سريان قانون العمل على العامل في المزرعة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من
الإشكاليات العملية الواقعية ان بعض رجال المال والاعمال يستخدمون بعض الاشخاص في اعمال
ليست من ضمن اعمالهم التجارية المعتادة التي يستعملون فيها العمال لديهم ولا تكون
الاعمال التي تسند لهؤلاء اعمال عارضة وأيضًا لا يكون هؤلاء من خدم المنازل ومن في
حكمهم كما انهم ليسوا من الذين يعملون في المراعي أو الزراعة مثل العامل في
المزرعة الشخصية لرجل الاعمال التي لايبيع منتجاتها حيث لا يندرج هذا العمل ضمن أي من الاعمال التي ذكر قانون العمل
انه يسري عليها أو تلك التي صىرح القانون
انه لا يسري عليها ومن هذه الاعمال العامل في
المزرعة الخاصة برجل الاعمال حيث
سكت القانون عن بيان مركزه القانوني ضمن المادة (3) من قانون العمل التي حددت نطاق سربان قانون العمل حيث حددت الفئات التي
تخضع وتلك التي لا تخضع لقانون العمل، ولذلك فان هناك فئات من العمال تحتاج إلى
اجتهاد لمعرفة ما اذا كان قانون العمل يسري عليها أو لا يسري عليها مثل العامل في
المزرعة، ومن هذا المنطلق اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الادارية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/1/2008م في الطعن الاداري رقم
(32387) لسنة 1428هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان شخصًا تقدم
بدعوى أمام اللجنة التحكيمية العمالية ضد أحد رجال الاعمال ذكر فيها بأنه قد اتفق مع رجل الاعمال على أن
يقوم المدعي بالعمل حارسًا للمزرعة الخاصة بالمدعى عليه بالاضافة الى تشغيل ماكبنة
رفع الماء البمبة وكذا تشغيل ماطور الكهرباء وسقي اشجار المانجو انه استمر في هذا العمل لمدة تزيد على ثلاث
سنوات وذكر المدعي في دعواه بأن المدعى عليه قد قام بفصله من العمل دون انذار وان المدعى عليه قد رفض تسليم المدعي بقية مرتباته ومستحقاته
وقد رد المدعى عليه بأن اللجنة التحكيمية غير مختصة بنظر القضية وانه لم يقم بفصل
المدعي تعسفيا ولكنه فصله بسبب ارتكابه جريمة خيانة الأمانة حسبما هو ثابت في
محاضر جمع الاستدلالات في ادارة الأمن، وقد سارت اللجنة العمالية في إجراءاتها حتى
توصلت إلى الحكم بقبول الدعوى ومنح المدعي مكافأة نهاية الخدمة والزام المدعى عليه
بتسليم المدعي أجرة رعي المواشي في المزرعة ودفع اجور العامل عن عمله خلال الشهر الذي
تم فصله فيه والذي استمر فيه بالعمل وكذا اجر شهر مقابل بدل الانذار وتعويضه عن
فصله في العمل وذلك اجر شهر مقابل الانذار والحكم على المدعى عليه بالمخاسير، فلم
يقبل صاحب المزرعة بقرار اللجنة التحكيمية العمالية فقام باستئنافه أمام محكمة
الاستئناف وذكر في استئنافه أن المزرعة صغيرة وشخصية ولا يتم بيع منتجاتها وان
المزرعة خاصة به توجد فيها أشجار مانجو قليلة ويستعملها في بعض أيام السنة
بالاضافة الى تربية بعض المواشي لاستعماله
الشخصي كأضاحي للعيد ولذلك فان المدعي لا يسري عليه قانون العمل وذكر صاحب المزرعة
بأنه قد دفع أمام اللجنة التحكيمية بعدم اختصاصها إلا أنها تجاهلت ذلك، وقد سارت
محكمة الاستئناف في إجراءات نظر القضية حتى خلصت إلى الحكم بتأييد قرار اللجنة
العمالية، وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (ومن استقراء قرار اللجنة التحكيمية
المطعون فيه نجد أنه قد قضى بالحقوق الاساسية المقررة في قانون العمل فكثيراً من
أصحاب المال والاعمال لا يؤدوها للعاملين كمكافأة نهاية الخدمة ومقابل الاجازة
والتعويض عن الفصل التعسفي اما ادعاء المستأنف بان العامل قد ارتكب جريمة خيانة
الامانة فان هذا القول غير معوّل عليه لان المستأنف لم يتقدم بشكواه إلى الجهة
المختصة قانوناً وحيث لم يأت المستأنف بجديد يؤثر على سلامة القرار، ولما كان
القرار المطعون فيه قد فصل بالنزاع وقضى بالحقوق الخاصة بالعامل المقررة قانوناً
كما ان الاختصاص ينعقد للجنة التحكيمية لسريان قانون العمل على العامل المدعي وليس
القانون المدني طبقاً للمادة (132) من قانون العمل) فلم يقنع صاحب المزرعة بالحكم
الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة الادارية بالمحكمة العليا رفضت
الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (من خلال
الرجوع إلى أوراق القضية فقد تبين للدائرة أن معظم ما تضمنته عريضة الطعن هو عبارة
عن إعادة لما سبق له أن اثاره أمام محكمة الاستئناف فذلك يعد من قبيل المجادلة في الوقائع وتقدير
الادلة وهو ما يخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، والمطعن الاساس للطاعن هو ما
نعاه الطاعن على الحكم الاستئنافي من تأييده لقرار اللجنة العمالية رغم عدم
اختصاصها بنظر النزاع بحجة ان المطعون ضده لا يخضع لاحكام قانون العمل حسبما ورد
في الفقرة (10) من المادة (3) عمل التي نصت على أنه لا تسري أحكام قانون العمل على
الاشخاص الذين يعملون في الزراعة والمراعي
أو الزراعة عدا الاشخاص الذين يعملون في الشركات والمؤسسات والجمعيات الزراعية
والمنشأت التي تقوم بتصنيع أو تسويق منتوجاتها والاشخاص الذين يقومون بصفة دائمة
بتشغيل أو اصلاح الآلات الميكانيكية اللازمة للزراعة أو اعمال الري الدائم
والاشخاص الذين يعملون في تربية الدواجن والمواشي، فعند تأمل الدائرة في العقد
المبرم بين الطرفين فقد وجدت ان العمل المنوط بالعامل المطعون ضده هو الزراعة
وتشغيل البمبة وحراسة المزرعة، فاذا سلمنا جدلاً بان المطعون ضده لا يدخل ضمن فئة
الاشخاص الذين يعملون في الشركات والمؤسسات الزراعية التي تقوم بتسويق منتجاتها
على اعتبار أن المزرعة كما يدعي الطاعن مزرعة بسيطة لا تستهدف تسويق المنتجات أو
البيع فلو سلمنا بذلك فان المطعون ضده يدخل ضمن فئة الاشخاص الذين يقومون بصفة
دائمة بتشغيل وإصلاح الآلات باعتباره مكلفاً بتشغيل آلة الري البمبة وهي آلة
ميكانيكية لازمة للزراعة، وحتى لو لم يكن المطعون ضده كذلك فأنه يخضع لقانون العمل
لأنه حارس للمزرعة، وعليه فان اللجنة التحكيمية مختصة بنظر اية منازعة تنشاء بينه
وبين صاحب المزرعة) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية
:
الوجه الأول : العمل المناط بالعامل في المزرعة في هذه القضية والاجر المتفق عليه :
من خلال مطالعة أسباب
الحكم محل تعليقنا نجد أن الحارس أو العامل في المزرعة هو العامل الوحيد في
المزرعة وانه كان يقوم بحراسة المزرعة وتشغيل ماطور رفع المياه والكهربا وانه كان
يقوم برعي عدد من المواشي في المزرعة وانه كان يسقي شجر المانجو ومقابل ذلك كان
يتقاضى من صاحب المزرعة اجراً شهرياً
نقدياً.
الوجه الثاني : وضعية المزرعة التي كان يعمل فيها الحارس أو العامل :
من خلال مطالعة الحكم
محل تعليقنا نجد أن المزرعة التي كان يعمل فيها الحارس كانت مزرعة خاصة برجل الاعمال
وليست مزرعة تجارية استثمارية يقوم بتصنيع أو تسويق ثمارها كذلك المواشي التي كانت
ترعى فيها كانت للاستهلاك الشخصي لصاحبها أو مالكها ولذلك لم تكن المزرعة نشاطاً
تجارياً.
الوجه الثالث : المركز القانوني للعامل في المزرعة المشار اليها :
من خلال مطالعة المادة
(3) من قانون العمل نجد انها قد نصت على انه (لا تسري أحكام هذا القانون على
الفئات الأتية : -10- الاشخاص الذين يعملون في المراعي أو الزراعة عدا : -أ-
الاشخاص الذين يعملون في الشركات والمؤسسات والجمعيات الزراعية والمنشأت التي تقوم
بتصنيع أو تسويق منتجاتها -ب- الاشخاص الذين يقومون بصفة دائمة بتشغيل أو إصلاح
الآلات الميكانيكية اللازمة للزراعة أو اعمال الري الدائم -ج- الاشخاص الذين
يعملون في تربية الدواجن والمواشي) ومن خلال استقراء هذا النص نجد ان الاصل العام
ان العاملين في الزراعة أو المراعي لا يخضعون لقانون العمل، لان العقود التي تنظم
هذه العلاقات هي عقود مدنية ينظمها القانون المدني مثل عقود المزارعة والمساقاة
والمغارسة وغيرها وهذه العقود تناسب العلاقات التي تنشاء بين ملاك المزارع
والمزارعين المستاجرين حيث لا يتقاضى الفلاح أو المزارع أجرا نقدياً من مالك الأرض
وإنما يأخذ من محصول الأرض، واذا كان الأصل بمقتضى النص القانوني السابق أن العامل
في الزراعة اوالمراعي لا تسري عليه أحكام قانون العمل للاعتبارات السابق ذكرها إلا
أن هناك ثلاث حالات مستثناة من ذلك الأصل ذكرها النص القانوني ذاته تسري عليها
أحكام قانون العمل وهي ثلاث حالات سبق ذكرها يظهر فيها أن الغرض فيها من الرعي أو الزراعة هو
التجارة وتحقيق الربح حيث يستهدف صاحب المزرعة تسويق المنتجات وبيعها ففي هذه
الحالات الثلاث يخضع العامل فيها لاحكام قانون العمل، وعند تطبيق هذا المفهوم على
العامل في المزرعة في القضية التي تناولها
الحكم نجد أن العقد المبرم فيما بينه وبين صاحب المزرعة هو عقد عمل تضمن الأعمال التي التزم العامل بأدائها مقابل اجر
نقدي شهري وتبعاً لذلك فليس العقد مدني لانه ليس من العقود المدنية كالمزارعة
والمساقاة والمغارسة وغيرها بل هو عقد عمل تنطبق عليه أحكام قانون العمل علاوة على
أن من ضمن الأعمال المتفق على أن يقوم العامل بها تشغيل الآلة الميكانيكية لرفع
المياه (البمبة) ولذلك فان عمله يندرج ضمن الحالات المستثناة من قاعدة العمل في
الزراعة أو الرعي لا يخضع لقانون العمل وعلى هذا الاساس فان العامل يستحق الحقوق المقررة في قانون
العمل حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.