ان هذا الشيك مكتمل الاركان والبيانات وان كان خالياً من التاريخ لان ذلك يعني ان الساحب قد قام بتفويض المستفيد  بكتابة التاريخ في الوقت يريد المستفيد تقديم الشيك للصرف، في حين يذهب اتجاه ثان إلى ان الشيك يجب ان يتم سحبه مكتمل الاركان والبيانات بما في ذلك التاريخ فان تخلف التاريخ مخل بالشيك.

الوجه الثاني : عدم صرف الشيك في تاريخه :

أوجبت المادة (550) تجاري تقديم الشيك للوفاء خلال شهر، في حين نصت المادة (566) تجاري على ان تتقادم دعاوى رجوع حامل الشيك على المسحوب عليه والساحب والمظهر وغيرهم من الملتزمين بمضي ستة أشهر من تاريخ انقضاء ميعاد تقديم الشيك، إلا أن المادة (569) تجاري قد استثنت الساحب من التقادم في بعض الحالات حيث نصت هذه المادة على أنه (لا يحول تقادم دعوى المطالبة بقيمة الشيك دون حامل الشيك في مطالبة الساحب الذي لم يقدم مقابل الوفاء او قدمه واسترده كله أو بعضه برد ما اثرى به دون حق ويسري هذا الحكم على الساحب اذا رجع عليه الملتزمون بوفاء قيمة الشيك) وبتطبيق هذه النصوص على القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد أن الموظف لم يجرا على تقديم الشيكين إلى البنك المسحوب كما أنه لم يجرأ على تقديمهما إلى النيابة العامة لان قيمة الشيكين مقابل عمولات للموظف الذي كان يتولى متابعة مستحقات المقاول لدى الجهة التي يعمل بها الموظف لأن تقاضي الموظف لعمولات في هذه الحالة يعد جريمة يعاقب عليها القانون، ولذلك فقد فضل الموظف اللجوء الى المحكمة التجارية ولو كنت في المحكمة التجارية لطالبت بإحالة الموظف  إلى النيابة العامة.

الوجه الثالث : بحث محكمة الموضوع لظروف سحب الشيك وعدم صرفه في حينه:

قضى حكم المحكمة العليا محل تعليقنا بانه كان ينبغي على محكمة الموضوع ان تبحث الظروف التي احاطت بواقعة سحب الشيكين وتاريخهما لاسيما وقد تأكد للمحكمة العليا ان وقت اصدار المقاول للشيكين كان قبل فترة طويلة من موته وكذا قبل تاريخ وقوع التصالح فيما بين المقاول والموظف الذي تضمن تصفية الحسابات التي كانت قائمة فيما بين الطرفين وانه لم يعد لأي طرف حق لدى الطرف الاخر وانه ينبغي على الموظف ان يعيد أيه أوراق لديه خاصة بالمقاول لإنهاء العلاقة والحسابات فيما بين الطرفين، فهذه القرائن كانت تحتم على محكمة الموضوع ان تبحث هذه القرائن والظروف والملابسات التي احاطت بالشيكين محل النزاع وان لا تكتفي بتطبيق قاعدة الشيك اداة وفاء بمجرد الاطلاع عليه لان مجال اعمال هذه القاعدة يكون في حالة الشيك السليم غير المتقادم.

الوجه الرابع : استعمال الشيك كصك دين :

ذكرنا فيما سبق سوء استعمال الشيك في اليمن واستعمال بعض الاشخاص للشيك كأداة ضمان، وفي هذا السياق المخالف يأتي استعمال الشيك كسند لإثبات الدين في ذمة الساحب فيكون الغرض من سحب الشيك ليس صرفه بل الاحتفاظ به كسند كما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، ولا ريب ان هذا الاجراء مخالف لطبيعة الشيك ووظيفته كأداة وفاء غير ان قيمة الشيك تتحول إلى دين في ذمة الساحب اذا تقادم الشيك حسبما سبق بيانه في الوجه الثاني، فالشيك لا يكون سنداً بالمبلغ الثابت فيه فلا يكون ديناً الا بعد ان تتقادم وتتعطل وظيفته الأصلية، والله اعلم.